الأدب السعودي يشب عن طوق مؤسساته الثقافية

أدباء وأكاديميون لـ «الشرق الأوسط»: غياب الاستراتيجية الممنهجة ونظرة الناشر المادية وشح الترجمة حجَّمت دوره

د. محمد القسومي
TT

خلال السنوات العشر الأخيرة فقط، تم إصدار 2090 كتاب، في مختلف ضروب الإبداع والكتابة، وبلغ عدد الروائيات السعوديات على وجه التحديد، منذ عام 1930 وحتى 2009، 113 روائية، مقابل 288 روائيا في هذه الفترة الزمنية نفسها، بالإضافة إلى الشعراء والشاعرات ومع ذلك يلاحظ هشاشة الدور المنوط بالأدب السعودي في نقل الصورة الحقيقية للثقافة والأدب السعوديين، وعكسها لدى الآخر.

ويتصور بعض الأدباء والأكاديميين أن هذا الكم النوعي من الكتب لم يستطع أن يشفع للأدب السعودي كي ينطلق نحو آفاق أوسع، بسبب مجموعة من التحديات، تأتي في مقدمتها نظرة الناشر العربي المادية، في ظل غياب الاستراتيجية الممنهجة من قبل المؤسسات الثقافية.

والبعض الآخر يرى أن الأدب السعودي حقق انتشارا معقولا واستطاع أن يلفت أنظار الغير، مع إقرارهم بعدم الاهتمام بترجمة الأدب السعودي إلى لغات الغير، الأمر الذي أسهم في إعاقة نشره في الأوساط الثقافية خارجيا.

في التحقيق التالي محاولة لتشخيص واقع الأدب السعودي، من حيث الانتشار والترجمة ومواجهة التحديات التي تقابله لإحداث اختراق لدى نظرة الآخر تجاه الحضور السعودي ثقافيا وفكريا وحضاريا.

* القسومي: دور الترجمة

* الناقد السعودي الدكتور محمد بن سليمان القسومي، رئيس قسم الأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يعتقد أن الأدب السعودي لم يلق حظا من الانتشار في البلاد العربية، على الرغم من أهمية ما ينشر في السعودية من إصدارات.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو لي أن من أهم أسباب ذلك أن دور النشر تركز على الجانب المادي؛ لأن الناشر يهمه الربح المادي فحسب، على الرغم من أن بعض الإصدارات السعودية لقيت صدى في بعض البلاد العربية بجهود مؤلفيها».

ويعتقد القسومي أن إهمال ترجمة الأدب السعودي أضاف تحديا آخر أمام انتشاره، مع أنه منذ عام 1955 نشرت مجلة الشعراء الصادرة في روما لشاعرين من السـعودية بعض القصائد مترجمة إلى الإيطالية، والشـاعران هما: أحمد عبد الجبار ومحمد السنوسي، أعقب ذلك بعض الجهود الفردية، إلا أنه ما زالت الحاجة ماسة لتنشيط العمل على الترجمة إلى لغات أخرى.

وأهاب القسومي بالمؤسسات الثقافية السعودية إلى العمل على خطط استراتيجية تهدف إلى خدمة الأدب السعودي ونشره في الأوساط الثقافية داخليا وخارجيا، لا أن يترك الأمر للجهود الذاتية من مجلة أو أديب أو علاقات؛ إذ إن هذا الجهد، برأيه، لا يكفي ولن يحقق كسبا أو انتشارا مؤثرا، وقال: «نحن نريد أن تواصل المؤسسات مشاريعها الممنهجة، المعتمدة على استراتيجيات وأهداف بعيدة المدى».

وفيما يتعلق بالدور الذي قام به الأدب السعودي في تقديم الشخصية السعودية بمختلف أشكالها ومكنوناتها الإرثية والتاريخية والحضارية حتى الآن، أقر القسومي بأن شيئا من ذلك حدث، موضحا أن الأدب السعودي كأي أدب يعتبر صدى للبيئة، يعيش واقعها ويعبر عن آلامها وآمالها.

ويضيف: «إن العالم أطل على الشخصية والبيئة السعوديتين والتراث العريق فيها من خلال نوافذ عدة، من أهمها مؤتمر الجنادرية الذي يحظى بصدى إعلامي عالمي وتدعى له شخصيات من مختلف دول العالم. ومن ذلك أيضا المعارض والأيام الثقافية السعودية التي تقام في الدول العربية والعالمية والاحتفالات التي تقيمها السفارات السعودية وكذلك مشاركتها في احتفالات السفارات الأخرى، والملتقيات والندوات والمؤتمرات التي يدعى لها بعض الشخصيات البارزة من مختلف دول العالم، إضافة إلى برامج الابتعاث النشطة وكذلك أنشطة الملحقيات الثقافية في الخارج. ذلك كله ذو أثر كبير في سبيل ترسيخ الحوار الفكري والثقافي والديني».

* الحجيلي: انفتاح وانفراج رقابيان

* الأديب السعودي عيد الحجيلي يرى ما يراه القسومي من أن الأدب السعودي بشكل عام يخطو كما ونوعا بخطى حثيثة في عالم النشر والانتشار عربيا وعالميا، وبأسماء مميزة لفتت الأنظار في غير جنس أدبي. يقول: «يحقق الأدب السعودي على المستوى العربي انتشارا معقولا بالنظر إلى حداثة المؤسسات التعليمية، والمعوقات أمام مسيرتها الحضارية والثقافية».

وأضاف الحجيلي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن ارتفاع منسوب الانفتاح في السنوات الأخيرة، والحد من قيود الرقابة على الكتاب أديا إلى حراك ثقافي واضح، يتجسد في حركة النشر النشطة، لا سيما عبر دور النشر العربية الكبيرة، التي أسهمت في حضور الأدب السعودي في المكتبات العربية ومعارض الكتب والمناشط والفعاليات الثقافية المختلفة».

ويعتقد الحجيلي أن ما حققه الأدب السعودي من انتشار يعتبر «خطوة لافتة في درب طويل وفضاء عريض لا يمكن النظر إليه بمعزل عن ظرفه وواقعه وهو في طريقه إلى الذيوع والنضج والنوعية، وسينتقل، حتما، من طور المشابهة إلى ذروة المضاهاة».

ومع أن الحجيلي أقر بأن الترجمة خطوة مساندة ولاحقة في خدمة الأدب وثقافة الأمة، خاصة إذا كان ينم عن خلفيته الحضارية ومنطلقاته وحمولاته الثقافية والوجدانية، إلا أنه يعتقد أن الاهتمام بها دون المستوى؛ إذ لا توجد مراكز أو مؤسسات تعنى بترجمة الأدب من وإلى اللغة العربية، بل لا توجد مؤسسة لتوزيع الكتاب بطريقة مهنية محترفة تسهم في انتشار أدبنا وإيصاله، أولا، إلى قارئه المحلي فالعربي».

وقال الحجيلي: «إن الأدب السعودي ينتظره دور عكس تراث وتاريخ وشخصية المجتمع السعودي، شريطة أن يؤصل لمكوناته الحضارية والوجدانية، فالأدب وكل منتج ثقافي ليس نبتا شيطانيا ينمو خارج إطاره ومحيطه.. وثمة فرق بين الفضائحية الهشة، والجسارة الفجة، التي تكون غايتها التسويق العابر، ولفت الأنظار، وبين الجسارة الناضجة المرتكزة على أصالة أدبية وأداء فني عال. عموما.. إن الأدب السعودي يستمد مادته الأولية من محيطه وواقعه وينم عن شجونه الخاصة، وعوالمه، وتطلعات مجتمعه وأمته، بالإضافة إلى المشترك الإنساني العام، مما يعني عظم دوره في خلق أرضية ناصعة للحوار الفكري، وترسيخ نهج المثاقفة والتآخي بين الحضارات والأمم والمنطلقات الفكرية المتباينة».

* العريني: نجاح كبير للكاتب السعودي

* من جانبه، أكد الروائي السعودي الدكتور عبد الله العريني أن الأدب السعودي اليوم استطاع أن يعكس صورة غير نمطية عن الفرد والمجتمع السعوديين، وطرق تفكيرهما وقدرتهما على محاورة الآخر والتفاعل معه ثقافيا وفكريا.

ويضيف: «استطاع الكتاب السعودي أن يرسم مكنونات هذه البلاد العربية وتراثها وحضارتها، ويقدمها إلى الآخر، جنبا إلى جنب مع المناسبات الثقافية كمهرجان الجنادرية، الذي استطاع أن يستقطب أهل الفكر والرأي والثقافة من مختلف مشارب الأرض الذين وقفوا على المنجز الأدبي والثقافي الودي، ومن ثم نشره خارج الحدود».

وهو يرى أن الكتاب والمؤلف السعوديين «لم يعودا غريبي اليد واللسان في البلاد الأخرى كما كان الحال سابقا، غير أن حضورهما لم يكن بمستوى الإمكانات المتاحة التي تعرف الآخر بالمنجز السعودي في هذا الصدد»، مشيرا إلى أن الشعراء السعوديين عبرت دواوينهم حدود الوطن وظفروا بقراءات نقدية في أماكن متعددة من العالم العربي وكذلك الشأن نفسه في القصة والرواية السعوديتين.

أما مسألة ضعف الإقبال على الكتاب السعودي، فهي، برأي العريني، أمر عام في الوطن العربي وليس خاصا بالسعوديين، وعزا تناقص القراء إلى توافر بدائل أخرى حديثة، يأتي الإنترنت في مقدمتها في ظل المتغيرات الاجتماعية والثقافية ذات الوتيرة السريعة.

وفيما يتعلق بدور الترجمة في نشر الكتاب السعودي، يعتقد العريني أن الترجمة «لا تزال بعيدة عن الحصول على مركز متقدم؛ لأن الأدب السعودي حديث عهد قياسا بالأدب اللبناني والمصري والمغربي مثلا، وهو يحتاج إلى القليل من الاهتمام». ويرى، في الوقت نفسه، أن هناك خصائص تغري بترجمة الأدب السعودي، منها أنه يعكس روح الأصالة العربية التي يتطلع الكثيرون من القراء في العالم إلى الاطلاع عليها، وهذا ما يفسر نجاح ترجمة الكتاب الإسلامي بعدة لغات وعبور بعض الكتب حاجز المليون نسخة.

ويرى العريني أن الكتاب السعودي أمامه «فرصة لغزو العالم» إذا تُرجم، وبإمكانه أن يترك أثرا كبيرا، ويبني جسورا للحوار والتواصل الفكري والثقافي والأدبي، مشيرا إلى أن أهم تحديات الترجمة تتلخص في وجود النص الملائم؛ فليست كل النصوص على قدر الأهمية، بجانب ضرورة تقديم مستوى عال من الترجمة من الجانب المهني لنقل النص بالروح والنكهة والدلالة نفسها.

ويستدرك بقوله: إن هذا المستوى من الترجمة صعب؛ إذ إن ترجمة الأدب أكثر صعوبة من ترجمة العلوم؛ ذلك أن للأدب فضاءاته واندياحاته ولغته المجازية، وسياقه الخاص، وهي فنيات لا توفرها ترجمة المواقع الإلكترونية الضعيفة، والأخيرة مشكلة في حد ذاتها، على حد تعبيره.

* الحرز: أدبنا المعاصر لا يعبر عنا

* الناقد السعودي محمد الحرز يعتقد أن الأدب السعودي المعاصر ينقل صورة تمثل أدب المرحلة، غير أنه لا يمثل أدبا ممتدا في تحولاته التاريخية والاجتماعية والفنية والتراثية، مؤكدا أن «التنوع الاجتماعي والاختلاف الجغرافي والثقافي والفكري يفرضان سلطتهما على المصطلح ذاته من العمق، وبالتالي لا يعبر عنا».

ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن الإرباك والمخاتلة في هذا المنظور يحدثان عندما نطمئن في سياق التلقي إلى الانسجام الذي يحدثه هذا المصطلح مع مضمونه، وعليه تكون بوصلة تحليلنا لأبرز صور وملامح هذا الأدب المعكوسة في الخارج قد اتخذت الوجهة المغلوطة في الرؤيا إلى هذا الأدب من أفق أكثر شمولية، بحيث تفضي بها إلى أن تستجيب لهذا التنوع الذي يضرب أطنابه في جذور هذه الأرض، خصوصا إذا اتفقنا أن الأدب بمفهومه الأوسع هو الذاكرة الشعبية للأمم والمجتمعات». من هنا فإن «جملة المفاهيم والمصطلحات التي ارتبطت بالأدب المحلي لا تصلح أن تكون مفتاحا للتعريف بالمكونات الثقافية والأدبية للمجتمع».

ويضيف: «لكننا هنا لسنا في مجال فتح هذا الباب، غير أنني أردت هنا أن أضع علامة استفهام كبيرة حول إشكالية المصطلح ودوره الوظيفي في البحث والتحليل لأهم القضايا ذات الصلة بالأدب المحلي وهمومه. ولكوني أميل إلى إعطاء رأيي في هذا المحور انطلاقا من قناعتي التي ترى أن الأدب في علاقته بمجتمعه يتجاوز علاقة المؤسسة به، بل أرى من المنظور ذاته أن الأدب لا يتجدد داخل أي مجتمع إلا عبر صراع التأويلات، كما يقول جيل دولوز».

ومع ذلك يرى الحرز أن الصراع، في حد ذاته، هو رؤيا متجددة للأدب وقضاياه؛ لأن التاريخ، برأيه، يكشف عن قدرة الأدب على المخاتلة والخداع «فما نظنه انهزاما يحوله الأدب انتصارا حتى لو بعد حين، هذا ما تعلمنا إياه آداب ما بعد الكولولنيالية، أو نظرية ما بعد الاستعمار». ويقول الحرز عن دور الأدب السعودي في الحوار والتواصل: «ما دام مجتمعنا المحلي يملك هذا التنوع الثقافي على امتداد مساحته الجغرافية الكبيرة، فإنني أزعم أن ثمة تأويلات للثقافة والأدب تنتجها فئات اجتماعية مختلفة بالمعنى الجغرافي والتاريخي، تتقاطع فيما بينها أو تبتعد بالضرورة، لكن الدرس النقدي في خطابنا المحلي عليه أن يقارب جملة هذه التأويلات الثاوية في عمق تصوراتنا وإدراكاتنا عن الأدب والثقافة، على اعتبار أن هذه التصورات تدخل في علاقة تفاعلية مؤثرة مع السلوك والأخلاق سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي في حياتنا اليومية».

بالتالي، يعتقد الحرز أن الكشف عن هذه العلاقة هو «كشف يرفع من شأن الخطاب التواصلي بين أبناء المجتمع، وهذا ما يراهن عليه خطاب النقد الثقافي في نسخته الأكثر حداثة. والسؤال الذي يجب أن يبقى مشرعا هنا لتوالد الأسئلة هو: بأي أدوات منهجية تمكن مقاربة مثل هذه التصورات؟ هنا الانطلاقة المشتركة «التي تقربنا من أنفسنا بوصفنا مجتمعا واحدا وفي الوطن الواحد، وكذلك تقربنا من الآخر حين نخوض غمار الفهم بأدواته المنهجية».