كتاب مصريون يشجبون قرارا بمصادرة كتبهم في معرض الكويت للكتاب

رئيس اتحاد الكتاب العرب اعتبرها جريمة.. ورئيس اتحاد الناشرين المصريين يدافع عن إدارة المعرض

TT

حالة من الاستياء تسود أوساط الكتاب المصريين بعد قرار منع الكويت عددا من الكتب المصرية، لأدباء وكتاب وشعراء مصريين، من العرض في معرضها الدولي الخامس والثلاثين القادم للكتاب، الذي تنطلق دورته في الفترة من 13 وحتى 23 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسط غياب ردود الفعل الكويتية على المستويات الرسمية والفردية كافة.

وعلمت دور النشر المصرية بالقرار من خلال فاكسات تحمل قوائم الممنوعين من المشاركة، ومنهم: محمد حسنين هيكل، إبراهيم أصلان، إبراهيم عبد المجيد، خيري شلبي، جلال أمين، جمال بدوي، جمال الغيطاني، رضوى عاشور، محمد المنسي قنديل، فاروق جويدة، عزت القمحاوي، إبراهيم فرغلي، يوسف القعيد، فهمي هويدي، علاء الأسوانى، محمد عمارة.. وغيرهم. وهو ما يعد في نظر بعض المثقفين المصريين تربصا بالثقافة المصرية، خاصة بعد واقعة مماثلة شهدها معرض الجزائر الدولي للكتاب قبل عدة أشهر، بينما رأى الكثير منهم أن الأمر يستدعي مقاطعة مصرية للمعرض، كما طالب البعض بضرورة المعاملة بالمثل ومنع الكتب الكويتية من المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي السياق نفسه، أعلن عدد من الكتاب العرب عن تضامنهم مع موقف الكتاب المصريين، ومن بينهم الكاتب السعودي الحائز جائزة البوكر العربية هذا العام عبده خال، الذي أعلن عن اتخاذه قرارا بمقاطعة معرض الكويت.

الكاتب المسرحي محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر، قال لــ«الشرق الأوسط»: «إن الاتحاد حاليا يدرس الموضوع، وخاصة أنه يأتي في وقت تنفتح فيه المجتمعات وتتزايد فيه مساحات الحرية، لكن للأسف وجدنا تصرف الجزائر إزاء الكتاب المصريين، ثم نجد تصرف الكويت، وهذا حجر على التواصل العربي، وهي قضية خطيرة تتعدى مجرد منع بعض الكتاب من المشاركة في معرض».

واعتبر سلماوي قرار المنع الكويتي جريمة ثقافية ينبغي أن نتخذ تجاهها موقفا موحدا حتى لا تتكرر، معربا عن قلقه إزاء الكتاب العربي، مضيفا «أن الأزمة تتخطى حدود النشر إلى حدود الانتماء العربي نفسه والفكر القومي، فنحن لا يعنينا أن يكون المنع منعا لاتجاه فكري أو ديني للكتاب أو الكاتب، بل ما يعنينا هو المنع في حد ذاته».

وقال سلماوي إنه شخصيا ينظر إلى الموضوع بقلق كبير «لأنه ضد حرية تداول الكتب، والكتب هي وسيلة المعرفة ووسيلة التواصل العربي على المستوى الثقافي والفكري والوجداني، وبالتالي فإن منع أي كتب من الوصول للقارئ العربي في أي دولة أمر لا نقبله وشيء يتنافى مع مواقف الاتحاد بشكل عام، ويعد انتهاكا لحرية التعبير وحرية النشر وهي من الحقوق الثقافية الأساسية التي نطالب بها».

واستنكر سلماوي موقف بعض المثقفين المصريين الذين يطالبون باتخاذ رد فعل مساو لقوة القرار الكويتي، بمنع الكتب الكويتية من المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2011، وذهب إلى أن ذلك الفعل يمثل تفكيرا ضيقا، فالرد على جريمة لا يكون بجريمة مثلها، مؤكدا أن جرائم الثأر هي أحد مظاهر المجتمعات القبلية ولا نقبله وقال: «إذا حدث هذا فسيكون اتحاد الكتاب المصريين ضد هذا أيضا، فنحن ضد قمع حرية القارئ وضد منع الكتب العربية كافة من الوصول للقارئ المصري، لكن الرد يجب أن يكون بالحيلولة دون وقوع أي قمع ومنع للكتب».

ولم يفاجأ الروائي إبراهيم عبد المجيد بقرار المنع فقد اعتاد، بحسب قوله، منع رواياته في الكويت ومنها: «برج العذراء»، و«البلدة الأخرى»، و«عتبات البهجة»، حتى روايته الأخيرة «في كل أسبوع يوم جمعة» وقال: «لم أكن أود أن أتحدث في الموضوع، لأنه لن يضرني ككاتب مصري، فأنا مهمتي الكتابة فقط، أما أن أجد المنع يطال 35 كاتبا وكتّابا آخرين من عدة دول فهو أمر غير مبرر، وأرى الموضوع ينبع من سياسة كويتية جديدة في ظل تيار سلفي ينمو يوما بعد يوم، فقد منعت كتب الأديبة الكويتية ليلى العثمان، وسعدية مفرح، داخل الكويت نفسها، وهو أمر محزن خاصة أننا كنا نرى الكويت واحة للديمقراطية ونقدر إسهاماتها في الثقافة العربية، لأنها دولة لها إصدارات ثقافية متميزة، وخاصة سلسلة (عالم الفكر) و(عالم المعرفة)، فضلا عن الصحافة الكويتية اللامعة!».

وناشد عبد المجيد المثقفين العرب بضرورة وجود وقفة لعودة الكويت لمكانتها، واستطرد مؤكدا «لا شك في أن المثقفين الكويتيين ضد مثل هذه القرارات، وأعتقد أن مسألة مقاطعة معرض الكويت ومنع الكتب الكويتية من المشاركة في معرض القاهرة، كل ذلك كلام انفعالي لا لزوم له، فمصر يجب ألا تقع في هذا الفخ أبدا، فنحن نسعى لحرية الإبداع والرأي».

وعن موقفه قال: «لا أملك سوى الكتابة، وإذا كان هناك بيان من الأدباء المصريين يشجب ذلك القرار أرحب به جدا، وأرحب بوضع اسمي فيه من دون تفكير».

من جانبه، يرى الأديب إبراهيم أصلان أن مؤسسة الثقافة الكويتية حرة تماما في ما تتخذه من قرارات، لكنه عبر عن اندهاشه من أن يخرج هذا القرار عن دولة الكويت، قائلا: «كنا ننظر إلى دول الكويت كدولة مستنيرة وكأكثر دول الخليج تفتحا، وهذا استوقفنا كثيرا، وجعلنا في حالة شديدة من الأسى بأن تصل الأمور لهذه الدرجة، لأنه من المفترض أن معارض الكتب ليست مجرد سوق لبيع الكتب، ولكنها مناسبة لممارسة حرية القراءة والاطلاع، وهذا هو الهدف الرئيسي من أي معرض، وإذا كان هناك مبدأ منع فإنه لا مبرر لوجود معرض!».

وعن رد فعله كمثقف يعاني تلك الأزمة، قال: «في مجال العمل الثقافي، لا أؤيد المعاملة بالمثل، لا بد أن تكون هناك فروق، فنحن لا نؤيد منع الكتب، فلا يجب علينا أن نمنع أي دولة».

وباندهاش شديد تابع أصلان: «لا وجود لردود فعل كويتية حول الموضوع، وكنت أتصور إعلان موقف استنكاري لقرار المنع، لكن تلك الحالة تترجم حالة اجتماعية، لكني آمل أن تظل الكويت محافظة على الانطباع الذي تركته في العالم العربي».

أما الأديب خيري شلبي، فوصف القرار بأنه «عمل متخلف، لأن مصادرة الكتب أصبحت أمرا لا جدوى منه، فالكتاب يصعب حجبه عن القارئ بأي حال من الأحوال، فإذا لم يجده في معرض فسيجده في آخر، وإذا لم يجده فسيصوره أو يحصل عليه عبر الإنترنت، فالوسائل متعددة». وأضاف: «الأمر محزن بالنسبة لدولة الكويت فقد دأب مجموعة من السلفيين المتشدقين بالإسلام على تشويه التجربة الثقافية والديمقراطية للكويت خلال 30 عاما مضت، وامتازت بنشاط ونهضة ثقافية ملحوظة اكتسبت خلالها احترام المثقفين العرب، لإصدارها هذا الكم من السلاسل الثقافية ومجلة (العربي) المتميزة».

واستطرد شلبي قائلا: «لقد أصبح السلفيون يقبضون على عقل الكويت، فتارة يمنعون نصر أبو زيد - رحمه الله - من دخول الكويت، أو يصادرون الكتب بلا مبرر، فلو رجعنا للكتب المصادرة وبحثنا فيها عن أي سبب فلن نجد».

ويفسر شلبي هذا الأمر كموقف من الثقافة بشكل عام، وهو موقف - من وجهه نظره - محكوم عليه بالفشل، في ظل العصر الرقمي والإنترنت التي تعرض على القارئ ما يتخيله.

ويقترح شلبي مقاطعة معرض الكويت الدولي، ووجه دعوة للناشرين المصريين بالأمر ذاته، قائلا: «وإلا فما فائدة ذهاب الناشر إلى معرض منع ثلاثة أرباع ما يروج له من الكتب! وأقترح أن يصدر اتحاد الكتاب بيانا ينتقد فيه هذا الموقف ويكون له موقف واضح في هذه القضية».

وفي محاولة منه لمنع تصعيد الأمور؛ نفى الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن يكون الأمر بالصورة التي تروج لها الصحافة، فهذا الإجراء لا يمكن أن يكون موجها - في رأيه - لـ35 كاتبا مصريا، مشككا في هذا العدد، وأكد قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الإجراء الكويتي ليس موجها لرموز الفكر المصري، فهذا الإجراء طبيعي جدا في أي إدارة معرض عربي، فكل معرض لديه طريقة للإدارة وتسييره، وهو أمر بعيد تماما عن الناشرين والكتّاب، فقد وافتني أغلب دور النشر المصرية بأنه لم يرد إليها بيان يمنع كتبا محددة لكتّاب بعينهم».

وأكد رشاد أن اتحاد الناشرين المصريين ضد أشكال الرقابة، مطالبا إدارات المعارض العربية بأن «تكون هناك معايير واضحة ومحددة لعملية الرقابة». وعلل رشاد قرارات المنع بأن هناك قوة ضاغطة في العالم العربي تمارس الرقابة بشكل أقوى من الأجهزة الرسمية.

وأوضح رشاد أن هناك فارقا كبيرا بين ما اتخذه معرض الكويت الدولي من قرارات وما قامت به إدارة معرض الجزائر، مشيرا إلى أن الجزائر لم تدعُ الناشرين المصريين من الأساس وكذلك الكتّاب أيضا.

والتمس رشاد العذر للقرار الكويتي، مفترضا أنه تم بسرعة ولم يبنَ على أساس، وقال: «أرسلنا رسالة لإدارة المعرض نطالب فيها بإعادة فحص الكتب الممنوعة وخاصة أن بها مثلا (موسوعة أعلام المجددين في الإسلام)، وهي موسوعة لا تتحدث عن السياسة أو لها علاقة بالجنس أو تتوجه اتجاها دينيا أو تتصل بالفقه».

واتفق الكاتب حلمي النمنم، نائب رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب، ضمنيا، مع رأي رئيس اتحاد الناشرين المصريين، بأن قرار المنع ليس بجديد، مشيرا إلى أنه سنويا تمنع الكثير من الكتب في المعارض العربية، ولكن الأمر زاد بشكل ملحوظ هذا العام، وقال: «الأمر ليس عقابا للكتّاب المصريين، بل هو عقاب للقارئ الكويتي وحرمان له من المعرفة والاطلاع».

وأبدى النمنم تعجبه من أن يصدر هذا القرار من دولة الكويت التي يراها حاضنة للأفكار الليبرالية والقومية العربية، مؤكدا أن «الذين اتخذوا هذا القرار يفرضون وصاية على القارئ، والأسماء الممنوعة، مما يعكس تغلغل الفكر السلفي في الكويت الذي صار متوحشا، وهو التيار الذي استنكر صلاة شيخ الأزهر صلاة الجنازة على نجيب محفوظ، وفي الوقت نفسه يعرّض الكويت لأن تفقد الكثير من سمعتها ومكانتها الثقافية في العالم العربي».

ونفى النمنم أن تقاطع الهيئة المصرية العامة للكتاب معرض الكويت، مشيرا إلى أن الأمور لا تؤخذ على هذا النحو، ورفض تماما أن تكون المعاملة بالمثل من الجانب المصري، مشيرا إلى أن مصر هي بيت كل الكتّاب العرب، لافتا إلى أن «الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب لم يمنع فيها كتاب واحد من دخول المعرض طالما وصل بالطرق القانونية، وكذلك ستحرص إدارة معرض القاهرة في دورة عام 2011 على أن تعرض جميع الإصدارات والكتب دون منع أو مصادرة».