العرب في مرآة مثقفي الغرب

دور النشر الغربية تضخ بشكل غير مسبوق كتبا معادية للعرب والمسلمين

TT

كل من يراقب حركة النشر والفكر في العالم الغربي يلاحظ أن هناك تيارا معاديا بشكل مسبق لكل ما هو عربي أو مسلم. وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة إسلاموفوبيا التي دخلت مؤخرا إلى لغتنا العربية حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ منها. فهي تعني حرفيا الكره المسبق للإسلام والمسلمين. لكنها تنطوي ضمنيا على كره العرب لأنهم أصل الإسلام، ولأن النبي الأكرم كان عربيا ينطق بلسان مبين. قلت هناك تيار معاد لنا وليس كل التيارات لحسن الحظ. لكن ينبغي الاعتراف بأنه هو الغالب على الجمهور العريض. ومؤخرا انتقل حتى وصل إلى طبقة النخبة الأكاديمية وأساتذة الجامعات. وهذه ظاهرة جديدة مدهشة للوهلة الأولى ومقلقة. فقد عودنا أستاذ الجامعة على كبت غرائزه الذاتية الانفعالية أو لجمها واتخاذ مسافة عنها على عكس رجل الشارع الذي لا يستطيع أن يفعل ذلك. ومن المعلوم أنه توجد دائما مسافة بين البحث العلمي الأكاديمي الموضوعي، والآراء الشائعة أو الأحكام المسبقة السائدة في المجتمع عن أي موضوع كان. وإذا كنا نفهم رد فعل رجل الشارع ضدنا أو كرهه لنا بشكل مسبق بسبب جهله، فإنه يصبح عسيرا جدا بل ومزعجا فعلا عندما يصدر نفس الموقف عن أستاذ الجامعة الأكاديمي.

ويرى آلان غريش، رئيس تحرير مجلة «اللوموند ديبلوماتيك» في باريس «اننا نعيش عصر الإسلاموفوبيا بامتياز. ففي كل يوم نجد برهانا جديدا على هذا الكره المسبق للعرب والإسلام. وهذا الكره ليس ناتجا عن مخطط مرسوم أو عن مؤامرة سرية كما قد نتوهم فورا، وليت الأمر كذلك أصلا!.. وإنما هو متولد بشكل عفوي ومنبث بشكل عام في كل أنحاء المجتمع.. وهنا وجه الخطر والخطورة.. أنه يعبر عن ظاهرة مترسخة في أعماق المجتمع الغربي، ويصيب الناس جميعا كيفما اتفق يمينا ويسارا مثقفين أو غير مثقفين هكذا لا على التعيين. لكن هذا لا يعني إلغاء كليا لنظرية المؤامرة أو المخطط المرسوم عن سابق قصد وتصميم. فالواقع أن اليمين الغربي يخطط لذلك بالتعاون الوثيق مع غلاة الصهاينة الذين بلغ حقدهم على العرب حدا غير مسبوق. قلت غلاة الصهاينة ولم أقل الشعب اليهودي المحترم ككل. حذار من التعميم والظلم!». ويتهم آلان غريش، اليهودي من أصل مصري، بعض المثقفين والصحافيين الفرنسيين كبرنار هنري ليفي وسواه بتغذية هذا التيار المعادي لنا في الساحة الباريسية. فهؤلاء أصدروا مؤخرا بيانا جاء فيه ما معناه «بعد أن انتصرنا على الفاشية والنازية والستالينية الشيوعية فإن العالم يواجه الآن خطرا شموليا من نوع توتاليتاري: إنه خطر الأصولية الإسلامية. ونحن ككتاب وصحافيين ومثقفين ندعو إلى مقاومة هذه التوتاليتارية الدينية والتصدي لها». وما انفك برنار هنري ليفي يتحدث عن «الفاشية الإسلامية»، مفتخرا بأنه هو الذي اخترع المصطلح، ناسيا أو متناسيا الفاشية الصهيونية التي تبتلع بلدا بأسره وتستأصل شعبه من أرض آبائه وأجداده!

ثم لم يخطر على بال هؤلاء المثقفين المتحيزين أن يموضعوا الأصولية ضمن منظور تاريخي مقارن لكي تُفهم على حقيقتها، ولكي لا يظن المرء أنها محصورة بالإسلام فقط على عكس بقية الأديان. فمن كلامهم وكلام سواهم يستنتج المرء بشكل عفوي أن الإسلام هو في جوهره دين التعصب على عكس المسيحية واليهودية! على هذا الشيء يدينهم آلان غريش وسواه من المثقفين الشرفاء وليس على مهاجمة التطرف الأصولي. فلا يحق لهم إلصاقه بدين واحد فقط ونسيان ما فعلته بقية الأديان في هذه اللحظة أو تلك من لحظات تاريخها. بل ويتناسون فظائع الأصولية البروتستانتية في أحدث وأقوى بلد في العالم: الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما يلام عليه بابا روما أيضا عندما ظن أن المسيحية هي وحدها دين العقل والتسامح على عكس الإسلام. وهكذا نسي ما فعلته المسيحية على مدار عدة قرون من محاكم تفتيش وملاحقة للعلماء والمفكرين، وذلك قبل أن تتطور وتستنير مؤخرا. من السهل أن ترى نواقص الآخرين وتستمتع بتعدادها بل وتتلذذ بذلك، لكن من أصعب الصعب أن ترى نواقصك أنت أو نواقص تراثك الذي تربيت عليه منذ نعومة أظفارك. لا ريب في أن العالم العربي الإسلامي خسر الكثير عندما انفصل عن الفلسفة وكفرها بدءا من عصر السلاجقة في القرن الحادي عشر. لكن هذا الوضع في طريقه إلى التغير الآن، ولا يمكن أن يشكل موقفا نهائيا للعرب والمسلمين.

الشيء نفسه ينطبق على كتاب الباحث اليميني المتعصب سيلفان غوغنهايم، أستاذ القرون الوسطى في جامعة ليون. ومعلوم أنه أحدث ضجة واسعة ومناقشات حامية لحظة صدوره تحت عنوان «أرسطو في جبل سان ميشيل - الجذور الإغريقية لأوروبا المسيحية». فرد عليه المفكر المنفتح المحب للعرب آلان دو ليبيرا الأستاذ في جامعتي باريس وجنيف بكتاب آخر أفحمه. وكان بعنوان «الإغريق، والعرب، ونحن - بحث استقرائي عن الإسلاموفوبيا الأكاديمية». وهو كتاب مهم ينبغي أن يترجم فورا إلى العربية. وللأسف فلا نستطيع أن نستعرضه مطولا هنا. وقد شاركه في تأليفه ثلاثة باحثين آخرين، من بينهم مروان راشد. وقال له ما معناه «نعم هناك جذور إغريقية لأوروبا، لكن هناك جذورا عربية أيضا! وليس صحيحا كلامك بأن أوروبا اكتشفت أرسطو من دون وساطة العرب. أين ذهب الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد؟ ليس صحيحا أن أوروبا ليست مدينة للعرب بشيء. وعيب أن يصدر هذا الكلام عن باحث أكاديمي مطلع على الأمور مثلك».

ثم يربط آلان دو ليبيرا بين مزاعم غوغنهايم هذه والآيديولوجيا اليمينية السائدة في الغرب كله حاليا: أي آيديولوجيا المحافظين الجدد المعادين لكل ما هو عربي أو مسلم. والمحافظون الجدد ليسوا فقط أميركيين! وإنما هم فرنسيون وأوروبيون أيضا. وهذه الآيديولوجيا تقول لنا ما معناه: الغرب كله مسيحي وإغريقي الجذور، ولا يدين بأي شيء للمسلمين أو للعرب. بمعنى أن الغرب لم «يتلوث» بـ«العرب المتخلفين ولا بالإسلام المتعصب» - كذا!. ثانيا: أن العلم الحديث كله أوروبي ولا يمكن أن يكون لأناس همج كالعرب أي علاقة به! بل ويصل الأمر ببعضهم إلى حد العنصرية اللغوية، إذ يتهمون اللغة العربية بالعجز عن استيعاب العلم والفلسفة لأنها لغة سامية في حين أن الإغريقية لغة هندية أوروبية! وهذا يعني أنه حتى لو أردنا أن نصبح حضاريين فإننا لن نستطيع. حتى لو انسلخنا عن جلدتنا وتراثنا وديننا فلن نعجبهم، ولن نصل إلى أي نتيجة. ينبغي أن ننسلخ أيضا عن لغتنا المتخلفة الجامدة التي لا تليق بالحضارة والحضاريين! ولا أعرف ماذا سيتبقى لنا بعد أن نفقد لغتنا والعصب الحساس الذي يجمع بيننا. إنه انتحار ذاتي وجماعي كامل. ثم يصرون على القول إننا محكومون بالتخلف والهمجية إلى أبد الدهر. لماذا؟ لأن لغتنا ليست حضارية، وديننا متزمت في جوهره وأصله وفصله! كان وسيبقى.. على هذا الكلام يرد آلان دو ليبيرا قائلا «من الخطأ أن ننظر إلى الأديان على أساس أنها جواهر تجريدية لا زمنية تقف فوق التاريخ أو خارج التاريخ. وإنما ينبغي أن ننظر إليها كحقائق تاريخية حية متطورة بلا توقف ومتفاعلة مع بعضها بعضا. وهذا يعني أنه إذا كان الإسلام قد جمد لفترة بسبب الدخول في عصر الانحطاط وتكفير الفلاسفة والنزعة العقلانية الإنسانية، فإن ذلك لن يدوم. وإنما ستحصل نهضة عربية وإسلامية يوما ما. وربما كنا على أبوابها.. فالعرب المسلمون الذين صنعوا الحضارة سابقا وأشعوا على العالم قادرون على صنعها مرة أخرى. ولا يمكن اختزال الإسلام ككل إلى منظمة جاهلة ومتعصبة وحاقدة على التنوير الفلسفي كمنظمة «القاعدة» أو سواها».