«أتيليه الشارع».. لمسة جمال تعيد الدفء لأحياء القاهرة

دشنه الفنان محمد عبلة واستهله بـ«حكايات الفجالة»

محمد عبلة وهو يرسم على أبواب أحد المحال بحي الفجالة («الشرق الأوسط»)
TT

ضمن مشروع متكامل لتنشيط الذاكرة وتجميل بنايات العاصمة المصرية وشوارعها ومحلاتها، بدأ الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة مشروعا جديدا لوضع «حي الفجالة» الشهير بمكتباته وكنائسه ومساجده ومقاهيه وبناياته الأثرية في حيز اهتمام أبنائه. المشروع الذي سماه عبلة «حكايات الفجالة» يهتم بتسجيل قصة حياة الحي وتشكيلها في مقامات متعددة، منها البصري والموسيقي والمسرحي والاجتماعي، عبر رصد التفاعلات التي حدثت فيه خلال السنوات الماضية والحكايات التي دارت تفاصيلها هناك.

ومن خلال «أتيليه الشارع» استقطب عبلة موسيقيين وفنانين تشكيليين ومسرحيين وباحثين في التاريخ، فضلا عن المصورين. بدأ المشروع عندما طلب مسؤولون من «جمعية الجزويت» منه تكرار تجربة «كوم غراب» التي قام فيها عبلة وصديقه الفنان عادل السيوي، بتلوين وتجميل بنايات الحي العشوائي. في الفجالة كان المطلوب أن يتم العمل على هذا المحور الضيق فقط، لكن عبلة قال لهم إن لديه تصورا مختلفا يقوم على عدة محاور لإحياء المكان وبعث تاريخه من جديد.

عبلة قال لـ«لشرق الأوسط» إن المسؤولين في «الجزويت» كانوا يسعون لأن نكرر تجربة «كوم غراب» والاكتفاء بالرسم في الفجالة، لكنني أسعي إلى أن يكون هناك مشروع متكامل يتم على عدة مراحل، وقد بدأنا المرحلة الأولى بالفعل، وقمنا برسم بعض المحلات هناك، يساعدني في ذلك بعض طلاب كلية الفنون الجميلة بجانب الفنان أحمد بسيوني، وقمنا بتلوين عدد من محلاتها في يوم أحد. وهو اليوم الذي يغلق فيه التجار متاجرهم، ويمكننا بسهولة أن نقوم بذلك خلال ساعات. نحن بالتأكيد جئنا من أجل الناس وحتى نجعل حياتهم في المكان أكثر متعة. وهذا هدف لا يستقيم معه تعطيل مصالحهم، كما أننا لا نقوم بشيء من دون استئذانهم واستشارتهم فيما يريدونه، ونراعي فيما نرسم متطلباتهم وذائقتهم. هناك منهم من طلب أن نرسم له سيارة على باب متجره، وتم له ما أراد، هناك حوار دائم مع أهل الحي وسكانه، نسعى من خلاله أن نشركهم في العمل معنا حتى يدركوا قيمة ما يحدث ويحافظوا على ما نقوم به.

في المرحلة الثانية، حسب عبلة، سيتم جمع تاريخ الفجالة والعائلات التي سكنتها ورصد حكايات أهلها والأحداث التي مرت بالحي، وما حدث من تحولات أثرت على شكل الحياة في الحي القديم. هناك أيضا بحث وراء السمات التي كان يتميز بها المكان والتغيرات التي تتابعت بمرور السنين.

ولا يسعى عبلة وزملاؤه فقط وراء ذلك، لكن هناك عملا مسرحيا سوف يتولاه - حسب ما ذكر المسؤول عن «حكايات الفجالة» - المخرج حسن الجريتلي الذي يقوم حاليا على جمع قصص الناس وحكاياتهم هناك لتحويلها إلى مسرحية سوف تعرض قريبا، ويشاهدها سكان الحي ليتعرفوا عليه أكثر ويعرفوا قيمة ما يعج به من تراث كبير.

ولن يتوقف العمل عند هذا الحد؛ فهناك مشروع موسيقي يسهر عليه حاليا الفنان الموسيقار فتحي سلامة يجمع من خلاله ذاكرة الحي الصوتية، ويقوم على أصوات المطابع التي كان يشتهر بها الحي، والماكينات والمقاهي وما بها من نداءات وأصوات ورش السيراميك التي انتشرت هناك في الآونة الأخيرة. وسوف يجمع سلامة هذا كله ليحوله في النهاية إلى عمل موسيقي يحكي أصوات الحي وإيقاعاته التي يتميز بها.

وعن اختياره للفجالة كنقطة البداية، يذكر عبلة أن الفجالة حي فريد بين أحياء القاهرة، فقد كان يعج في القرن الماضي بالمسارح ومقاهي الكتاب والكباريهات القديمة وبيوت الدعارة، فضلا عن عدد من أشهر المكتبات ودور النشر المصرية مثل «نهضة مصر» و«مكتبة مصر»، فضلا عن «مكتبة الهلال» التي أنشأها عام 1889 إبراهيم زيدان ابن عم الكاتب المعروف جورجي زيدان، واستمرت 90 عاما، لكن أحفاده قاموا ببيعها. هناك أيضا مكتبة وديع البستاني وغيرها من العلامات البارزة في المكان، وجميعها سوف يعمل عبلة وزملاؤه على إبرازها جماليا وترميمها بما في ذلك البيوت القديمة.

ويتمنى عبلة أن تكون هناك مشاركة من جهاز التنسيق الحضاري في إتمام المشروع، كما يسعى لإشراك رجال الأعمال ليعيد الحي إلى سابق عهده، ويحول السير فيه، حسب تعبيره، إلى متعة بعدما أصبح الضجيج والتلوث السمعي والبصري سمة سائدة هناك.

ومن بين المشاركين في حكايات الفجالة: الكاتب الروائي خيري شلبي، الذي سوف يقوم بدور محوري في المشروع عبر سرد حكاية الحي وتفاصيلها في كتاب تضم فصوله كامل مراحل المشروع، بما في ذلك ما تم جمعه من صور قديمة للمنازل والبنايات والمسارح والمقاهي تحكي تفاصيل ما حدث من تغيرات هيكلية في صور الحياة هناك.