جمعية المسرحيين السعودية: العودة للمربع الأول

رئيسها أعلن توقف أنشطتها بعد نفاد مواردها المالية

TT

بعد أكثر من سنتين على تأسيس أول جمعية للمسرحيين السعوديين (تأسست في يناير/ كانون الثاني 2008)، ما زالت الجمعية أسيرة المشكلات الإدارية الداخلية، في حين كان ينتظر من أول جمعية للمسرحيين أن تأخذ على عاتقها تنشيط الحركة المسرحية التي بدت في وضع متراجع عما كانت عليه من دونها.

هذه الجمعية، التي شغلت المسرحيين والمشهد الثقافي برمته، بـ«منجز» ولادتها، و«منجز» أنها تضم لأول مرة سيدة سعودية في عضويتها، أعلن رئيسها أحمد الهذيل لـ«الشرق الأوسط»، أن ما تعانيه الجمعية من نقص في مواردها المالية، أدى إلى إيقاف كامل أنشطتها وبرامجها في مجال المسرح السعودي والتعريف به.

الهذيل، توجه باللوم لوزارة الثقافة والإعلام، قائلا: «إن الجمعية تعاني من تهميش لدورها بشكل شبه متعمد من قبل وزارة الثقافة والإعلام المظلة الرسمية لجمعية المسرحيين السعوديين»، فيما اعتبر في الوقت ذاته أن الجمعية لا تحظى بأي اعتراف رسمي من قبل الوزارة.

والحقيقة أن الحركة المسرحية تلقت اعترافا حكوميا قبل عامين (أبريل/ نيسان 2008) تمثل في إقدام وزارة الثقافة والإعلام، للمرة الأولى، على تنظيم مهرجان مسرحي مكتمل البناء من حيث العروض وورش التدريب وندوات التقييم والنقد ودعوة عشرات الضيوف من المختصين في شؤون المسرح، وكذلك الإعلان عن جائزة للأعمال المسرحية لتنشيط المنافسة بين الفرق التي كانت تعاني منذ زمن من الإهمال والتهميش.

ومنذ إعلان وزارة الثقافة والإعلام السعودية ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، في أواخر سبتمبر (أيلول) 2006، البدء في تأسيس «جمعية للمسرحيين السعوديين»، ظهرت للوجود عام 2008، فإن الجمعية تعاني من انتقادات عدة من قبل عدد من المسرحيين السعوديين حول أداء مجلس إدارتها. وكانت الجمعية تدافع، كونها تعمل وفق إمكانياتها المالية المتاحة، وعدم توفر مقر خاص بها، وتهميش دورها كمؤسسة مجتمع مدني، وعدم الاعتراف بها من قبل الملتقيات المسرحية الدولية. أحمد الهذيل، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الجمعية لا تملك مقرا رسميا ومستقلا، لذلك فهي تقوم بعملها من خلال زاوية في مقر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالرياض، وقد كانت في السابق عبارة عن غرفة مخصصة للمركز الإعلامي بمقر الجمعية.

وحمل الهذيل وزارة الثقافة والإعلام مسؤولية عدم تجهيز المقر المخصص للجمعيات الجديدة، الذي اختير بحي الملز بالرياض، ليكون مقرا لعدد من الجمعيات كجمعية المسرحيين، وجمعية التشكيليين، وغيرهما، وقال إن ذلك المقر تم أخذ الموافقة على ترميمه وإعادة تأثيثه في وقت سابق من قبل أحد المتبرعين من رجال الأعمال، إلا أن عدم متابعة الوزارة وإهمالها أدى لتأخر تنفيذ تلك الأعمال الترميمية.

واعتبر الهذيل أن كافة أعضاء مجلس إدارة جمعية المسرحيين لم يتلقوا مكافأتهم المالية من عدة أشهر بسبب عدم توفر ميزانية مالية لدى الجمعية، ولمح إلى أنه تلقى وعودا من قبل وزارة الثقافة والإعلام باعتماد ميزانية مالية مستقلة لجمعية المسرحيين ضمن الميزانية المالية المعتمدة للوزارة.

وأشار الهذيل إلى عدم توفر أي فروع لجمعية المسرحيين خارج الرياض باستثناء فرع جمعية المسرحيين بعنيزة، في ظل تعثر فرع جمعية مكة المكرمة، بعد فقدان الموافقة الرسمية بسبب إجراءات بيروقراطية حكومية - بحسب وصفه - بين إمارة منطقة مكة المكرمة وفرع وزارة الثقافة والإعلام بالمنطقة الغربية.

وأوضح الهذيل أن أعضاء مجلس إدارة جمعية المسرحيين قاموا بزيارات لأكثر من 14 منطقة من مناطق السعودية للوقوف على احتياجات تلك المناطق والفرق المسرحية، من أجل النهوض بالعمل المسرحي في تلك المناطق، بالإضافة للتعريف بالجمعية والفرق المسرحية في تلك المناطق.

وحول مدى مشاركة جمعية المسرحيين في مشاركات المسرح السعودي في عدد من البرامج الاحتفالية داخل السعودية، ذكر الهذيل أن الجمعية لم يؤخذ رأيها بأي من تلك الأعمال المسرحية سواء ما عرض باحتفالات أمانة منطقة الرياض بعيد الفطر مؤخرا، أو في بعض المشاركات الخارجية للمسرح السعودي، معتبرا أن ذلك التهميش للجمعية عائد لضعف جانب التعريف بها لدى كثير من الجهات الحكومية والخاصة، التي من المفترض بوزارة الثقافة والإعلام ممارسته، وعدم الاقتصار على مجرد الإعلان عن قيام جمعية المسرحيين السعوديين وتركها دون رعاية أو اهتمام.

وقال الهذيل إن كثيرا من الدعوات لمشاركة الفرق المسرحية السعودية في الفعاليات الخارجية، يتم إرسالها من الجهات المنظمة لتلك الفعاليات إلى وزارة الثقافة والإعلام، إلا أن بعض المسؤولين بالوزارة يقومون بترشيح فرق مسرحية دون الرجوع لجمعية المسرحيين، معتبرا ذلك تكريسا لثقافة تهميش الجمعية. واعتبر أن مشاركة الجمعية في تلك الملتقيات المسرحية الدولية لم تتم حتى الآن، وأن حضور أعضاء مجلس إدارة الجمعية تلك الملتقيات يتم وفق علاقات شخصية لهم مع الجهات المنظمة لتلك الملتقيات، بحسب وصفه.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن اللائحة الأساسية للجمعية تنص على أن فترة عملها عامان، وقد تجاوزت هذه المدة الزمنية مما يفترض إقامة انتخابات جديدة. ويقول الهذيل عن ذلك: «لقد تم التصويت على التمديد لمجلس الإدارة الحالي لمدة سنتين قادمتين، وتمت موافقة الأغلبية بالتصويت الذي أجري مساء يوم 18 يونيو (حزيران) 2009، بحضور مندوبين من وزارة الثقافة والإعلام. هم، صالح الماجد مدير عام الأنشطة الثقافية بوكالة الوزارة للشؤون الثقافية، وعبد الرحمن الرقراق مدير إدارة المسرح بالوكالة».

وذكر أنه سيتم انعقاد الجمعية العمومية بعد عام ونصف من الآن للنظر في الترشيحات التي ستقدم من قبل الأعضاء المسجلين بالجمعية للدخول ضمن قائمة المرشحين لانتخابات مجلس إدارة الجمعية، و«إن فتح المجال أمام المرأة للمشاركة في تلك الانتخابات سيكون من أولويات الجمعية العمومية، لأن وجود امرأة واحدة ضمن مجلس إدارة الجمعية الحالي لا يعكس طموح الجمعية»، مشيرا إلى أن هناك عددا من الأسماء النسائية ذوات المشاركات المسرحية مؤهلات لتمثيل المرأة في المجلس المقبل.

* الماضي والحاضر

* قبل صدور قرار تأسيس جمعية للمسرحيين السعوديين، مر المسرح السعودي على مدى سبعة عقود بمحطات عدة، وشهد محاولات متواصلة لتأسيس بنية لمسرح متكامل بدءا بالكتابة المسرحية التي سبقت بدورها فن العرض المسرحي السعودي في ثلاثينات القرن الماضي، مرورا بمسرح «قريش» الذي حاول تأسيسه الراحل أحمد السباعي في مكة المكرمة ليعرض عليه أول مسرحية هي «فتح مكة» التي جيش لها ممثلين هواة ومخرجا مصريا استقدمه لذلك. لكن اعتراض البعض أدى إلى وأد مشروعه المسرحي قبل افتتاح مسرحه. ثم جاءت مسرحية «طبيب بالمشعاب» لإبراهيم الحمدان خلال السبعينات لتمثل بذرة التأسيس الفعلي للمسرح السعودي.

وبخلاف الصورة النمطية السائدة لدى الكثيرين، التي تقول إن السعودية حديثة عهد بالمسرح وإن العروض الحالية ما زالت في بدايتها، فإنه من اللافت أن السعودية عرفت أول نص مسرحي في تاريخها بالتزامن مع تأسيس الدولة السعودية الحديثة، إذ شهد عام 1932 تقديم الشاعر حسين عبد الله سراج أول نص مسرحي شعري، وكان يحمل اسم «الظالم نفسه» وهو العام نفسه الذي تأسست فيه المملكة العربية السعودية.