حين تصبح القراءة أشبه بسجن انفرادي

خطوط التأكيد والحروف المائلة والمنقطة في الكتب الإلكترونية

TT

أي قطعة كتابية تحيا أو تموت اعتمادا على نسخ العرض، التي تضم العناوين الرئيسة والفرعية ونسخة من الغلاف وتعريفا بالكتاب وشرح الصور والاقتباسات. وتأتي نسخة العرض بمثابة إطار لمعظم الإنتاجات الأدبية، سواء كانت رفيعة المستوى أو دون المستوى، وهي توجه القراء إلى كيفية تفسيرها.

لذا، نجد أنه من المثير للدهشة أن القراء نادرا ما يبدون رفضهم حتى لأكثر نسخ العرض ابتذالا وتضليلا. على سبيل المثال، يحمل الغلاف الخارجي لرواية «سولار» (شمس) اقتباسا يقول: «تعد هذه الرواية الحدث الأدبي الأكبر للموسم. إنها رواية جديدة لإيان مكيوان، وتحمل مفاجآت كبيرة بقدر ما تتميز ببراعتها». والملاحظ أن هذه العبارة لا تتسم بصياغة تناسب فقرات التعريف بالكتب. ولكن من العسير تخيل موافقة مكيوان على مثل هذا النمط من المبالغة الهوليوودية، وموافقته على مثل هذا الاستخدام الخاطئ الشائع للفظ «براعة». أما عن آخر المستجدات على صعيد نسخ العرض، فهي إضافة حروف مائلة في الكتب ذاتها بعد طباعتها فيما بات يطلق عليه «نقاط التركيز العام» التي تظهر حاليا في كتب «كيندل» الإلكترونية. تتميز هذه الكتب بخطوط منقطة أسفل الكلمات بما يشير إلى أن مستخدمين آخرين لـ«كيندل» رأوا أهمية في هذه الفقرات، مما يجعل من «نقاط التركيز العام» مصدرا لنقد أدبي شعبي، حيث يقدم القراء على الفور، وفي الوقت ذاته بصورة جماعية، على استخلاص معنى مما يقرأون. ويترك هذا الأمر تأثيرا فريدا من نوعه، حتى بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى الأدب باعتباره مواد يحدد القراء رأيهم فيها على نحو تدريجي وجماعي.

بمجرد النقر على الفقرات التي جرى التركيز العام عليها، سيصبح بإمكانك التعرف على عدد قراء «كيندل» الذين استثنوا فقرات بعينها. على سبيل المثال، من الواضح أنه حتى وقت كتابة هذا المقال، جرى وضع خطوط تأكيد أسفل عبارة «السعادة نتاج مجهود شخصي» من كتاب «عليك بالأكل والصلاة والحب» (إيت براي آند لوف) لإليزابيث غيلبرت 1.626 مرة. وفي كتاب «تقطيع الحجر» (كتنغ ذي ستون) لأبراهام فيرغيهي، وضع 1.547 من مستخدمي «كيندل» خطوط تأكيد أسفل عبارة «والحياة أيضا مثل ذلك، فنحن نعيشها باتجاه الأمام، لكننا نفهمها باتجاه الخلف».

يبدو هذا القول صحيحا. إلا أن الكثير من الكتاب لا يكتبون على النحو الشبيه بالحكم والأقوال المأثورة، ولا يقبل الكثير من القراء على قراءة الحكم، لكن في خضم عالم من علامات التأكيد، ربما نشرع جميعا في هذا الأمر. وربما يتحول الخط المنقط، مثل اللون المميز أو علامة التأكيد التي تشير إلى أن كلمة ما يمكن النقر عليها عبر شبكة الإنترنت، إلى واحدة من علامات الترقيم التي تؤثر على النمط المعاصر للكتابة. وقد يخالج القراء الذين يقدمون على قراءة كتب إلكترونية اشتروها حديثا من «أمازون» شعور بالدهشة حيال اكتشاف أن الكتب قد تم وضع علامات تأكيد عليها بالفعل. وربما يبدو مرورك مصادفة بفقرة اهتم بها أناس آخرون أو وضعوا علامة تأكيد عليها كما لو أنه يتعين عليك أيضا الاهتمام بها، انتهاكا لنص يفترض أنه لم يمس من قبل. وقد يساورك ضيق من أن معتدين سبقوك إلى النسخة «الجديدة» ووضعوا علامات تأكيد لم يجزها المؤلف أو الناشر. لكن الأسوأ من ذلك أن يختار من سبقوك أسوأ فقرات الكتاب.

على سبيل المثال، من بين أكثر العبارات التي جرى التأكيد عليها في كتاب «الحرية» لجوناثان فرينزين، «أحسن استخدام حريتك». وقد جرى التأكيد على هذه الكلمات الثلاث فقط، كما لو أن جهود فرينزين الكبيرة للتأكيد عليهم عبر استخدام حروف كبيرة ووضعهم بين قوسين لم تكن كافية كي يلتفت إليها القارئ.

الملاحظ أن خدمة «ويسبرنت» الخاصة بـ«أمازون»، وهي وصلة تخص «كيندل» تسمح بتحميل كتب إلكترونية، تتسم بقدرة كبيرة على التراجع. ويمكنك تسجيل عنوان بريدك الإلكتروني على «كيندل» إذا اضطررت لذلك، لكن «ويسبرنت» عامة يترك بداخلك شعور بالوحدة يسمح لك بالقراءة. وتذكرك خطوط التوكيد أسفل الكلمات والعبارات بأنك ما تزال على صلة بآخرين. وقد يفاجئك البعض بالتوكيد على أن أحداث رواية «جين إير» تبلغ ذروتها عند عبارة «أيها القارئ، لقد تزوجته»، أو أن نقطة الذروة في «موبي ديك» تكمن في العبارة «ادعوني إسماعيل».

وقد سارع «أمازون» لتوضيح أنه بإمكانك دوما تعطيل هذه الخاصية، لكن هذا الأمر ينطوي على مشكلة خفية، وهي أنه مثلما الحال مع الكثير من الأشياء المتاحة على شبكة الإنترنت، بمجرد أن تلمح العناصر التي حظيت بالتأكيد العام، يصعب عليك تجاهلها فيما بعد، حيث يخالجك الفضول حول ما يعتقده القراء الآخرون، خاصة بالنسبة لنوعية الكتب مثل «الحرية» التي تحظى بإقبال جماهيري ضخم. قبل كل شيء تعد القراءة أشبه بحبس انفرادي زائف، فهي في حقيقتها نمط عميق من المشاركة في اللغة وبناء ثقافة مشتركة.

وتعد خطوط التوكيد العامة واحدة من الأمور التي تذكرنا بهذه الحقيقة، وإن كانت مثيرة للضيق في بادئ الأمر. كما أنها تضيف قوة إلى تجربة القراءة يتمثل في أنك تجد نفسك واحدا من مجموع - وهو أمر يمكن أن يثير شعورا بعدم الارتياح. وإذا لم تستطع التعامل مع هذا الارتياح، فعليك الامتناع عن قراءة كتب تحظى بشعبية مثل «الحرية» و«عليك بالأكل والصلاة والحب» - وقطعا الابتعاد عن طراز الكتب الإلكترونية.

* خدمة «نيويورك تايمز»