ببليوغرافية خالد اليوسف عن أدب المدينة المنورة

ريادة النشر وأصالة الأدب وغزارة الإنتاج

المدينة المنورة شهدت ريادة في النشر الروائي والصحافي في السعودية
TT

في دراسته الجديدة التي صدرت مؤخرا بعنوان «أدب وأدباء المدينة المنورة - دراسة ببليوغرافية وتحليل ببليومتري»، يرصد الباحث السعودي خالد بن أحمد اليوسف، مسيرة الإبداع الأدبي بمختلف فنونه المعروفة في المدينة المنورة، كاشفا عن معلومات هامة عن أدب المدينة المنورة وأدبائها. وبشكل أساسي، كشفت هذه الببليوغرافيا، عبر عدد كبير من الكتب التي أجرت مسحا لها وبلغ عددها 420 كتابا، عن أصالة الأدب العربي في المدينة المنورة، وتجذره تاريخيا، وانتشاره في أرجائها، وتواصله مع كافة مناطق الوطن، بل والخروج إلى العالم العربي منذ زمن بعيد، وعن عمق التجربة الأدبية لدى الكتاب المدنيين، لهذا جاء العطاء متنوعا وموزعا على فنون الأدب العربي.

تغطي الدراسة الببليوغرافية حركة التأليف والطباعة والنشر منذ عرفتها المدينة المنورة حتى وقتنا الحاضر. وجاءت الدراسة ضمن مشروع اليوسف الببليوغرافي الذي يرصد فيه ما يتعلق بالإبداع الأدبي السعودي في مجال الرواية والقصة والشعر والدراسات النقدية.

غطت هذه الببليوغرافيا أعمال 162 أديبا وكاتبا في مختلف فنون الأدب، ومن كل مكان، إما خاصا وإما ضمنيا، أما أدباء المدينة المنورة الذين تمت تغطية إنتاجهم فقد بلغوا 122 أديبا وأديبة، وهم 99 أديبا، و23 أديبة.

وأوضح الباحث أن هذا النتاج الثقافي في المدينة المنورة جاء نتيجة التراكم المعرفي والوعي الثقافي المتقدم ونشر الكتب والمؤلفات الأدبية منذ أوائل النهضة الفكرية في الحجاز والمملكة. وقد أبرز الكتاب كل الكتب التي كان لها قصب السبق منذ رواية «التوأمان» عام 1930، وحتى ديوان «الأنصاريات» عام 1963، وهذه علامة بارزة للمدينة المنورة في الحركة الأدبية السعودية.

ورصدت هذه الببليوغرافيا حركة التأليف والنشر في المدينة المنورة بشكل أبرز أنها متقدمة كغيرها من مدن الحجاز على غيرها من المدن السعودية، رغم أن هناك عددا من الكتب لم يذكر في بعضها تاريخ الصدور أو مكان نشرها، أو لم يصل إلى تاريخ صدورها من مصادر بحثه واطلاعه.

وتوصل الباحث من خلال تحليلاته الببليوغرافية والببليومترية، لما تحصل من أرقام وإحصاءات، أمام نتائج محفزة، ومعلومات ثرية، نستقيها من هذه الببليوغرافيا، إلى عدد من الحقائق، يأتي في أولها، أن المدينة المنورة شكلت مع شقيقتها مكة المكرمة مركزا حضاريا، وموقعا تنويريا ثقافيا وتعليميا على مر العصور، فانعكس ذلك على الإنتاج الأدبي الغزير المتواصل منذ أن بدأت الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية.

ثانيها، أن أدباء المدينة المنورة اشتهروا بالعمل الموسوعي، والأعمال الكاملة الجامعة، وتعدد المعرفة والإنتاج الأدبي، فجاء عبد القدوس الأنصاري رائدا، مثلما برز عبد السلام هاشم حافظ، ومحمد حسين زيدان، وعزيز ضياء، ومحمد العيد الخطراوي، وكل واحد من هؤلاء نشر في الشعر والقصة القصيرة والطويلة والدراسات الأدبية والتاريخية وتحقيق التراث، فشكلت مؤلفاتهم مرجعا ومصدرا من مصادر الأدب السعودي والعربي.

ثالثها، أنه جاء نتيجة التراكم المعرفي، والوعي الثقافي المتقدم نشر الكتب والمؤلفات الأدبية منذ أوائل النهضة الفكرية في الحجاز والمملكة، ومن هذه الكتب: رواية «التوأمان» عام 1930، و«الأدب الحجازي» عام 1948، و«تاريخ الأدب العربي»، وديوان «وراء السراب» عام 1953، ورواية «سمراء الحجازية» ورواية «غرناطة» عام 1955، و«أديب من الحجاز» عام 1957، ورواية «ذكريات دامعة» عام 1961، وديوان «الأنصاريات» عام 1963، وهذه علامة بارزة للمدينة المنورة في الحركة الأدبية السعودية.

أول رواية.. وأول ديوان شعر

رابعها، وجد الباحث أن أول رواية في المدينة المنورة هي «التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، وأول ديوان شعر هو «تسالي» لماجد الحسيني صدر عام 1952، وأول مجموعة قصصية هي «من بلادي» لغالب حمزة أبو الفرج صدرت عام 1953، وأول كتاب نقدي هو «شعراء من الحجاز في العصر الحديث» لعبد السلام طاهر الساسي صدر عام 1951، وقد تلتها في الفترة نفسها أعمال أخرى في الشعر والقصة القصيرة والرواية والدراسات الأدبية.

خامسها، أن النادي الأدبي في المدينة المنورة جاء امتدادا لحركات وتجمعات أدبية مباركة، فواصل الاهتمام بالحركة الأدبية ورعايتها من خلال النشر والندوات والمحاضرات والأمسيات، والتواصل مع الأندية المماثلة داخليا وخارجيا، وتكشف قوائم العناوين والمؤلفين مدى ما وصل إليه هذا النادي من رعاية بالأدب والأدباء.

سادسها، أن الشعر في المدينة المنورة برز بصورة جلية، وذلك من خلال العدد الكبير للدواوين التي صدرت في هذه المنطقة، حيث حصرت الببليوغرافيا 124 ديوانا، مع إقرار الباحث بأنها أكثر من ذلك بكثير، خاصة في الأعمال الكاملة التي عادة ما تضم كل أعمال الشاعر، ولهذا ربما يصل عدد الدواوين الشعرية لشعراء المدينة المنورة إلى 150 ديوانا.

سابعها، أنه من الطبيعي أن تنال المدينة المنورة المركز الأول في نشر الكتب المعنية بأدبها، في هذه الببليوغرافيا، حيث بلغت 94 كتابا، وهي ليس كل ما نشر، مع قناعة الباحث بأنها أكثر من ذلك، وحين التأكد من البيانات الناقصة للكتب (الثلاثين) ستتضح الصورة الحقيقية للنشر الأدبي في المدينة المنورة. أما المركز الثاني فقد جاء لمدينة الرياض (80 كتابا) وهي العاصمة التي يلجأ إليها كثير من أدباء الوطن، أما المركز الثالث فقد كان لمدينة جدة (60 كتابا) وهذا طبيعي لأنها أقرب مدينة حضارية انتقل إليها أدباء ومثقفو المدينة المنورة.

ثامنها، أن الروائية والأديبة سميرة خاشقجي برزت كأشهر أديبة من المدينة المنورة، وذلك لأسبقيتها في الكتابة والتأليف والنشر. إلا أن المرأة في المدينة المنورة عملت على إبراز كتاباتها ونشرها داخليا وخارجيا، فجاءت الأسماء التالية كأنشط وأكثر الأديبات حضورا:

ليلى الجهني، وسهيلة زين العابدين حماد، وسالمة الموشي، وعزيزة الأحمدي، وأميمة زاهد، ومها الجهني، ونادية البوشي، ورحمة مهدي الريمي، وبثينة إدريس، وحكيمة الحربي، وصالحة السروجي، وفردوس أبو القاسم، ووفاء الطيب، وعبير الأحمدي، وأحلام حادي، وآمنة الجهني.

ومع كل ذلك يرى الباحث، أن هذه الببليوغرافيا لبست نهائية، لكنها محاولة أولى لتتبع الحركة الأدبية في المدينة المنورة، وتحتاج لمزيد من تصفحها وقراءتها بدقة وعناية، وإظهار مواطن النقص فيها.

الأنصاري رائدا

> يعرف الراحل عبد القدوس الأنصاري الذي أسس في 8 أبريل (نيسان) 1937 مجلة «المنهل»، كأحد أبرز رواد الأدب والصحافة والرواية في السعودية.

ولد الأنصاري في المدينة المنورة، سنة 1903 (1324هـ) وتلقى تعليمه بداية في المسجد النبوي، ثم التحق بعدها بالمدرسة الأهلية الأولى طالبا بقسم العلوم الشرعية، وانضم في شبابه لجماعة «نادي الحفل الأدبي» التي كانت تشكل المنتدى الأدبي لأدباء المدينة.

عمل في وظائف حكومية، أولها عمل موظفا في ديوان إمارة المدينة قبل أن يتولى بأمر من الملك عبد العزيز رئاسة تحرير جريدة «أم القرى» في مكة المكرمة.

وبعد ذلك جرى تعيينه عضوا بمجلس المعارف، ثم انتدب إلى الرياض لتنظيم شؤون التابعيات والإحصاء والإقامة. وشارك في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول الذي عقد عام 1394 هـ ببحث تحت عنوان «الملك عبد العزيز في مرآة الشعر».

انتخب كواحد من رواد الأدب السعودي وحاز على الميدالية الذهبية من جامعة الملك عبد العزيز تقديرا لريادته الأدبية مع براءتها الرسمية.

يعتبر الأنصاري أحد أبرز رواد الرواية السعودية وكانت رواية «التوأمان» الصادرة عام 1930 (1349هـ) أول عمل روائي يصدر في السعودية.

كما أن الأنصاري كان أول من وثق تاريخ المدينة المنورة وآثارها في كتابه «آثار المدينة المنورة» الذي صدر عام 1932 (1353 هـ).

وللأنصاري مجموعة شعرية بعنوان «الأنصاريات» صدرت في بيروت عام 1963 (1384هـ).

ومن أبرز مؤلفاته: كتاب «تاريخ مدينة جدة»، و«بناة العلم في الحجاز الحديث»، و«بين التاريخ والآثار»، و«بنو سليم»، وديوان «الأنصاريات».

توفي عبد القدوس الأنصاري في 22 جمادى الآخرة عام 1403 هـ (1982).

* الصحافة في المدينة المنورة

* عرفت المدينة المنورة مبكرا الصحافة، وبحسب الباحث محمد عبد الرزاق القشعمي، فإن المدينة المنورة عرفت الصحافة مع صحيفة «المدينة المنورة» التي أصدرها عام 1328هـ (1910) الشيخ مأمون الأرزنجاني، بالتركية، وقد ظهرت منها 7 أو 8 أعداد فقط، ثم توالى ظهور الدوريات خلال العهود المختلفة التي عرفتها البلاد. وكانت أول جريدة صدرت في المدينة المنورة جريدة «الرقيب» وهي خطية مطبوعة على «الجيلاتين» في أوائل سنة 1327هـ (1909)، ثم جريدة «المدينة المنورة» في السنة نفسها.. (وهي «المدينة» غير التي أصدرها آل حافظ فيما بعد).

وفي شهر ذي الحجة 1355هـ (فبراير «شباط» 1937)، أصدر عبد القدوس الأنصاري في المدينة المنورة مجلة «المنهل» وهي مجلة شهرية «تخدم الأدب والثقافة والعلم». وفي 26 محرم 1356هـ (8 أبريل 1937)، صدرت جريدة «المدينة المنورة»، التي أنشأها في المدينة عثمان حافظ، وقد كانت جريدة أسبوعية.. تطبع في مطبعتها الخاصة. وقد أشرف على تحريرها هيئة مكونة من أمين مدني وضياء الدين رجب ومحمد زيدان وعلي حافظ، وتولى في البداية أمين مدني رئاسة التحرير.. وتضاءل حجمها بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ولم تلبث أن احتجبت في 14 يوليو (تموز) 1941، ولم تعد إلى الصدور إلا في 15 سبتمبر (أيلول) 1947.