أفلام مدينة واشنطن تصد شهية متفرجي السينما الأميركيين

بعضها واقعي ويؤرخ لأحداث مفصلية للولايات المتحدة

TT

لا يستظرف الأميركيون أجواء واشنطن في المسلسلات ولا في الأفلام السينمائية؛ فهي مدينة تغلب عليها الجدية والمناخات السياسية العابسة، كما تفتقر أحداثها للمرح. هوليوود تتجنب تصوير قصص واشنطن لأنها لا تفتح أبواب الرزق على شباك التذاكر؛ فما العمل إذن كي يؤرخ الأميركيون سينمائيا لأهم أحداثهم التاريخية التي تجري في العاصمة، وليس في أي مكان آخر؟

* الأسبوع الماضي، شاهد الأميركيون آخر حلقات المسلسل التلفزيوني «زوجات حقيقيات في واشنطن»، وهو جزء من مسلسلات «زوجات حقيقيات». انتقلت أحداث المسلسل من لوس أنجليس إلى نيويورك إلى أتلانتا إلى نيوجيرسي، ثم واشنطن.

غير أن قناة «برافو» التي تقدم المسلسلات قالت إنها ربما لن تعيد مسلسل «زوجات واشنطن»، وذلك بسبب تعقيدات «سياسية»، إشارة إلى أن شخصيات وأحداثا سياسية في المسلسل كانت «جافة»، وقالت القناة إنها ستبدأ مسلسل «زوجات حقيقيات في هوليوود»، وإنه سيكون «مثيرا حقا».

وكتبت آن هوراندي، ناقدة الأفلام في صحيفة «واشنطن بوست»، أن هوليوود لا تقدم أفلاما كثيرة عن واشنطن لنفس السبب، وهو أن واشنطن مدينة «جادة». وقالت: «بقدر ما تكون أحداث واشنطن مثيرة سياسيا، لا تبدو أنها مثيرة ترفيهيا».

وقال مسؤول في قناة «برافو»: «يجب ألا يتوقع الناس منا تقديم حقائق جافة، نحن نعمل في مجال الترفية»، وقال معلق تلفزيوني في تلفزيون «إن بي سي»: «إنهم في هوليوود يريدون النساء الشقراوات اللواتي يكشفن عن أجزاء كبيرة من نهودهن، أما نساء واشنطن فحذرات، خوفا من عواقب سياسية أو تحليلات فلسفية».

لكن، ربما سيجمع فيلم جديد عن واشنطن بين الجدية والإثارة، بين الشقراوات والسياسة. هذا هو فيلم «فير جيم» (لعبة نزيهة)، اعتمادا على كتاب مذكرات فاليري ويلسون، جاسوسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) التي أثارت واشنطن، والعالم، قبل خمس سنوات.

الجاسوسة هي زوجة جوزيف ويلسون، آخر سفير أميركي في العراق قبل الغزو الأميركي سنة 2003، كتب الزوج قبل الغزو رأيا في صحيفة «نيويورك تايمز» معارضا للحرب، واتهم الرئيس بوش بأنه لا يملك أدلة كافية لغزو العراق. وخلال الأجواء المشحونة في ذلك الوقت، نشرت صحيفة أميركية أن زوجة ويلسون هي فاليري، وأنها جاسوسة في «سي آي إيه».

في وقت لاحق، صار واضحا أن أعداء ويلسون، ومؤيدي غزو العراق سربوا السر إلى الصحف، ولأن القانون الأميركي يمنع نشر اسم جواسيس الحكومة، بدأ تحقيق طويل ومعقد. وعلى الرغم من أن الموضوع لم يحسم، أشارت أصابع الاتهام إلى أن نائب الرئيس السابق (تشيني) هو الذي سرب الاسم.

واضطرت الجاسوسة لأن تستقيل، وبدأت في مشاركة زوجها حملته ضد أعدائهما، وظهرت المرأة في مؤتمرات صحافية وفي جلسات تحقيق في الكونغرس. وكانت هناك مفاجأتان: أولا: أن المرأة فصيحة اللسان وتعرف كيف تدافع عن نفسها وزوجها. ثانيا: أنها شقراء جميلة رائعة الجمال.

ولهذا عندما صدر كتاب مذكراتها لم يكن غريبا أن صورتها كانت على صدر الغلاف. والآن، مع الفيلم الجديد اعتمادا على الكتاب، تمثل دورها شقراء رائعة الجمال أيضا هي نعومي واتز.

سيبدأ عرض الفيلم الجديد الشهر المقبل، ويتوقع المراقبون الفنيون أن ينال حظا أكبر من أفلام سياسية قبله، لأنه يخلط بين السياسة والجمال، بين أعضاء الكونغرس والجاسوسة الشقراء.

وشاءت الأقدار أن مخرج الفيلم دوغلاس ليمان هو ابن أرثر ليمان، المحامي الذي شهد في الكونغرس في قضية سياسية مثيرة أخرى، هي قضية «إيران غيت» (إشارة إلى فضيحة بيع أسلحة أميركية إلى إيران في الثمانينات بهدف كسب إيران، وطبعا لم تنجح الأسلحة في كسب إيران).

قبل عشر سنوات، قدم تلفزيون «إتش بي أو» فيلما تلفزيونيا عن فضيحة «إيران غيت»، لكنه كان جادا ولم يكن مثيرا. ولم يظهر فيه نساء غير إيرانيات محجبات. ومن الذين أشادوا بالفيلم الوالد المحامي الذي اشترك في تحقيقات «إيران غيت». قال إنه «واقعي»، ويسجل مرحلة تاريخية معينة.

لكن، انتقد الوالد المحامي فيلما آخر أصدرته هوليوود عن واشنطن: «جي إف كي» (الرئيس جون فتزجيرالد كيندي)، صدر الفيلم سنة 1991، وكان محاولة من المخرج المشهور أوليفر ستون للتحقيق في مقتل كيندي سنة 1963. وكان رأي الوالد المحامي أن الفيلم «ليس جادا، وليس واقعيا»، وذلك لأن المخرج لم يقدم أدلة تثبت ما أراد أن يثبته، بل تحدث عن «مؤامرات» رددت كثيرا من دون إثباتات.

لكن هذا رأي محام، لا يمثل المشاهد العادي. غير أنه ربما يكون محقا في أن الأفلام التي تسجل مرحلة تاريخية وبأمانة يمكن أن تكون مفيدة، ويمكن أن يقبل عليها الجمهور. لكنه كرر كلمة «بأمانة»، أي أن هوليوود، إذا أرادت حقيقة تصوير واشنطن، فعليها أن تختار فيلما تاريخيا، وخاصة إذا كان وطنيا (وليس حزبيا). فيلما يستغل الأحاسيس الوطنية الحماسية للمواطن الأميركي.

قبل أسبوعين أخرج أوليفر ستون، صاحب فيلم «كيندي»، فيلما بعنوان «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك). وهو عن الكارثة الاقتصادية التي هزت أميركا، والعالم، بطل الفيلم هو مايكل دوغلاس، ابن «ممثل الكاوبويات» كيرك دوغلاس.

فيلم «وول ستريت» أكثر جدية من فيلم «كيندي»، لأنه يتحدث عن موضوع اقتصادي معقد. وصار واضحا أن المخرج فشل جدا في أن يضيف أي «إثارة» على الفيلم، على الرغم من أنه وضع الكارثة في صورة حب بين مستثمر ومستثمرة في «وول ستريت»، لكن لم ينجح الفيلم كثيرا خلال الأسبوعيين الأولين. والاعتقاد هو أنه لم يكن فيلما تاريخيا، ولم يكن فيلم حب. حاول الجمع بين الاثنين، فخسر هذا ولم يربح ذاك.

أفلام أخرى أخرجتها هوليوود عن واشنطن:

أولا: فيلم «حرب تشارلي ويلسون»، عن مساعدة عضو الكونغرس تشارلي ويلسون للمجاهدين الأفغان الذين حاربوا الاحتلال الروسي في ثمانينات القرن الماضي. تطوع الرجل، وذهب إلى أفغانستان، وأقنع الرئيس ريغان بتقديم مساعدات إلى المجاهدين.

ثانيا: فيلم «نيكسون»، أيضا أخرجه المخرج السياسي الليبرالي أوليفر ستون. وهو نقد واضح للرئيس السابق ريتشارد نيكسون، الذي اضطر لأن يستقيل سنة 1975 بسبب فضيحة «ووترغيت».

ثالثا: فيلم «دبليو»، أيضا أخرجه أوليفر ستون، عن الرئيس السابق بوش الابن، ومرة أخرى يتلذذ ستون بعرض تطرف وعنجهية الحزب الجمهوري، وخاصة، في حالة بوش الابن، الجناح المحافظ فيه.

ثالثا: فيلم «ثلاثة عشر يوما» الذي أخرج سنة 2000، وهو عن أزمة الصواريخ الروسية في جزيرة كوبا، وكان الروس أرسلوا صواريخ لوضعها هناك لتهديد الولايات المتحدة. وصمد الرئيس كيندي، سنة 1962، أمامها، حتى تراجع الروس.

رابعا: فيلم «رجال الرئيس» عن فضيحة «ووترغيت» (سنة 1976) اعتمادا على كتاب بنفس العنوان عن الفضيحة التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة، كتبه الصحافيان بوب وودورد وكارل برنشتاين.

وهكذا، تميل أفلام هوليوود عن واشنطن إلى الجدية، وتفتقد الجرعة اللازمة من الإثارة العاطفية، أو حتى الجنسية.

وعن هذا الموضوع، سألت مجلة «إنترفيو» التي تهتم بالفنون: «هل نريد إثارة أم نريد واقعا؟»، وأجابت: «إنها معضلة الجو الرسمي في واشنطن». لكن قالت المجلة إن هناك أفلاما «تاريخية مثيرة» أصدرتها هوليوود عن واشنطن، وأشارت إلى فيلم «كيندي»، وأثنت عليه كثيرا. وقالت إن «الفيلم حول التاريخ إلى موضوع ترتاح له العين، وشرح مؤامرة خبيثة من جانب مصالح سياسية وإجرامية، وشركات كانت وراء قتل جون كيندي».

وسألت الناقدة الفنية لصحيفة «واشنطن بوست» أوليفر ستون عن المنافسة بين السياسة والفن، بين الإثارة السياسية، وقال: «لا بد من جو المتعة. وتقدر المتعة أن تكون مثيرة. هناك أناس لن يرضوا أبدا. لكنني أريد أن أضع الحقائق السياسية في قالب فني، من دون الإساءة إلى الفن، ومن دون الإساءة إلى التاريخ».

وأضاف بطريقة خبيثة: «كيندي كما قدمته هو الصحيح؛ فحسب استفتاءات مستمرة، قال معظم الأميركيين إنهم يؤيدون نظرية الفيلم بأن هارفي أوسوولد لم يكن الوحيد الذي اشترك في قتل كيندي»، قال هذا نسبة ما بين 70 إلى 80 في المائة، وهي نفس النسبة منذ سنة 1980.

لكن، كتبت مجلة «إنترفيو» أن الصلة بين رأي الناس في قتل كيندي والفيلم ليست مباشرة، وقالت: «هذا موضوع وهذا موضوع»،. وحذرت من الخلط بين الحقائق التاريخية والأفلام الترفيهية. وأضافت: «يريد الناس تفسير الحقائق، حتى في الأفلام السينمائية. لكن ذلك لا يعني أن يحلق الفيلم في سماء الخيال».

ودافع عن أفلام واشنطن السياسية فيليب سوركين، مؤلف كتاب «حرب تشارلي ويلسون» عن الاحتلال الروسي لأفغانستان، الذي صار فيلما سينمائيا، وقال: «عندما يجلس الجمهور في قاعة السينما، ويسمع أن الفيلم سيكون قصة حقيقية، فسيشاهده كقصة حقيقية، وليس في هذا عيب»، واعتبر سوركين أن «الفنان لديه التزامات نحو بلده»، وأن كتابة كتب سياسية، وإخراج أفلام سياسية هما جزء من هذه الالتزامات، بهدف زيادة الوعي السياسي، حتى وإن لم يكن الفيلم مثيرا، أو فيه جنس وشقراوات، ودافع الرجل عن «تهويل الأحداث التي هي من واقع الحياة»، وقال: «عندما أكتب رواية تاريخية، أكون أظهرت شيئين: تسجيلا تاريخيا، وقصة حياة شخص، هو بطل الرواية»، وحذر من انقياد الكتب والأفلام السياسية نحو الإثارة بهدف زيادة الإقبال عليها، وقال: «أنا لا أرغب في تشويه سمعة شخص بطريقة غير عادلة».

وقالت الناقدة الفينة لصحيفة «واشنطن بوست» إن الحكم النهائي هو للجمهور، وصار واضحا أن الجمهور يحب أحيانا أفلام الإثارة الجنسية والعاطفية، لكنه أحيانا يحب الأفلام «الجافة» التي تفيده من ناحية التاريخ والحقائق، وأشارت الناقدة إلى نجاح فيلم «كل رجال الرئيس» عن فضيحة ووترغيت. وقالت: «الذي يشاهد كل رجال الرئيس لا يتوقع جنسا، ولكن تاريخا»، وأضافت: «فقط عندما تكون جيدة، لأن الشعب سيرفضها إذا لم تكن جيدة».

وهكذا، فإن الأفلام التي تدور أحداثها في واشنطن تنجح إذا أفادت المشاهد في جوانب التاريخ والحقائق والمعلومات، وتفشل إذا حاولت الجمع بين السياسة والجنس.

وكتبت مجلة «تايم» عن عدم نجاح المسلسل التلفزيوني «زوجات حقيقيات في واشنطن» أن المسلسل حاول أن يجمع بين السياسة والجنس. وجد كثيرا من السياسة، لكنه لم يجد كثيرا من الإثارة الجنسية، وذلك لأن الشخصيات، وهي حقيقية، خافت على سمعتها، وسألت: «هل يعقل أن تقبل زوجة سيناتور الظهور في المسلسل وقد كشفت عن أجزاء كبيرة من فخذيها أو نهديها؟». وأضافت أنه ربما لهذا السبب، تفضل هوليوود أن تصور هوليوود.