المرأة السعودية تعيش عصرها الثقافي الذهبي

113 روائية سعودية مقابل 288 روائيا خلال العقود السبعة الأخيرة

TT

أصدرت الكاتبات السعوديات في هذه السنوات العشر الأخيرة 403 كتب نظير 1687 لزملائهن الذكور في مختلف ضروب الإبداع والكتابة، علما بأن عدد الروائيات السعوديات منذ عام 1930 وحتى 2009 بلغ 113 روائية، مقابل 288 روائيا في هذه الفترة الزمنية نفسها.

هنا كاتبتان سعوديتان تتحدثان لـ«الشرق الأوسط» عن واقع الأدب النسائي في السعودية، بالإضافة إلى الباحث خالد اليوسف، الذي أصدر عدة كتب ضمن مشروعه الببليوغرافي الذي يرصد فيه ما يتعلق بالإبداع الأدبي السعودي في مجال الرواية والقصة والشعر والدراسات النقدية.

ميساء خواجة: المبدعة السعودية والهموم الذاتية

في بداية حديثها لـ«الشرق الأوسط»، توقفت الناقدة السعودية الدكتورة ميساء خواجة عند استخدام مصطلح «الأدب النسوي»، معتبرة أن هذا المصطلح يثير عددا من القضايا الإشكالية، فالأدب النسوي كما تراه، مرتبط بحركة نشأت في الغرب ويحمل سمات وملامح محددة ارتبطت أساسا بمناقضة التمركز حول الذكورة، ومنها الاحتفال بالجسد والثورة على الأبوية وتقديم رؤية أنثوية. وتفريقا بين ذاك الأدب النسوي، وما يعرف بالأدب النسائي، أوضحت خواجة أن الأخير يعنى بالأدب الذي تكتبه المرأة عموما، «وهنا ندخل في مسألة تجنيس الكتابة، وهل يحمل الأدب النسائي سمات خاصة به تختلف فنيا عما يكتبه الرجل، سمات يمكن القول بأننا يمكن أن نجدها في عمل المرأة فقط». وعن مدى تمكن الأدب النسائي في السعودية في نقل الصورة الاجتماعية والرؤية الثقافية التي تعيشها المرأة السعودية، ترى خواجة، أنه من الصعب الحديث عن الأدب بوصفه مجرد انعكاس أو نقل لقضايا اجتماعية معينة، فـ«الأدب – بما هو عمل فني – هو رؤية تحاور المجتمع بقيمه المختلفة»، موضحة أن ما تكتبه المرأة يرتبط في كثير برؤيتها لواقعها وللإشكاليات التي تعيشها، «ولعلها في ذلك لا تختلف عما يكتبه الرجل على اختلاف في الرؤية ما بين مبدع وآخر».

وأضافت ميساء خواجة: «لعلنا يمكن أن نلاحظ تجليات هذه الرؤية في الأعمال الروائية، وذلك لأسباب فنية في المقام الأول، دون أن يعني ذلك أن المرأة تفوقت في الرواية على حساب الشعر، ودون أن يعني ارتباط المرأة – بحكم طبيعتها - بفن الحكي كما يتردد أحيانا، فنوع الكتابة هو اختيار فني للمبدع رجلا كان أو امرأة».

وأضافت: «نحن نلاحظ في الآونة الأخيرة غزارة في الإنتاج الروائي، لكن ذلك لا ينفي حضور الشعر والشاعرات. وأما فيما يتعلق بطرح رؤية ثقافية واجتماعية في أعمال المبدعات السعوديات، فهنا يصعب التعميم ووضع الإنتاج كله في سلة واحدة، فهناك أعمال تغرق في البوح الذاتي، وأعمال أخرى تطرح رؤية لواقع المرأة والإشكاليات التي تعيشها – لا سيما في الرواية – حيث يظهر التركيز على المرأة التي تبدو غالبا ضحية للعادات والتقاليد والصراع الذي تعيشه، والتناقض مع المجتمع بوصفه مجتمعا ذكوريا، وما يتبع ذلك من الهجوم على الرجل وإبرازه في صورة سلبية في عدد من الأعمال».

وتعتقد الناقدة أن المبدعة السعودية استطاعت أن تطرح همومها الذاتية، وأن تقدم رؤية ثقافية واجتماعية – على اختلاف في المستوى الفني – لكنها ترى أنه من المهم أن تتجاوز الهم الذاتي إلى الهموم الجمعية وأن تقدم رؤية إنسانية دون أن تتوقف عند مجرد نقد المجتمع، أو تناول المسكوت عنه لمجرد التجاوز أو إثبات الجرأة في الطرح، كما يحتاج عدد منهن إلى العمل على أدواتهن الفنية وتجاوز الضعف اللغوي الذي يلاحظ في عدد من الأعمال، مشيرة إلى أن هناك منتجا ضعيفا فنيا يشترك في إصداره الرجل والمرأة على حد سواء، وترى أنه ينبغي التعامل مع الأدب في حد ذاته بغض النظر عن جنس كاتبه.

وعما ينقص المرأة السعودية لتكون فاعلة على مستوى الحراك الثقافي، تقول: «على المبدعة السعودية أن تعمل جاهدة على إثبات ذاتها، وهي لا تنقصها الإرادة ولا الإمكانات، وهي قادرة على الحضور متى ما سنحت لها الفرصة. وهناك نساء حاضرات في المشهد الثقافي ويزداد حضورهن يوما بعد يوم، واستطاع عدد منهن أن يمثلن السعودية على المستويين المحلي والدولي، سواء كن كاتبات أو شاعرات أو روائيات أو ناقدات أو باحثات أو فنانات تشكيليات».

وأضافت: «لا أريد أن أغرق في التفاؤل هنا، وأدعي أن المرأة حققت كل طموحها، لكن نماذج مثل نورة السعد وخولة الكريع وثريا العريض وفوزية أبو خالد وحسناء القنيعير ورجاء عالم وليلى الجهني وغيرهن الكثير، يمكن أن تتكرر وأن تنمو، وهناك مواهب شابة ما زالت تتلمس طريقها ولديها من الطموح والوعي الشيء الكثير. فقط على المرأة أن تعي دورها وأن تسعى صوب هدفها، فبالإرادة والوعي يمكن للمرء أن يحقق الكثير».

ملاك الخالدي: الأدب النسائي قطع مراحل كثيرة

من جانبها، ترى الشاعرة السعودية ملاك الخالدي أن الأدب النسائي السعودي لا يقل مستوى عن الأدب النسائي في أي قطر عربي آخر شكلا ومضمونا، وعلى الرغم من انطلاقته المتأخرة نسبيا، فإنه كما ترى قطع مراحل كثيرة في فترة وجيزة، ووصل إلى مرحلة متقدمة من حيث الكم والكيف، مشيرة إلى أن الإصدارات النسائية السعودية أخذت تحتل وتملأ رفوف أجنحة معارض الكتاب.

وتربط الخالدي ذلك بحركة التطور النوعي الذي تعتقد أنه يتجلى في دخول رواية «الوارفة» لأميمة الخميس ضمن القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية التي فاز بها مؤخرا عبده خال، موضحة أن ذلك يدلل على أن الرواية النسائية السعودية، دخلت ميدان المنافسة على شراسته بين كبار الروائيين والروائيات العرب.

وتعتقد الخالدي أن منافسة الأديبة السعودية لأقرانها العرب في هذه الجائزة المهمة لا تعني فقط ذلك التسارع الكمي والكيفي للأدب النسائي السعودي فحسب، إنما أيضا تبرهن على التغير في العقلية الاجتماعية ووصول المرأة إلى مرحلة متقدمة. وقالت الخالدي: «ويكفيني القول إن نشر المرأة لنتاجها باسمها كان من المحظورات الاجتماعية لوقت قريب بل وما زال في بعض الأماكن كذلك، لذا جاءت مواضيع المرأة المبدعة متوافقة مع صراعها مع الجهل الاجتماعي كحديثها عن الرجل المتسلط أو الخائن والمجتمع الجائر والعاطفة المفقودة، بل إنها جنحت في بعض الأحيان إلى جرأة متجاوزة نتيجة لقسوة واقع ما، أو ردا على قيود مفروضة».

ومع ذلك تعتقد الخالدي أن المبدعة السعودية، وإن استطاعت أن تنقل الصورة الاجتماعية والثقافية التي تعيشها إلى ذهن المتابع العربي، فإنها، في رأيها، كانت مشوشة في بعض الأحيان.

وهي ترى أن المرأة السعودية وجدت في الرواية متنفسا جيدا، مما يعني في رأيها أن الرواية ذات هامش رحب يتسع للجميع سواء المبدعات الحقيقيات أو أنصاف المبدعات.

وقالت الخالدي: «حين أتحدث عن أدب نسائي فهذا يعني تقييم تجربة تعد جزءا مهما وراسخا من الأدب كمركب متجانس من عناصر متكاملة، كما أن الرجل أسهم بشكل كبير في الأدب النسائي السعودي كملهم ومحفز أو حتى متسلط خلق الإرادة والفكرة في روح مبدعة ما، بل إن الرجل كتب عن المرأة أكثر مما كتبت هي عن نفسها فكان جزءا ورافدا من روافد الأدب النسائي - إن صح التعبير».

ومع ذلك، لا تعتقد الخالدي أن النتاج الثقافي للرجل تفوق على المرأة على الرغم من الفارق الزمني بينه وبين النتاج النسائي في السعودية، فهي ترى أنه إلى جانب كل عمل ذكوري فذ، يقف إبداع امرأة سعودية مبدعة، مؤكدة أن الأخيرة لا ينقصها ما يجعلها أن تكون فاعلة ومؤثرة، مستدلة على ذلك بوجودها في كل محفل ثقافي مهم كمؤتمر الأدباء الأخير والجنادرية والملتقيات الأدبية، بالإضافة إلى حضورها في صفحات الجرائد والمطبوعات والقنوات الفضائية بشكل لافت للانتباه ككاتبة ومفكرة وأديبة وناشطة، مشيرة إلى دورها البارز في تجسيد ذلك من خلال القناة الثقافية التي تعدها نقلة نوعية ثقافية على مستوى الإعلام السعودي.

الباحث السعودي خالد اليوسف: أثبتت وجودها بفاعلية في المجالس الأدبية

في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عاد الباحث والروائي السعودي خالد أحمد اليوسف بذاكرتنا إلى بداية النهضة الأدبية أوائل الستينات الميلادية، ليذكرنا، في الشعر، بسلطانة السديري وثريا قابل ومشاعل بنت عبد المحسن بن عبد العزيز. وفي الرواية بسميرة خاشقجي، وفي القصة القصيرة بنجاة خياط. ويؤكد اليوسف، في الوقت نفسه، أن مسيرة المرأة السعودية المبدعة لم تكن بسرعة الرجل، وأن ظروفا كثيرة وقفت أمام المرأة، إلى أن عصفت رياح التغيير التي ساعدتها على تجاوز هذه البداية، فأصبحت في صف الرجل في نتاجها وكتاباتها شعرا وقصة قصيرة ورواية وبحثا علميا، «وهي بهذا تبرز بعض ما تطمح إليه في حياتها بعد أن نافسته في التعلم والعمل».

وفيما يخص مجمل الفنون الأدبية خلال العقد الماضي، أشار اليوسف إلى أرقام توضح كيف تغلبت المرأة على نفسها لتشارك الرجل في النتاج الأدبي، فتمكنت من إصدار 334 كتابا خلال الأعوام من 2001 إلى 2009.

وفي محاولة لتوضيح نسبة حجم المنتج الثقافي النسائي بالمقارنة مع نظيره الذكوري في السعودية، أفاد اليوسف بأن هذه النسبة تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 20 في المائة فقط، بين سنة وأخرى، مشيرا إلى أن جملة ما أنتجه المبدعون السعوديون كان خلال العقد الأخير.

أما على صعيد الرواية تحديدا، فإن اليوسف أوضح أن عدد الكتاب الروائيين السعوديين منذ عام 1930 وحتى 2009 يبلغ 288 روائيا، بينما يبلغ عدد الروائيات السعوديات طوال هذه الفترة 113 روائية.

وبناء على هذه الأرقام والمعلومات، يعتقد اليوسف أن الواقع يؤكد أن المرأة السعودية تعيش في عصرها الثقافي الذهبي، وهي موجودة أيضا وبفعالية في مجالس الأندية الأدبية، وكل الجمعيات الثقافية التي برزت في المرحلة الأخيرة، مع ضرورة تنشيط مشاركتها علميا وثقافيا في كل الملتقيات والندوات والمؤتمرات والمناسبات الأدبية والثقافية.