كوندوليزا رايس من برمنغهام جيم كرو إلى واشنطن جورج بوش

فشلت في أن تقدم سيرة ذاتية حقيقية

كوندوليزا رايس
TT

في عام 2005، كان لدى الولايات المتحدة وزيرة خارجية سوداء، ولكن مجموعات السود في أميركا راقبت ذلك أكثر من كونها احتفت به. فكان هناك إحساس خفي بأن كوندوليزا رايس ليست سوداء بالمعنى الحقيقي، أو «ربما ليس بالنسبة لنا». وبالطبع يرجع ذلك جزئيا إلى كونها جمهورية كانت تعمل في إدارة رئيس يفتقر إلى الشعبية إلى حد كبير. وبعدما كرمتها «الرابطة الوطنية لتنمية الملونين» ومنحتها «جائزة الرئيس» في عام 2003، وصف المؤرخ الكولومبي الأسود مانينغ ماربل، رايس بأنها «خائنة لعرقها»، ووصف الجائزة بأنها «تسوية» المؤسسة المناهضة للسود. وفي نفس الوقت تقريبا، ضحك الجمهور الأسود تأييدا عندما ألقى أميري بركة بيت «من يدري أي نوع من الساقطات كوندوليزا» من قصيدته «فليفجر أحد أميركا».

ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك. فصورة رايس التي قدمتها لنفسها هي بالتأكيد صورة غير ودودة. فهي من جانب غير عرقية ولكنها في الوقت نفسه عصية على الوصف، إذ يجد المرء صعوبة في العثور على الصفات الملائمة لوصف شخصيتها، حتى بعد أن يقرأ السيرة الذاتية التي كتبتها تحت عنوان «أشخاص عاديون استثنائيون».

كان من الممكن أن تجعلنا نعتقد أن رحلتها المبهرة من نشأتها في برمنغهام المعزولة وصولا إلى المشاركة في قيادة العالم، تعود إلى أبويها المحبين «العاديين الاستثنائيين» كما يشير العنوان. إلا أنه يتضح أن رايس كانت دائما نجما متفردا. وبالتالي يوجد إحساس بعدم الاكتراث فيما يتعلق بالعائلة في قصتها، بالإضافة إلى عدم الرغبة في مراجعة الذات.

لقد وفر والدا رايس، كلاهما يعمل بالتدريس، بيئة طيبة لنشأتها. فقد ترعرت في العالم الموازي الذي أسسه الآباء السود من الطبقة الوسطى لأبنائهم في الجنوب المنعزل، وهو عالم من العلاقات الاجتماعية مع الحفاظ على مسافة من أطفال الأحياء الفقيرة المجاورة. وكدراسة للبيانو، كانت رايس تحب أن تتخيل نفسها كزوجة موتسارت وفي عام 1968 وعندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، كانت تقضي المساءات في محاكاة حركات التزلج على الجليد في سيمفونية ديفوراك «عالم جديد». ولم يكن أحد في ذلك العصر يرى ذلك باعتباره سلوكا «أبيض» وكان أبواها يصران على أن السود يجب أن يكونوا أفضل مرتين من البيض لكي يحققوا النجاح. تقول رايس: «كان ذلك يقال كحقيقة وليس كموضوع للمناقشة».

وكان كل ذلك عاديا بالنسبة للسود من الطبقة الوسطى في ذلك الزمان والمكان. ولكن من غير العادي هو أن تنهي رايس دراسة العلوم السياسية بجامعة دينفر بعد دراسة موسعة للتاريخ الروسي لكي تصبح متخصصة في الشؤون السوفياتية. وليس تقليلا من شأن اهتمامات السود أن نقول إنه في بداية السبعينات، كانت الشؤون السوفياتية اختيارا مهنيا غير معتاد لامرأة سوداء نشأت في برمنغام جيم كرو. فأفراد ذلك الجيل الأول من الأكاديميين السود كانوا يسعون لاستكشاف ماضي السود وحاضرهم. لن تعرف ذلك من شهادة رايس حول تلك الفترة من حياتها، ولا نعلم سوى القليل حول مشاعر رايس أثناء انتقالها من نجاح لنجاح. فبعدما كانت زميلة في ستانفورد، أصبحت مساعدة أستاذ، ثم أصبحت تعمل في مجلس الأمن الوطني، وبعد ذلك تم تعيينها كرئيسة لجامعة ستانفورد. بعدها تلقت اتصالات من جورج بوش الأب يخبرها فيها برغبته في أن تلتقي ابنه لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية معه. والباقي نعرفه جميعا. إلا أننا بحاجة إلى متخصصين في السيرة الذاتية لكي يقدموا لنا أكثر مما قدمته رايس حول عملها الحقيقي وأسباب الاستقبال الاحتفائي له. فكتابها لا يفيد سوى في تقديم أدلة متفرقة من طفولتها حول شخصيتها شديدة الانضباط بل وربما حتى المعزولة. وتذكرنا رايس بأنها أحبت فرقتي «تمتيشين» و«ليد زبلين» وتعترف بميلها نحو الكسل (وهو ما يبدو أنها لم تتمتع به خلال الثلاثين عاما الماضية). ومع ذلك فإنها أيضا تلك الشخصية التي حثت أباها وهي فتاة على طرد الصبية المحليين الذين كان يقيمون حفلا ماجنا، وهي الطفلة التي رفضت تناول وجبات الأطفال في المطاعم، وكانت تلزم نفسها بحماس بالجدول الذي يقضي باستيقاظها في الرابعة والنصف لممارسة التزلج، ثم الذهاب إلى المدرسة في السابعة ثم المزيد من دروس البيانو والتزلج، وتخلد للنوم في التاسعة والنصف. ولا شك أن العديد من أقرانها حتى ذوي المستوى فوق المتوسط، ولديهم أباء متفانون في تربيتهم، كان يعتبرون ذلك الجدول خرافيا.

وربما تساعد تلك النزعة الفردية في تفسير كونها جمهورية، وهو ما رفضه معظم جيلها من السود. وهي تفسر ذلك بقولها إنها تفضل أن يتجاهلها الجمهوريون على أن يتعامل معها الديمقراطيون بتعال. ولكن ذلك قد يشير إلى حافز خفي لا يتوافق مع سياستها: «لا توجد أعذار ولا مكان للضحايا»، ذلك ما تقول إنها تعلمته. وهي ترفض أيضا فكرة حاجة الشخص لنموذج لكي يحاكيه كما ترفض مصطلح «أميركي أفريقي».

إلا أن ذلك لا يعني أن رايس لا تكترث بالعنصرية على النحو الذي يمكن أن يعتقده البعض. فمن الصعب أن تكون كذلك، فقد نشأت في برمنغام في الخمسينيات. وهي تعرف الفتيات اللاتي متن في تفجيرات كنيسة المعمدانية بالشارع 16، وتذكرنا بأن الاستجابة المباشرة لاغتيال جون كيندي تمثلت في الرعب من أن يصل جنوبي للبيت الأبيض يوما ما.

وعلى الرغم من وجود تقارير مناقضة، فإنها في الحقيقة كانت تفضل سياسة دعم الملونين أو الأقليات، وإن كان بمعنى الانتشار وليس بمعنى الكوتة (كانت تعليقاتها حول ذلك تعكس مستوى من التردد حول سبل التنفيذ). وفي ستانفورد في التسعينات، ساعدت على تأسيس مراكز «الجيل الجديد»، وبرامج تعليم الشباب في شرق بالو ألتو، وهي تقر بأن تقدمها بستانفورد في بداية تاريخها المهني، كان بفضل سياسة الجامعة التي تدعم الملونين.

وهي تخبرنا تلك الأشياء باعتبارها حقائق ولكن في النهاية فإن «أشخاص عاديون استثنائيون» ليست ذاتية بما يكفي لنعتبرها سيرة ذاتية. فأشخاص مثل هنري لويس غيتس الابن ومايا انغيلو كانوا حاضرين تماما في استدعائهما لطفولتهما في ظروف مشابهة بطريقة لم تقم بها رايس قط، فهي تبدو دائما وكأنها تراقب بدلا من أن تكتب حول نفسها. وبالنسبة للمهتمين بحياتها الرومانسية، فيجب أن يقنعوا بلمحات عابرة. (فهي لم تتزوج من حبيبها بالجامعة، ريك أبتشارش لأنه يقوم بعدة أشياء في الوقت ذاته).

وبصفة عامة، لم تكن آراؤها السياسية أعمق من ذلك: «ولكن الحرب تركت الديكتاتور العراقي في السلطة، قادرا على تهديد جيرانه وقمع شعبه. ذلك سيظل مشكلة ليوم آخر». كذلك «مذكرات عائلة» تقرير حول حياة رايس بعد عام 2000 والتي لا تخصص لها رايس سوى صفحة واحدة، هي الصفحة الأخيرة.

وإذا كان هناك درس مستفاد من كتاب رايس فهو أن ثورة الحقوق المدنية جعلت من الممكن أن يتبنى شخص أسود فائق الموهبة موضوعا محايدا فيما يتعلق بالعرق حتى يصل إلى العمل كوزير للخارجية وفي الوقت نفسه يمنحها الفرصة لكي تنظر إلى نفسها فقط باعتبارها مجرد شخص. وكون القصة ليست مثيرة تماما ربما يكون هو الدليل على مدى التغير الذي شهدته أزمتنا.

* جون ماكورتر يدرس بجامعة كولومبيا وهو محرر في «نيو ريبابليك» و«سيتي جورنال»,

* خدمة «نيويورك تايمز - صنداي بوكس ريفيو»