الدول العربية غير مهتمة بأمنها الغذائي

طبعة جديدة من «الاستعمار الزراعي الجديد والأمن الغذائي»

اسم الكتاب: «الاستعمار الزراعي الجديد والأمن الغذائي» المؤلف: د. طالب مراد ترجمة: د. برهان صابر سنة الطبع: 2010 جهة الطبع: مطبعة السليمانية - إقليم كردستان العراق الطبعة: الثانية
TT

عن مطبعة «السليمانية» صدرت الطبعة الثانية من كتاب «الاستعمار الزراعي الجديد والأمن الغذائي»، لمؤلفه الدكتور طالب مراد، باللغتين العربية والكردية، ترجمة الدكتور برهان صابر، في 122 صفحة من الحجم المتوسط.

والدكتور طالب مراد خبير متقاعد في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والمستشار الإقليمي لصحة الحيوان في المنظمة المذكورة، ويتولى حاليا منصب مستشار الأمن الغذائي لرئيس حكومة إقليم كردستان برهم صالح.

حصل مراد على شهادة الدكتوراه في فسيولوجيا التغذية من جامعة ليفربول البريطانية، وظل بها سنة لعمل بعض الدراسات والبحوث بعد الدكتوراه في مجال تخصصه. وفي عام 1975 بدأ عمله في الشرق الأوسط كأستاذ مشارك في كلية الطب البيطري بجامعة الفاتح بطرابلس ليبيا، قبل أن يلتحق في عام 1984 بالعمل كخبير للصحة الحيوانية بمنظمة الفاو، وتنقل في الكثير من الدول العربية، وكان مسؤولا لمشروع مكافحة مرض الطاعون البقري في أفريقيا، ثم انتقل إلى المكتب الإقليمي لدول الشرق الأدنى بمنظمة الفاو في القاهرة.

ويتضمن كتابه «الاستعمار الزراعي الجديد والأمن الغذائي» سلسلة من المقالات العلمية والبحثية نشرها في الكثير من الصحف ومراكز البحث العلمي، جمعها مؤخرا في هذا الكتاب الذي صدرت طبعته الثانية أخيرا في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق الذي استقر فيه الكاتب بعد تقاعده في المنظمة الدولية.

يستهل الكاتب كتابه بالحديث عن موضوع الاستعمار الجديد الزراعي، ممهدا بإلقاء الضوء على واقع قارتي آسيا وأفريقيا اللتين ظلتا تحت سيطرة الاستعمار الغربي لقرون طويلة، والذي استغل شعوبها وخيراتها، مشيرا إلى أنه «يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث بدأ الاستعمار يظهر مجددا لكن بشكل وثوب جديدين، خاصة في الشرق الأوسط وآسيا»، مستغربا أن المستعمرين الجدد هم أهل المنطقة، الذين يعقدون صفقات مشبوهة للغاية مع دول لديها أراض زراعية في دول تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من وراء البحار.

ويضرب الكاتب مثلا بالصفقة التي وقعتها حكومة مدغشقر مع منظمة «دايو» الكورية الجنوبية، حيث استأجر الكوريون الجنوبيون مليونا وربع مليون هكتار من أحسن الأراضي الزراعية في مدغشقر، وهو ما يعادل نصف مساحة بلجيكا، وهناك دول أخرى تريد أن تكسب على حساب شعوبها وبالطريقة المدغشقرية، وهي على استعداد لبيع أراضيها لمن يدفع أكثر، مثل كينيا وإثيوبيا والسودان وأوكرانيا وكمبوديا.

ويشير الكاتب إلى أن «الإمارات العربية المتحدة تحاول استغلال 30 ألف هكتار في السودان وعلى ضفاف النيل لزراعة الذرة والأعلاف الحيوانية، فيما حصلت الإمارات أيضا على مليون هكتار في باكستان، وهي بصدد الحصول على أراض شاسعة في السودان وكازاخستان، وتحاول قطر الحصول على أراض في كمبوديا وفيتنام، وليبيا حصلت على ربع مليون هكتار في أوكرانيا ولها مشاريع زراعية كثيرة في أفريقيا منذ ثلاثة عقود».

وعن العراق يتحدث الكاتب بأنه «البلد الزراعي الثاني بعد السودان في مجموعة الدول العربية، إذ إن فيه نهرين دائمين كبيرين، وأراضيه خصبة صالحة للزراعة، لكن مع ذلك يخسر العراق ما يعادل مائة ألف دونم سنويا من الأراضي الصالحة للزراعة، فالعمالة الزراعية في العراق أخذت تشح بشكل هائل، حيث إن الانضمام لقوات الشرطة والجيش والحدود قد أدى إلى هجرة الفلاحين العراقيين عربا وأكرادا من أراضيهم، لذلك تحاول وزارة الزراعة أن تجلب الفلاحين من خارج العراق، لكن هذا ما هو إلا حل ساذج لمشكلة كبيرة وعويصة».

ويعتبر مؤلف الكتاب أن الأمن الغذائي العراقي لا يقل أهمية عن الأمن القومي، وعلى ما يبدو فإن أكثر من 80% مما يأكله الشعب العراقي مستورد، والحلول الساذجة التي اقترحت للعمالة الزراعية والأمن الغذائي بواسطة الاستيراد مؤخرا ستؤدي إلى أن تعطى أراض عراقية مجانا لدول الاستعمار الجديد لاستغلالها (استثمارات)، وعندها سيكثر تماسيح الأراضي من زياراتهم للساسة العراقيين للحصول على تلك الأراضي.

* إنهم يزرعون الأفيون

* يؤكد المؤلف أن قطاع الزراعة في العراق متدهور بشكل عام، وهو ما أفرز نوعا جديدا من المشكلات. ويستند المؤلف إلى ما ذكرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في 23 مايو (أيار) الماضي من وجود زراعة الأفيون بالعراق، فقد لخص مهندس زراعي محلي اسمه العزاوي الحالة قائلا «إن الفلاحين لا يحصلون على مساعدات من الحكومة، ولا يمكنهم منافسة أسعار السلع المستوردة الرخيصة من فواكه وخضراوات، وليس بوسعهم توفير أسعار الأسمدة والطاقة الغالية. لهذا الوضع توقعت منذ سنوات أن زراعة الأفيون ستظهر بالعراق، وربما ستزداد كون كل الظروف مهيأة لزراعة هذا السم».

ويستخلص المؤلف الحلول المطلوبة لهذه المشكلات بالقول «المطلوب من الحكومة العراقية والبرلمان إعطاء الأهمية القصوى لتحسين الوضع الزراعي والأمن الغذائي العراقي بطريقة صحيحة، وليس البحث عن حلول جزئية مبتسرة، وأن تعلم أن الشاحنات والبواخر والطائرات التي تجلب الطعام والشراب للعراقيين بلا انقطاع لن تجد قريبا ما تجلبه لنا، وربما يصعب شراؤها لارتفاع ثمنها. وللتخفيف من مشكلة الأمن الغذائي فإن على الحكومة العراقية وبرلماني بغداد وأربيل رفض ما تمليه عليهم دول الجوار، وتسلط هذه الدول في تحديد مناسيب المياه المنصرفة للعراق».

* مياه العراق

* وفي مقال كرسه الكاتب للحديث عن مياه العراق قال إن «العراق يتسلم من نهريه العظيمين نحو 14 مليار متر مكعب من الماء سنويا، وقد زار رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان العراق، ووقع 48 معاهدة مع حكومة بغداد، لكني لا أعتقد أن مشكلة المياه كانت من أولويات هذه الاجتماعات وحفلات التوقيع، مع أنني أتوقع أن يشهد العراق كارثة مائية ما بقيت حصته المائية أمرا لا يثير نخوة رجال السياسة في العراق».

ويستشهد الكاتب بما تقوم به الحكومة المصرية مثلا لحفظ حقها في مياه النيل.. «فنهر النيل يمر بتسع دول قبل الوصول إلى مصر التي يصب فيها 55 مليار متر مكعب سنويا، ومع هذا تبقى مصر هي صاحبة حصة الأسد في مياه النيل رغم كونها دولة المصب، أما مياه دجلة والفرات معا فهي أقل من ربع ما يجري في النيل، وتعد مياه النيل من الخطوط الحمراء بالنسبة لجيش وحكومة مصر».

ويتوصل الكاتب في نهاية مقاله هذا إلى أن توثيق حقوق العراق المائية خطوة أساسية لحماية العراق من خطر الموت عطشا، ولحماية أراضيه من الجفاف والتصحر.

وكرس المؤلف المقال الأخير من كتابه لإثارة سؤال غريب نوعا ما، لكنه مطروح في الوسط الذي يتخصص فيه الدكتور طالب مراد. والسؤال الذي أثاره يدور حول «ماذا لو أنشأت الدول المصدرة للحوم منظمة على غرار منظمة (الأوبك)؟».

يستعرض الكاتب المراحل التي قطعتها مسألة تشكيل هيئة الإنتاج وصحة الحيوان في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويشير إلى مطالبة ممثلي هذه الدول بتشكيل تلك الهيئة في الجلسة 49 لمجلس منظمة الأغذية والزراعة في روما عام 1967، وفعلا وافق مجلس المنظمة بقراره المرقم 49/3 على تشكيل الهيئة على أن يكون مقرها في القاهرة.

وكتب المدير العام للمنظمة إلى الدول المعنية مناشدا إياها بالانضمام للهيئة، لكن لم يرد على الطلب حتى عام 1975 سوى دولة تونس. ونظرا للسلبية وربما الإهمال من دول المنطقة، اضطرت المنظمة لعرض إلغاء الفكرة في إنشاء هذه الهيئة التي لم تكن موجودة سوى على الأوراق منذ عام 1967 وحتى عام 1983، وبهذا خرجت الفكرة نهائيا من حسابات «الفاو».

ويتطرق المؤلف إلى مسألة استيراد اللحوم بالقول «إن الدول العربية تستورد 70% من احتياجاتها من البروتين الحيواني من وراء البحار على شكل حيوانات حية أو منتجاتها، وهي نسبة رهيبة وتشكل خللا كبيرا. ومعروف أن عملية استيراد اللحوم والحيوانات ليست يسيرة مثل استيراد منتجات وسلع أخرى، فهناك شروط ومحددات كثيرة، مثل التأكد من خلو الحيوان من الأمراض، وشروط قياسية أخرى، وأن يتم الذبح بطريقة تتماشى مع الشريعة الإسلامية، ثم هناك عامل مهم هو السعر، وهو في حالتنا هذه يأتي في المرتبة الرابعة بعد التيقن من الشروط الثلاثة الأولى، في حين يأتي في منتجات وسلع أخرى ربما في المرتبة الأولى».

وربما يجب الأخذ بنظر الاعتبار أيضا أن بعض الدول مثل أستراليا من أكبر الدول المصدرة للحيوانات الحية واللحوم منعت تصدير الحيوانات الحية بحجة أن الحيوانات تلقى تعاملا لا إنسانيا قبل وأثناء الذبح، وقد تنضم دول أخرى لمثل هذا القرار، وهو قرار يقلل بدوره من كمية الصادر من هذه الدول.

ويختم المؤلف مقاله الأخير بالقول «إن الآمال معقودة على فعالية إعادة فكرة إنشاء هيئة إقليمية للإنتاج وصحة الحيوان استجابة لكثير من المحددات والظروف التي إذا تركت من دون علاج فستهدد الأمن الغذائي للمنطقة وتنذر بتعرض مواطنيه لكثير من الأمراض، إما بسبب خلل النظام الغذائي أو التعرض لأمراض منقولة عبر الحيوانات»، والكل يتطلع لحل هذه المشكلات حتى لا يصبح الحصول على وجبة لحوم «صحية» مجرد حلم من أحلامنا.