«معرض الكتاب الفرانكفوني» أولويته صغار السن في لبنان

30 ألف تلميذ يزورون الأجنحة ويقابلون المؤلفين

معرض الكتاب الفرانكفوني أثناء الفترة الصباحية خلية نحل تعج بالتلاميذ
TT

«عيد سنوي لتجديد فضول الأطفال»، هكذا يصف «المركز الثقافي الفرنسي» دور «معرض الكتاب الفرانكفوني» في بيروت الذي ينعقد حاليا للسنة الـ17 على التوالي. ومن الصعب أن تدرك ما يعنيه المركز الثقافي، إن لم تزر المعرض في الصباح؛ إذ يتحول إلى خلية نحل تعج بتلاميذ المدارس؛ بحيث يصعب عليك التجول، أو التنقل بين الأجنحة، فيما يستنفر القائمون على المعروضات بشكل استثنائي، سواء لجهة التنظيم أو تحديد مداخل الأجنحة، بسد بعضها، ورفع عدد الباعة والمشرفين إلى الحد الأقصى، محاولة منهم لضبط الوضع. الأولاد يركضون في كل اتجاه، فالوقت المخصص للشراء واكتشاف الكتب محدود، يقلبون الصفحات، يتشاورون حول الإصدارات، وما عليهم اختياره أو تركه، بينما يبدو أن الأسطوانات الموسيقية تجذب أغلبهم، والألعاب تخطف أبصارهم.

بعد أن تصطف الباصات في المواقف، تقود المعلمات التلاميذ إلى صالة «بيال»، حيث يقام المعرض، وهناك ثمة برنامج أعد خصيصا لكل مدرسة، ومشرفات من «المركز الثقافي الفرنسي» مسؤولات عن الاستقبال، وإدارة الزيارات. لكن الكبار لا بد من أنهم يتوهون، على الرغم من محاولاتهم الجبارة، أمام حيوية الصغار، وديناميكيتهم؛ حيث تذهب كل محاولة للسيطرة على حركتهم، هباء الريح.

«بالتأكيد هناك فوضى».. تقول مسؤولة المركز الثقافي الفرنسي عن استقبال التلاميذ، وهي بالكاد تلتقط أنفاسها وسط صخب الصغار. «هناك ثلاثة آلاف طفل يدخلون المعرض يوميا، وهذا يتطلب درجة عالية من التنظيم. كل عارض يأخذ احتياطاته. نحن نستقبلهم من الباب وفق برنامج معد سلفا بالتنسيق مع مدرستهم، هذا ما نفعله منذ سنوات طوال ولا نزال حريصين عليه». هذا يعني أنه على مدار 10 أيام، وهي فترة المعرض الذي يستمر حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، يتم استقبال نحو 30 ألف طفل، يستفيدون من محاضرات ولقاءات ومعارض ومقابلات مع الكتاب الذين تمت دعوتهم خصيصا لأجلهم. وهو ما لا تمكن مقارنته مع معرض الكتاب العربي السنوي الذي تشهده بيروت في ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة، على الرغم من كل الجهود التي يبذلها القائمون عليه. فللكتاب الفرنسي بريق ووهج في نفوس اللبنانيين، ومع ذلك حين تتأمل عدد الذين يخرجون وبيدهم كتب، تلحظ أن نسبة الشراء متدنية. عن استفهامنا هذا تجيب إحدى المسؤولات بالقول: «نحن نستقبل مدارس رسمية، وأطفال عائلات فقيرة، يحمل كل ولد منهم خمسة آلاف ليرة (نحو 3 دولارات) كما نستقبل طلاب مدارس خاصة في جعبة كل طفل مائة دولار أو أكثر. القدرة الشرائية ليست واحدة عند الجميع». لا يصعب عليك أن تلاحظ أن سعر الكتاب الفرنسي بات باهظا بالنسبة للبعض بسبب ارتفاع سعر اليورو، وأن التدفق على المعرض لا يعني ارتفاعا أوتوماتيكيا لبيع الكتب.

منذ عام 2008 توقف «المركز الثقافي الفرنسي» عن تمويل وتنظيم هذا المعرض بشكل كلي، وترك الأمر للبنانيين وتحديدا نقابة مستوردي الكتب، والمكتبات المعنية بالكتاب الفرنسي، وهو ما خفف الأعباء المالية على الفرنسيين، وبالتالي صارت المناسبة «أهلية محلية»، والكتاب الضيوف الذين يتجاوز عددهم المائة هذه السنة، غالبيتهم من اللبنانيين الذين يكتبون بالفرنسية. صحيح أن المكتبات تريد عرض أحدث الإصدارات بهذه المناسبة، لكن الناشر الفرنسي اختفى بشكل واضح، كما أن الأنشطة باتت في غالبيتها من الحواضر اللبنانية.

لكن الترتيبات مع المدارس يقوم بها المركز الثقافي الفرنسي بشكل وثيق؛ حيث تتم مراسلة المدارس وإعلامها بأسماء الكتاب المدعوين قبل أشهر من المعرض، على أن تختار كل مدرسة الكاتب أو الكتاب الذين ترغب في تحضير لقاءات لهم مع تلامذتها. أمر يجب أن يمهد له بشراء مؤلفات الكاتب، أو مؤلف واحد على الأقل، يقرأه التلاميذ قبل الموعد.

وأنت تتجول في المعرض ترى الأنشطة الطلابية حيوية في الأجنحة. هنا كاتب يجيب عن أسئلة التلاميذ ويشرح لهم، كيف ألف كتابه وفي أي ظروف. في مكان آخر حكواتية تروي قصصها بأسلوب شائق، وهناك رسامة تجمع حولها الطلاب وهي تشرح لهم الخطوات التي تتبعها ليصبح الكتاب المصور الذي ألفته ناجزا. وثمة طلاب يتجمعون أمام حائط خصص لهم ليرسموا عليه ويكتبوا ما يشتهون، وهم يفعلون ذلك بنهم وشهية كأنما هي المرة الأولى التي تتاح لهم فيها الخربشة بحرية. 8 مؤلفين اختصاصهم الكتابة للأطفال، تمت استضافتهم هذه السنة، والمعارض عدة، منها ما يحكي حياة الأديب الشهير والحاصل على نوبل ألبير كامو بالصورة والوثيقة، ومعرض آخر لمحيي الدين اللباد ورسوماته تقيمه «جمعية سمير قصير»، وآخر هو من تنظيم السفارة السويسرية يتضمن صورا بالأبيض والأسود لكتاب سويسريين على مختلف لغاتهم، في محاولة لإبراز التماهي بين الاختلافات السويسرية المتعايشة والاختلافات اللبنانية.

لا يخفي الفرنسيون أن أولويتهم هم الأطفال وأنهم ينسقون قبل أشهر طويلة من انعقاد المعرض مع المدارس، مقترحين عليهم الأنشطة، واضعين المعلمين والمعلمات، في أجواء البرامج التي يتم التحضير لها. وإذا كان عدد الزوار المعلن عنه هو 80 ألف زائر للعام الماضي، بينهم 30 ألف تلميذ تقريبا، فهذا يفسر العناية الكبيرة بالأطفال، خاصة أن لبنان لا يزال البلد الفرانكفوني الأول في المنطقة، على الرغم من ميله الأنغلوفوني الذي بات سمة الجامعات الخاصة.

لذلك فإن المعرض هو فرصة لتسويق كل ما هو فرنسي، بدءا من البنوك، وليس انتهاء بالمؤسسات التعليمية؛ حيث لكل من هذا المؤسسات جناح خاص، وشعارات وإعلانات تبشر بأنها تخرج روادا في مجالاتهم، ليس في لبنان وحسب وإنما في العالم أجمع.