الغذامي: أتحمل المسؤولية.. ولن ألاحق أحدا

بعد استقالته من اللجنة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب

الدكتور عبد الله الغذامي
TT

ما زالت قضية استقالة الناقد السعودي، الدكتور عبد الله الغذامي، أستاذ النقد والنظرية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود من اللجنة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، بسبب الانتقادات التي وجهت للجنة التحكيم، وله شخصيا، بعد أن منحت الجائزة، وبموافقة لجنة التحكيم، كاتب جزائري جائزة على كتاب، تبّن أن فيه سطوا على حقوق الملكية الفكرية لمؤلفين معروفين بينهم الدكتور الغذامي نفسه.

على الفور، وبعد أن نشرت هذه القضية، ساد التساؤل أوساط المثقفين عن مصداقية الجوائز، ولجان التحكيم، ومصداقية الدكتور الغذامي نفسه، الذي مرّ من بين يديه كتاب كان هو شخصيا أبرز ضحاياه، دون أن يلتفت إليه.

وكان الدكتور عبد الله الغذامي قد استقال من اللجنة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، على الرغم من أن أمانة الجائزة، قررت سحب جائزة فرع الآداب بالدورة الرابعة «2008 - 2009» من الدكتور الجزائري حفناوي بعلي، عن كتابه «مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن»، بعد أن قالت الأمانة في بيانها: «إنه بعد سلسلة من الإجراءات للتحري في أمر الشواهد والاقتباسات التي بنى عليها المؤلف كتابه فقد تبين للجائزة أن الكتاب ساده منهج في عرض مادة النقد الثقافي تجاوزت حدود الاستشهاد والاقتباس وتحولت إلى الاستحواذ على جهد الآخرين مضمونا ونصا».

وفي خطاب الاستقالة، استشهد الغذامي ببيت شعر منسوب للحارث بن عباد، يقول فيه:

«لم أكن من جناتها علم الله/ وإني بحرها اليوم صال»

وقال إن «ما جرى لا يتيح لي فرصة إلا أن أتخذ موقفا يعطي اللحظة حقها، اللحظة التي يتحقق فيها معنى هذا البيت الصارخ في دلالته وفي تحفيزه على القرار الضروري، لذا فإنني أقدم لكم استقالتي من عضوية الهيئة الاستشارية للجائزة».

وكان الكاتب الجزائري حفناوي بعلي، حصل قبل نحو ثمانية أشهر على جائزة الشيخ زايد فرع الآداب بالدورة الرابعة لعام 2010، عن كتابه «مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن». وتم سحب الجائزة منه بسبب ما اعتبرته أمانة الجائزة «استحواذه على جهد الآخرين مضمونا ونصا».

وكشف «السرقة الأدبية» الكاتب الصحافي عبد الله السمطي «صحافي مصري مقيم في السعودية»، والغريب أن الدكتور عبد الله الغذامي، كان أبرز من شملتهم الاقتباسات غير القانونية التي حفل بها المؤلف الفائز بالجائزة، وبينهم الناقد السعودي سعد البازعي، ونبيل علي، وفخري صالح.

وقدرت الفقرات التي «اقتبسها» حفناوي بعلي من كتاب الغذامي بنحو 30 فقرة لم يشر إلا لخمس منها.

وكان التساؤل الذي لف الوسط الثقافي في الخليج والسعودية، بعد الكشف عن هذه القضية؛ أين كانت لجنة التحكيم، وهي مكونة من 20 عضوا؟ وأين كان الدكتور الغذامي شخصيا، وما سمي بـ«السرقات» يمس كتبه مباشرة؟ وهو ما جعل المثقفين يعتبرون أن الدكتور الغذامي يتحمل مسؤولية أكثر من غيره من أعضاء لجنة التحكيم، وخاصة أنه صرح بأنه «تصفح الكتاب ولم يقرأه».

وكتاب حفناوي «مدخل نظرية النقد الثقافي المقارن» صدر عن الدار العربية للعلوم 2007, ويشتمل على 743 فقرة، منها 297 فقرة مسروقة من عدة كتب لم يقم حفناوي بالإشارة إليها في هوامش الكتاب, حيث إن الاقتباسات برزت في الصفحات من 65 إلى 85 من كتاب الغذامي «النقد الثقافي», كذلك الفصل الخاص بالاستشراق، وفيه 8 صفحات من كتاب فخري صالح «دفاعا عن إدوارد سعيد», كما يتضمن الكتاب صفحات منقولة من كتاب عز الدين المناصرة «النقد الثقافي المقارن»، بالإضافة إلى تضمين الكتاب 5 فقرات مطولة من كتاب نبيل علي «الثقافة العربية وعصر المعلومات»، و20 فقرة من كتاب الناقد الدكتور سعد البازعي «دليل الناقد الأدبي», بجانب نماذج أخرى.

* الغذامي: أتحمّل وزرها كاملا

* الناقد السعودي المعروف الدكتور عبد الله الغذامي قال لـ«الشرق الأوسط»، تعليقا على هذه القضية، إنه وقف على الحياد منذ ظهور هذه القضية, وقال «إنني قررت منذ البداية أن أكون بعيدا عن المداولات الرسمية في مؤسسة الجائزة، وكذلك المداولات الصحافية حول هذا الموضوع، لأنني أولا صدمت صدمة عنيفة مما جرى لي, ثم إنني لا يصح لي أن أكون مدّعيا وقاضيا في آن واحد».

وأضاف الغذامي: «هذا ما طلبته من الإخوة في أمانة جائزة الشيخ زايد للكتاب».

وقال: «إن الذي حدث أن الجائزة شكّلت عددا من اللجان العلمية والقانونية بعيدا عن مشاركتي حسب طلب،ي وصار قرارهم أن سحبوا الجائزة»، موضحا أنه لم يقرأ كتاب حفناوي «النقد الثقافي المقارن» بعد، لأنه كما يعتقد لا يريد أن يتخذ قرارا في ظل هذه الظروف العصيبة، مبينا أن صدمته بذلك كانت كبيرة جدا، ما يعني أنه في وضع لا يمكّنه من التصرف بموضوعية وحيادية بسبب ما تعرض له من ضغوط.

واستطرد الغذامي، أنه قدم استقالته نهائيا من الهيئة الاستشارية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، بسبب إحساسه بأن هذا القرار كما يعتقد، ضروريا لحماية الجائزة من جهة، وحمايته نفسه من جهة أخرى.

وقال: «انسحابي من الهيئة الاستشارية للجائزة يمكنني من شرح الملابسات بطريقة أفضل، ذلك لأن الهيئة ليست هي الجهة المكلفة بالقرار ولا بالتحكيم، وإنما يعود الأمر إلى لجان علمية تقوم بالتحكيم والتوصية بمنح الجائزة».

ويرى الغذامي أن الخطأ هنا، أتى من لجنة التحكيم ومنه شخصيا «لأنني أنا بمفردي صاحب الكتاب الذي جرى النقل منه، وكان حري بي أن ألاحق هذه القضية كمسؤولية أخلاقية، وليست كمسؤولية إدارية، ولهذا حملت نفسي المسؤولية الأخلاقية كاملة».

ويوضح الغذامي الملابسات في التفريق بين حقوق المؤلف وحقوق الملكية الفردية، ففي الحالة الأولى أبان الغذامي أن هيئة الجائزة التي منحت جائزتها لحفناوي رأت بعد مداولة اللجان العلمية والقانونية، أنه قد أخل (حفناوي) بالشروط المجزية بالجائزة، ولذلك سحبوها منه، مشيرا إلى أن أهم الشروط، مراعاة المنهجية العلمية في الاقتباس والتوثيق والنقل العلمي, مبينا أن رأي اللجنة يفيد بأن حفناوي قصر في هذه الشروط.

أما فيما يتعلق بالحقوق الفردية للغذامي شخصيا كمؤلف منقول عنه وبآخرين مثله تم النقل من كتبهم, فيرى الغذامي أنها مسألة لا تعنيه, بمعنى أنه لا يريد أن يمارس ملاحقة قانونية ضد حفناوي, عازيا ذلك إلى أنه يعتقد أن هذه المسألة تخص جائزة الشيخ زايد للكتاب, أولا، وتخص الوسط الثقافي العربي ثانيا, وهم المعنيون بالبت فيها.

وينفي الغذامي أن يكون مسلك الصفح عما سلف الذي يمارسه, بأنه قد يفتح الباب على مصراعيه لكل من تسول له نفسه هضم حقوق الغير، وبأن تكون مدخلا لآخرين بأن يمارسوا مسألة النقل غير القانونية باستلابهم حقوق الآخرين، وقال الغذامي: «العفو هو قيمة أخلاقية عليا وأرى أن تمثّلها أعلى شأنا من ملاحقات الآخرين، أما المسألة الأخرى فهي أنه من وقع في أمر من هذه الأمور فإن محاسبته الثقافية والتاريخية هي الأصل في عرفي وليست الحقوق الفردية».

«الشرق الأوسط»، اتصلت بالأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، راشد العريمي، ولم يعلق على هذه القضية، كما أن محاولاتها الاتصال بالكاتب الجزائري الدكتور حفناوي بعلي، عبر أرقام هواتفه، باءت بالفشل.

* المناصرة: الغذامي ارتكب خطيئة كبرى

* من بين من شملتهم السرقة الأدبية، الناقد حسين المناصرة، حيث تم اقتباس فقرات من كتابه «النسوية في الثقافة والإبداع»، وكتاب «المرأة وعلاقتها بالآخر»، وكتاب «ثقافة المنهج»، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه أصيب بالدهشة بعدما اطلع على السرقات الأدبية التي اشتمل عليها كتاب «مدخل نظرية النقد الثقافي المقارن»، وقال إن سر هذه الدهشة ليس فقط السرقة, وإنما بسبب الصداقة التي تربطه بالدكتور حفناوي بعلي لأكثر من خمس سنين خلت.

وقال المناصرة: «عندما بدأت أقرأ كتاب الدكتور حفناوي موضوع السرقة اكتشفت قدرة فائقة في كون الكتاب جاء نتيجة عملية توليفية مبتذلة، لأنه يقوم على اقتباسات طويلة وغير مترابطة، وثانيا احتواءه على فقرات كثيرة من دون إحالات إلى مرجعيات، بالإضافة إلى أن الكتاب خال تماما من أي أفكار متسلسلة أو مترابطة».

ويقول المناصرة إنه «بإمكان أي قارئ ناهيك عن محكّم لهذا الكتاب أن يكتشف من أول عشرين صفحة فيه أنه محل شك، ولا يصلح لأن يكون موضع جائزة، بل يجب أن يكون محط مساءلة من الوهلة الأولى»، ما يعني بحسب المناصرة «أن لجنتي المحكمين والاستشاريين لجائزة الشيخ زايد للكتاب, لم تقرآ الكتاب جيدا بل اكتفتا بالعناوين البراقة».

وقال المناصرة: «أستطيع أن أقول بالصوت العالي إن لجنتي المحكمين والاستشاريين للجائزة لا تمتلك المصداقية الثقافية، وإنهما مصابتان بعقم ثقافي وفكري وإنساني وأخلاقي في أسس التحكيم».

واعتبر المناصرة أن الدكتور عبد الله الغذامي اقترف كبائر الذنوب في هذه السرقة الأدبية في كونه لا يكشف عنها في حينها، متهما إياه بأن وقع فريسة بسبب أنه اغتر بكلمات معسولة كتبها حفناوي في حق الغذامي في صدر الكتاب موضوع السرقة، باعتباره رائد النقد الثقافي في المنطقة العربية.

* السمطي: نحو نصف الكتاب مسروق

* من ناحيته, قال الكاتب عبد الله السمطي, «الذي كشف القضية» إن اكتشاف اقتباسات الدكتور حفناوي بعلي من كتب كل من الدكتور عبد الله الغذامي، والدكتور سعد البازعي، وعز الدين المناصرة، ونبيل علي، وحسين المناصرة، وآخرين، بمثابة المفاجأة الأدبية الكبرى بالنسبة له، موضحا أنه لم يكن متوقعا أن يفوز كتاب نقدي بجائزة كبيرة في مقام جائزة الشيخ زايد للكتاب للعام 2010، كان من المؤمل ألا تتعرض لهذا المستوى من السرقات الأدبية.

وقال إنه لم يجد مكانا لنشر هذه القضية، مما اضطره لنشرها في موقعه الإلكتروني الخاص به, مما سبب تفاعلا تدريجيا مع هذا الموضوع.

واستغرب السمطي من صياغة البيان الصادر في شأن سحب الجائزة, فهو يشير إلى أنه استقى معلوماته من القراء والمتابعين بدلا من استقائه من المكتشف الحقيقي المفترض وهو اللجنة التي يفترض فيها أن تتألف من خبراء على مستوى جائزة الشيخ زايد للكتاب، وتستطيع أن تكشف ما لم يستطع كشفه القراء والمتابعون.

ويقول السمطي، إن هذه القضية أوضحت للرأي العام، أن النقاد الكبار لم يعودوا كبارا، فـ«هؤلاء أغرقونا في المصطلحات النقدية الجديدة بمفاهيم النقد الحداثي وما بعد الحداثي، ثم أصبحوا يتكالبون على عضوية اللجان الاستشارية ولجان التحكيم وزوايا الصحف وبرامج المسابقات الفضائية ونسوا دورهم الفكري والثقافي والتنويري».