تأثيرات الليبرالية الجديدة على السيادة الوطنية

المعاهد الغربية بدأت منذ التسعينات بالترويج لمفاهيمها الأساسية

«موضوعات في الفكر السياسي المعاصر» المؤلف: لطفي حاتم الناشر: الأكاديمية العربية في الدنمارك
TT

في كتابه الجديد، يواصل الدكتور لطفي حاتم أبحاثه عن أفكار الليبرالية الجديدة ومرتكزاتها الفكرية والسياسية، محاولا تفكيك العلاقة بين الروح العدوانية التي تتميز بها السياسية الخارجية للولايات المتحدة الأميركية وتبني النخبة الحاكمة فيها لأفكار الليبرالية الجديدة، باعتبارها الأداة الآيديولوجية التي ترتكز عليها، مشيرا في هذا الصدد إلى توظيف الليبرالية الجديدة لجهود العلماء والباحثين في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان، للترويج لوصفات الليبرالية الجديدة، السياسية والفكرية، على الصيعدين الداخلي والخارجي، فقامت بتأسيس معاهد الأبحاث لتنظيم النشاط الفكري للباحثين، بهدف إعطاء مسحة علمية لأفكار الليبرالية الجديدة. وقد بدأت هذه المعاهد منذ بداية التسعينات الترويج للمفاهيم الأساسية لليبرالية الجديدة المتمثلة في حرية التجارة والأسواق والمعلومات، باعتبارها النهج الوحيدة للتطور الاجتماعي والاقتصادي على الصعيد العالمي.

ومن أجل حل التناقض بين وصفات الليبرالية الجديدة لتطور البلدان الوطنية ومبدأ السيادة الوطنية، جرى تعويم هذا المبدأ لصالح حرية التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى من خلال الترويج لمفهوم التدخل الإنساني، فيشير الباحث في هذا الصدد إلى «استبدال مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بمبدأ التدخلات العسكرية لحسم النزاعات والحروب الداخلية، استخدام القوة بهدف استبدال أنظمة سياسية استبدادية بأخرى (ديمقراطية)» (ص 100)، إضافة إلى استخدام الضغط الاقتصادي من خلال الوصفات الاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية. ولإعطاء ملموسية لأفكاره، يشير الباحث إلى فشل محاولات مفكري الليبرالية الجديدة في التغطية على النتائج الاجتماعية السلبية عند تطبيق وصفات الليبرالية الجديدة في الكثير من الدول الوطنية خارج العالم الرأسمالي، حيث تشهد هذه البلدان تخلخل نسيجها الاجتماعي وعدم استقرار بنيتها السياسية.

لقد تناول الدكتور لطفي حاتم الموضوعات السابقة، من خلال فصول الكتاب التي حملت الكثير من العناوين؛ منها: الليبرالية الجديدة وتطور العلاقات الدولية، الليبرالية الجديدة ومرتكزاتها السياسية والفكرية، مراجعة التاريخ وإدانة الروح الوطنية، الليبرالية العربية والمراجعة التاريخية والروح الانقلابية، خطاب الرأسمالية وأزمة الفكر الاشتراكي، التوسع الرأسمالي وتغييرات وظائف الدولة الرأسمالية، التحالف الأطلسي وتدويل وظائفه الهجومية، كما ورد في الفصل الثاني. وتناول الفصل الثاني الذي حمل عنوان (العولمة الرأسمالية والقضية القومية) تحليل الكثير من الموضوعات منها: التوسع الرأسمالي والدول القومية الناهضة، العولمة الرأسمالية والموجة القومية الثالثة، التغييرات الدولية والنزاعات الوطنية/ الإقليمية، الدولة الوطنية بين التهميش والإلحاق، بين التبعية والاندماج، آليات السيطرة والضبط الاجتماعي في الدولة الاستبدادية.

في ختام الكتاب، حاول الباحث تناول الإشكالات التي أثارها الاحتلال الأميركي للعراق من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة، منها: ما علاقة الاحتلال الأميركي للعراق بتطور التكتلات الاقتصادية الدولية؟ ما طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها الدولة الوطنية في الطور المعاصر من العولمة الرأسمالية؟ كيفية الربط بين التنمية الوطنية وتوجهات الليبرالية الجديدة؟ ما طبيعة الأمن الإقليمي الذي تسعى الإدارة الأميركية إلى بنائه؟

بخصوص تأثير الاحتلال الأميركي للعراق، يشير الباحث إلى تعزز دور المراكز الرأسمالية الإقليمية مثل الصين والهند والنمور الآسيوية، الأمر الذي هيأ لظهور تكتل إقليمي جديد، يمتاز بتحقيق نسب نمو اجتماعية اقتصادية عالية. كما أن تطور القوة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون ضمن دول اتفاقية النافتا، يشير إلى ظهور أشكال جديدة من التكتلات الاقتصادية يطلق عليها الباحث بـ«التكتلات الاقتصادية القادرية الكبرى».

لا يخلو الكتاب من الكثير من الاستنتاجات التي تدعو الباحثين والمفكرين إلى مواصلة التعمق بدراستها في المستقبل نشير إلى بعضها:

1- تحول موضوع صراع الحضارات الذي بشرت به الليبرالية الجديدة، كغطاء آيديولوجي للاندفاعة العسكرية الأميركية إلى حوار بين الحضارات تشترطه وحدة وتنوع المصالح المشتركة بين التكتلات الاقتصادية القارية الكبرى.

2- تضاءل دور الدولة الوطنية في السياسة الدولية وترحيل مبادئ الاستقلال والسيادة الوطنية إلى فعاليات وقوى خارجية، حيث ينعكس هذا التغيير على المنظومة السياسية للدولة الوطنية وسلطتها السياسية.

3- تبلور ملامح مرحلة انتقالية يمكن تسميتها بازدواجية السلطة بين المركز الرأسمالي والحليف الحاكم في الدولة الوطنية، تمهيدا لبناء المستلزمات الضرورية لتشكيل التكتلات الإقليمية التابعة.

وعلى ضوء الاستنتاجات السابقة، يشير الباحث إلى أن العقول الاستراتيجية الأميركية بدأت تميل إلى مجاراة التطور العالمي ونبذ التفرد الأميركي في معالجة القضايا الناتجة عن تعقد العلاقات الدولية.