«ثورة» في شعر الهجاء يشعلها الجزائريون على «فيس بوك»

نقائض جرير والفرزدق تبعث على الشبكة العنكبوتية

الشاعر الزبير دردوخ
TT

انتعش فن الهجاء الشعري في الجزائر بشكل غير مسبوق، وهو الفن الذي كاد ينقرض في السنين الماضية إلا في بعض الدوائر الضيقة وفي مناسبات خاصة مثل الملتقيات الأدبية والمهرجانات. ومع موقع «فيس بوك» على الإنترنت عادت النقائض من جديد تذكر بتاريخ جرير والفرزدق والأخطل، الذين يبدو أنهم انتعشوا في شكل جديد.

رابح ظريف، والزبير دردوخ، وعبد العالي مزغيش وبوزيد حرز الله، هم نخبة من أبرز شعراء الجزائر، يخوضون حاليا معركة نقائض شعرية كبيرة على صفحات شبكة «فيس بوك»، وتعددت معركة الهجائيات وامتدت لتشمل شعراء آخرين مثل عبد الله الهامل وعادل صياد (الذي أعلن موتته الشعرية ودفن دواوينه منذ أشهر) إضافة إلى رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين الحالي يوسف شقرة الذي يلقى معارضة شديدة. تفجرت هذه المعركة التي بدأت معه عندما هجاه بوزيد حرز الله يقول في مطلعها:

أتاني في منامي ما أتاني

فهاجت رغبتي ونوى لساني

إلى أن يقول: رأيت الشعر منهارا فلما

سألت بكى وردت دمعتان

بان الاتحاد تملكته

أصابع ليس تشبهها اليدان

ويختمها بقوله:

لتصمت عن رزاياهم قليلا

فهم في كل حين في امتهان

ففي الدنيا.. العجائب هن سبع

وصرن بحسه الأعمى ثمان

ولم يتوقف الشاعر بوزيد عند هذا الحد، بل تكلم مع بعض أصدقائه الشعراء وأصبح كل واحد منهم يثري القصائد من خلال الحيز المخصص للتعليقات، ومن هنا اقتحم الشاعران عبد العالي مزغيش ورابح ظريف المعركة التي تم جر الشاعر الزبير دردوخ إليها، واتسعت دائرة النقائض هذه، لتشمل أشخاصا آخرين. الشاعر بوزيد حرز الله الذي بقي لسنين طويلة يكتب قصيدة التفعيلة يبدو أن فن الهجاء قد أعاده إلى القصيدة العمودية الكلاسيكية ببنائها الصارم وتجاوز هجاؤه الشعراء ليشمل أشخاصا آخرين لعل أشهرهم المدرب السابق للمنتخب الجزائري لكرة القدم رابح سعدان الذي اضطر للاستقالة مؤخرا نتيجة ضغط جماهيري كبير لم يهضم تعثر المنتخب في المرحلة الأخيرة.

وامتدت هجائيات الشاعر بوزيد حرز الله لتشمل واحدا من أبرز الشعراء الذي يكتبون الشعر العمودي في الجزائر وهو الزبير دردوخ الذي كان بعيدا عن أرض المعركة، لكنه وجد نفسه مقحما فيها، فقد قال فيه حرز الله:

دع عنك لومي فدال بعدها قفزت

تعني بلادة ما تروي قوافيكا

والواو ترسم أوهاما ترددها

أنى حللت.. وسخف في معانيكا

هذه المعركة بدأت في شهر رمضان الماضي، وأكد دردوخ أنه لن يرد إلا بعد انتهاء شهر الصيام، لكن دخل شعراء آخرون على الخط منهم عبد الله الهامل وعادل صياد (الشاعر الذي أعلن موتته الشعرية ودفن دواوينه)، فساندوا حرز الله من دون أن يكتبوا قصائد هجائية، وسرعان ما اشتعلت معركة أخرى بين شاعرين آخرين هما عبد العالي مزغيش ورابح ظريف، المحسوبين على الجيل الشعري الجديد، فقد هجا ظريف مزغيش بقوله:

يا ويحه الشعر..! يا ويح القصيدة! يا

ويح الجمال! وويح الحرف والقلم!

وبعد طول انتظار جاء رد الشاعر الزبير دردوخ قاسيا على الشعراء بوزيد حرز الله وعبد الله الهامل وعادل صياد.

وعلى الرغم من أن معركة النقائض هذه، خرجت عن إطارها في بعض الأحيان، وابتعدت عن روح الهجاء المبني على الطرفة والدعابة من دون تجريح، فإن بعض الشعراء الذين انخرطوا فيها حاولوا التقليل من ذلك.

الشاعر رابح ظريف يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر مختلف عن ما فهمه الأصدقاء؛ إذ لا يوجد بيننا إلا الحب والاحترام»، وعن «تجربته» في هجاء صديقه الشاعر عبد العالي مزغيش يضيف رابح ظريف في حديثه: «لأن ردي كان قاسيا، انسحب مزغيش مباشرة بحضور بوزيد حرز الله الذي لعب دور الشيطان الجميل في إشعال نار التنافس الشعري، وليعلم بوزيد أن هذه مزحة فقط، قلت انسحب مزغيش وتركني حتى تأكد من أني نمت، ليكتب نصا آخر استدعى فيه كل الكلمات التي تنتهي بحرف الخاء. لكني اعترضت عليه بأن الهجاء ليس أن تصف الشخص بصفاته أو تتحدث عن ماضيه أو طريقة تفكيره. الهجاء الجميل هو أن تخلق صفات في الشخص ليست فيه وتجعله يبتسم. لكن على الرغم من ذلك استقبلته بصدر رحب ولكن كان لا بد من أن أرد. ورددت عليه بقصيدة (كمرحلة أولى من هجاء مزغيش البابيش).

وهي ميمية على البسيط، كانت عنيفة، إلا أني لم أتناول فيها أي صفة من صفات صديقي مزغيش سواء في شكله أو روحه أو في طريقة تفكيره».

مع الحديث عن تراجع الشعر في المشهد الأدبي الجزائري، لم تعد القصيدة الكلاسيكية فقط، بل عاد معها غرض كاد ينقرض مع الشعر المعاصر، وهو الهجاء وعلى موقع «فيس بوك»، ولئن عاد جرير والفرزدق والأخطل في أثواب شعراء آخرين فهل سنعود قريبا إلى معلقات الشعر الجاهلي بطريقة جديدة؟