«رحلة» ليس سيرة رسمية.. بل كتاب مثير عن رئيس وزراء بريطاني

كان بلير من السياسيين القلة المستعدين لمواجهة المخاطر لتحقيق أهدافهم

«رحلة» الكاتب: توني بلير عدد الصفحات: 624 الناشر: هتشينسون - لندن 2010
TT

من المبكر كثيرا تقييم الأثر الباقي الذي خلفه توني بلير من خلال بقائه طويلا في منصب رئيس الوزراء داخل الساحة السياسية البريطانية. ويقول خصومه: «إنه مثل ملاكم وزن خفيف يهتم بالدوران السريع أكثر من اهتمامه بصنع سياسات مهمة». ويثني عليه أصدقاء، ويقولون: «إنه رجل دولة قاد المملكة المتحدة خلال عقد صعب شهد تغييرا».

ولكن الشيء المؤكد أن توني بلير من هؤلاء السياسيين القلة المستعدين لمواجهة المخاطر خلال سعيهم من أجل تحقيق أهدافهم. وهذا هو السبب الذي جعل من المدة التي قضاها في منصب رئيس الوزراء على مدار 11 عاما فترة شيقة في الساحة السياسية البريطانية. وهذا ما يجعل كتابه «رحلة» عملا رائعا يستحق القراءة.

وخلال قراءة كتاب «رحلة»، لا يجب البحث عن معلومات مهمة يتم الكشف عنها بخصوص قضايا سياسية مهمة، فلا يوجد رئيس وزراء يكشف عن أسرار بمجرد أن يغادر منصبه. ولا يجب أن يبحث القارئ عن إشارات شخصية، فعلى أي حال ليس توني بلير، الذي تحول مؤخرا إلى الكاثوليكية، القديس أوغسطين.

وإذا وضع القارئ هذا الأشياء في الاعتبار، يمكن أن يجد «رحلة» شيئا يستحق القراءة، حيث يقدم الكتاب نظرة متعمقة في الساحة السياسية البريطانية المعاصرة وواحدا من أكثر السياسيين موهبة خلال الفترة الأخيرة، فيما يمكن أن يوصف بأنه أسلوب انطباعي.

وتعد مسيرة بلير شيئا استثنائيا، فهو أول سياسي بريطاني يصبح رئيسا للوزراء من دون خبرة سابقة في منصب حكومي. كما أنه أحد اثنين فازا بالانتخابات العامة لثلاث مرات على التوالي (الشخص الآخر هو مارغريت تاتشر) ومن بين تسعة رؤساء لحزب العمل بعد الحرب العالمية، لم يفز سوى ثلاثة (كليمنت أتلي، وهارولد ولسون، وبلير) بالانتخابات العامة. خسر أتلي وويلسون انتخابات عامة، ولم يحدث ذلك أبدا مع بلير.

وربما يقرر مؤرخون أن مساهمة بلير الرئيسة تمثلت في تحويل حزب العمال إلى كيان ديمقراطي اجتماعي على النمط الأوروبي الحديث، ونجح بلير في فرض إصلاحات أثارها لأول مرة هيو غيتسكيل في أواخر الخمسينات، كما حرر بلير حزبه من ارتباط عاطفي عبثي بنزع السلاح من جانب واحد وجدد دعمه المطلق لـ«الناتو». وقد كان وزير الخارجية عن حزب العمال أرنست بيفين من أحد المهندسين الأصليين لـ«الناتو».

وتحت قيادة بلير، انتهت حرب أيديولوجية استمرت قرابة قرن من الزمان داخل الساحة السياسية البريطانية، ليحل محلها نقاش حول وسائل برغماتية لإدارة اقتصاد يعتمد على السوق من أجل صالح الأغلبية.

ويزعم الكثير من خصوم بلير أنه لم يكن أكثر من سياسي متشكك في نيات الآخرين ليست لديه معتقدات راسخة. ولكن ليس هذا هو الانطباع الذي يتشكل لدى القارئ بعد أن يفرغ من كتاب «رحلة».

ويقول بلير: «إنه قام بما فعل لأنه كان يعتقد أنه على حق». ولا يوجد سبب لعدم تصديقه في ذلك. وعلى سبيل المثال، ما مصلحة شخص في إرسال قوات بريطانية من أجل إعادة رئيس منتخب ديمقراطيا في سيراليون؟ ولماذا يكون رئيس وزراء بريطاني في الطليعة يقنع الاتحاد الأوروبي والناتو بالتدخل عسكريا داخل كوسوفا من أجل إنقاذ أغلبيتها المسلمة من التعرض لمذبحة على يد الصرب؟

ويمكن طرح سؤال مماثل عن قرار بلير، وهو الأكثر إثارة للجدل في حياته المهنية، الانضمام إلى تحالف تتزعمه الولايات المتحدة ويضم 34 دولة لتحرير العراق من حكم استبدادي استمر على مدار قرابة 30 عاما.

كان من السهل أن يبقى بلير بعيدا عن الحرب داخل العراق. وفي الواقع، قال الرئيس الأميركي حينها جورج دبليو بوش لبلير، إن واشنطن «ستتفهم» قرار لندن بعدم الانضمام إلى التحالف. ولم يكن ثمة سابقة لذلك، ففي 1964 رفض هارولد ويلسون، رئيس الوزراء عن حزب العمال حينها، دعوة أميركية للانضمام إلى الحرب داخل فيتنام. ولكن لأن بلير كان يعتقد أن النظام الحاكم البعثي شر، فلم يتردد في المساعدة على الإطاحة بصدام حسين.

ربما لا يزال هناك بعض الحنين إلى صدام حسين في بعض الدوائر السياسية. ولكن لا يأسف بلير على مشاركة بريطانيا في الحربين داخل العراق وأفغانستان.

ويثني بلير على بوش كرجل مخلص ومثالي كرس نفسه للقيام بما يستطيع ضد الديكتاتوريين الوحشيين في الدول النامية. ولكن كان بلير صريحا بصورة مفاجئة في تأكيده أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سبب الاضطراب الرئيسي والإرهاب داخل الكثير من الدول، ومن بينها العراق وأفغانستان. ويشير أيضا إلى أنه لو بقي في 10 دونينغ ستريت لكان دعا إلى سياسة غربية لاحتواء وتقويض النظام الخميني داخل طهران.

وخلال الأيام القليلة الماضية، ركزت وسائل الإعلام البريطانية على جزء من الكتاب يتناول العلاقة المعقدة بين بلير ووزير خزانته وخلفه غوردن براون. وهنا إشارة إلى النزعة الخيرية المسيحية في بلير. يزعم بلير أن براون يحب التحكم في كل ما يحدث من حوله ويخطط في السر وليس لديه «أي مشاعر عاطفية». ولعدم وجود دليل مستقل على ذلك، يعرف القارئ أن بلير يعبر عن غضبه من مشاعر متراكمة على مدار الأعوام تجاه زميل ومنافس جعل الحياة صعبة عليه.

كتاب «رحلة» ليس سيرة رسمية، ويمكن أن قراءته ككتاب مثير عن رئيس وزراء بريطاني.