عين «وول ستريت» على المسرح الغنائي الأميركي

حقل خصب للاستثمارات يجوب العالم ويحصد المليارات

TT

بعد الأفلام والمسلسلات، ها هي المسرحيات الأميركية الغنائية تغزو العالم، وتتحول إلى ظاهرة في كبريات العواصم. الأميركيون يصدرون مسرحهم الاستعراضي بنجاح باهر، وبأرباح خيالية، جعلت «وول ستريت» يدخل على الخط بعد أن أصبح الكلام يدور على مليارات من الدولارات، كمداخيل لم تكن في الحسبان. مسرحيات قادمة من مختلف الثقافات، تأمركت وعادت إلى أصحابها بحلل جديدة، وبأسعار يعجزون عن دفعها في أحيان كثيرة.

في الشهر الماضي، سأل مراسل للإذاعة البريطانية «بي بي سي» مستغربا: «ما هي نهاية غزو الصينيين للغرب؟ لماذا يعرض الصينيون مسرحيات أميركية في أدنبرة؟» كان المذيع يغطي مهرجان أدنبرة السنوي، الذي عرضت فيه مسرحيات من مختلف أنحاء العالم. وقال: «استغرب مشاهدون لوجود صورة عملاقة لسور الصين العظيم في خلفية أحد المسارح، ثم عرفوا أن السبب هو أن مدينة هواييرو الصينية تتبنى عرض مسرحيات موسيقية أميركية».

لكن، قبل ظاهرة تصدير الصين لمسرحيات أميركية إلى بريطانيا، توجد ظاهرة أهم، وهي تصدير أميركا لمسرحياتها إلى الخارج، أي إلى الصين وغير الصين. وبالنسبة للأميركيين، عندما يتبنى الصينيون مسرحية أميركية ويعرضونها في بريطانيا، يؤكد ذلك مثلهم الذي يقول: «إيميتيشن سينسيرست فورم أوف فلاتري» (التقليد أخلص أنواع الثناء).

ربما كان لا بد أن يصدر الأميركيون مسرحياتهم بعد أن صدروا أفلامهم السينمائية ومسلسلاتهم التلفزيونية. في الحقيقة، لا يوجد فرق كبير، لأن بعض المسرحيات بدأت كأفلام سينمائية، ولأن العكس حصل، إذا نجحت مسرحية في برودواي (شارع المسارح في نيويورك) تتلقفها هوليوود (عاصمة السينما).

مثلا، في سنة 1999، أنتجت شركة «والت ديزني» للأفلام السينمائية نسخة جديدة من فيلم «طرزان». طبعا، ليس الفيلم جديدا، وهو واحد من أول الأفلام الأميركية التي أنتجت في ثلاثينات القرن الماضي (عن مغامر أبيض في أحراش أفريقيا). لكن، عدلت شركة «ديزني» الفيلم، وحذقت أشياء كانت فيها إساءات إلى الأفارقة والسود، وحولت الفيلم إلى كرتوني موسيقي. وبعد سبع سنوات، في سنة 2006، عرضت مسرحية «طرزان» الموسيقية في شارع برودواي. وكانت الخطوة التالية هي تصديرها. وعرضت في دول أوروبية، وتعرض الآن في دول في العالم الثالث.

وكتبت إيلين غيمارمان، ناقدة مسرحية في صحيفة «وول ستريت جورنال»، تقول: «أكثر المسرحيات الأميركية نجاحا في الخارج هي الغنائية - الموسيقية، وذلك لأنها لا تتكلم كثيرا، ولأنها تركز على المناظر، وتقدم كل شيء وكأنه رقصة أو أغنية».

مع بداية الصيف، في طوكيو، بدأ عرض مسرحية «ليون كينغ» (الأسد الملك). وفي سيول، بدأ عرض مسرحية «بيلي». وفي مانيلا، بدأ عرض مسرحية «ليغالي بلوند» (شقراء قانونيا). وفي أوسلو، بدأ عرض مسرحية «نيكست تو نورمال» (بعد العادي).

في الصيف الماضي، لم تنجح مسرحية أميركية أو غير أميركية، حول العالم مثلما نجحت مسرحية «ليون كينغ» (الأسد الملك). درّت أكثر من ملياري دولار من الدول الأجنبية، ويساوي هذا ثلاثة أضعاف دخلها داخل أميركا. وقال توماس شوماشر، نائب رئيس شركة «ديزني» للإنتاج المسرحي: «لقد تجاوز هذا تقديراتنا التفاؤلية. نحن لا نصدق ما يحدث». وقال إن شركات مسرحية أميركية صارت تراهن على أنه عندما تفشل مسرحية في أميركا ولا يشاهدها عدد كبير من الناس، تنجح في الخارج. وأن سبب ذلك هو توفر المسرحيات الأميركية داخل أميركا، وندرتها في الخارج.

ربما ما كانت إيلين غيمارمان، الناقدة المسرحية لصحيفة «وول ستريت جورنال»، وهي صحيفة رجال الأعمال والمستثمرين في «وول ستريت» (شارع المال)، ربما ما كانت ستهتم بالكتابة عن تصدير المسرحيات الأميركية لولا أنها صارت حقلا خصبا للاستثمار والمستثمرين.

مؤخرا، زاد في «وول ستريت» (شارع المال) عدد الوسطاء الذين يجمعون بين مستثمرين ومنتجي مسرحيات وأصحاب مسارح. ووصل الحد الأدنى لـ«شراء» مسرحية أميركية وعرضها في الخارج إلى ربع مليون دولار.

وكما يتوقع، يزيد إقبال الأجانب على المسرحيات الموسيقية، وذلك بسبب مشكلات ترجمة المسرحيات العادية، والتغلب على الاختلافات الثقافية إذا كانت المسرحية فكاهية أو لها صلة بعادات وتقاليد أميركية.

حتى مسرحية «الأسد الملك»، أكثر المسرحيات نجاحا، واجهت مشكلات من هذا النوع. مثلا: في النسخة الأميركية يغنى العصفور «زازو» أغنية «سيوبركاليفراجيليستكاكسبياليدوشاص». وطبعا، هذه أغنية حتى اسمها طويل وغريب، ناهيك عن محتوياتها. لهذا، في النسخة الأسترالية، صارت «تاي مي كانغارو»، وهي أغنية أسترالية عن حيوان الكانغارو. وفي النسخة الصينية صارت إعلانا تجاريا في شكل أغنية (لم يفهم الأميركيون لماذا هذا). وفي النسخة الألمانية صارت أغنية «هايدي» وهي أغنية أطفال ألمانية قديمة.

تنجح المسرحيات الأميركية الغنائية أكثر عندما تكون مستوحاة من فيلم، مثل: «الأسد الملك» و«طرزان» و«سندريلا»، وأيضا، عندما تكون لها صلة بالبلد الأجنبي الذي تعرض فيه. مثلا، أحب اليابانيون مسرحية «فيدلر أون ذا روف» لأنها تفتخر بالتراث القديم، وربطها اليابانيون بفخرهم بتراثهم القديم. (قيل إن ممثلا يابانيا مشهورا مثل دور «فيدلر» تسعمائة مرة، لفخره بتراثه). وأحب التايلانديون مسرحية «الأسد الملك» لأن أغلبية مناظرها تدور في غابات تايلاند.

لكن، أجدر الدول بحب مسرحية «الأسد الملك» يجب أن تكون الدول الأفريقية، لأن المسرحية عن حيوانات أفريقية وعن فخر هذه الحيوانات بأفريقيا، وعن أغاني وأناشيد أفريقية ممتعة. لكن، لسوء الحظ، لم تعرض هذه المسرحية، لغاية الآن، في أي دولة أفريقية. ويوجد فيلم آخر أنتجته شركة «ديزني»، وهو «مولان» (أنتج سنة 1998). وهو إذا تحول إلى مسرحية لا بد أن الصينيين سيحبونه كثيرا، لأنه عن فتاة صينية. وربما الشيء نفسه بالنسبة للعرب، في حال تم اقتباس فيلم «علاء الدين» (أنتج سنة 1992) ليصبح مسرحية.

يبدع الأميركيون في تحويل ما هو أجنبي وغريب عنهم إلى أميركي، ثم يعيدونه إلى الأجانب مؤمركا. فقد أمركوا «البيتزا» الإيطالية، ثم صدروها إلى العالم (وإيطاليا). وأمركوا «التاكو» المكسيكية، ثم صدروها إلى العالم (والمكسيك). وأمركوا القهوة والمقاهي العربية في «ستارباك»، ثم صدروها إلى العالم (واليمن، مصدر القهوة). كما أمركوا مسلسلات تلفزيونية بريطانية وصدروها إلى العالم (وبريطانيا)، مثل: «أوول إن فاميلي» (داخل العائلة)، و«ستانفورد آند صن» (ستانفورد وابنه، الأسودان).

وها هم يؤمركون مسرحيات أجنبية، ويصدرونها إلى العالم. مثل «بيلي إليوت» (من بريطانيا) التي عرضت في شارع برودواي قبل ثلاث سنوات. وهذا الصيف، عرضت في كوريا الجنوبية، كمسرحية أميركية. اشتراها منتج كوري، وبدلا من أطفال بريطانيين بؤساء في عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر، استخدم المنتج أطفالا كوريين.

ومرة أخرى، خلال عرض هذه المسرحية، برزت الاختلافات الثقافية (خصوصا ترجمة النكات والأمثال) كمشكلة. خاصة أن الكوريين، تأدبا، يترددون قبل أن يشتموا الناس في العلن. وأطفالهم يترددون في قبول ارتكاب شيء من هذا القبيل، ولو كان ذلك من باب التمثيل. واضطر المخرج الكوري للطلب من آباء وأمهات أطفال ظهروا في المسرحية ليتدخلوا ويقنعوا أطفالهم باستخدام الشتائم «مؤقتا». ووافق هؤلاء بعد أن قلل المخرج من بذاءة الشتائم.

لكن، لا بأس، أقبل الكوريون على المسرحية، خصوصا أنها غنائية استعراضية، ولا يعرف تاريخ المسرحيات في كوريا هذا النوع الذي يقدم قصة مصحوبة بالأغاني والموسيقى والرقص.

وظهرت مشكلة ثقافية أخرى في الفلبين عندما عرضت المسرحية الأميركية «ليغالي بلوند» (شقراء قانونيا)، التي كانت فيلما قبل أن تتحول إلى مسرحية. حسنا، ماذا يفعل الفلبينيون وهم سمر وشعرهم أسود مع شقراء أميركية ناصعة البياض؟

اختاروا أكثر الممثلات بياضا، نيكي غيل، ثم وضعوا على رأسها باروكة شقراء. لكن، كما كتب جيريك بينا، ناقد مسرحي في مانيلا: «كادت الباروكة تسقط أثناء التمثيل». وأضاف: «لم تكن الفلبينيات في رشاقة ونضارة ومرح الأميركيات. لقد كن في حاجة إلى جرعات كبيرة من الكافيين والمنشطات».

وكانت هناك مشكلة ثقافية أخرى، وهي أن «الشقراء القانونية» (سميت كذلك لأنها، بعد استعراض غبي لجمالها لجذب أنظار الرجال، ذهبت إلى جامعة هارفارد، وصارت محامية تدافع عن الفقراء والمحتاجين) كان عندها كلبان: «بروزر» و«روفوس». لكن، كما قال الناقد: «يجب أن لا يتوقع أحد أن تظهر كلاب حية على المسرح». ربما لأن أكل لحم الكلاب ليس أمرا غريبا في الفلبين؟

«حساسيات» أم لا.. تظل المسرحيات الأميركية تغزو العالم مثل الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والصحف والإذاعات، كلها تؤثر، وتغزو بهدوء، وتتمدد في العالم، إيجابا بالانفتاح على ثقافات جديدة، وإمكانيات وأفكار مسرحية جديدة، وسلبا بهز هويات غير الأميركيين، الذين لا يزالون لا يفهمون لماذا يقلل الأميركيون من شأن جمال السوداوات والسمراوات.