الروائي السعودي عبد العزيز الصقعبي: الشخصيات المأزومة المعقدة مصدر إلهامي

الروايات الفضائحية ستختفي وتلحق بها «نزوات» النقاد والشعراء الذين اقتحموا عالم الرواية

الروائي السعودي عبد العزيز الصقعبي («الشرق الأوسط»)
TT

على منوال كتاب القصة القصيرة الذين اتجهوا لعالم الرواية، اقتحم الروائي السعودي عبد العزيز صالح الصقعبي بأعمال روائية كان من بينها روايته المعروفة «حالة كذب»، التي صدرت في عام 1988 ويعدها بداية الرواية السعودية الحديثة. كما صدرت له رواية «رائحة الفم»، وهو يستعد حاليا لإصدار روايته الجديدة «طائف الأنس».

بدأ الصقعبي كتابة القصة القصيرة مبكرا، وفاز بالمركز الأول للقصة القصيرة عندما كان طالبا في جامعة الملك سعود، وأصدر سبع مجموعات قصصية منذ العام 1983، كانت أولها مجموعة «لا ليلك ليلي ولا أنت أنا» ثم «الحكواتي يفقد صوته» و«فراغات»، و«يوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب»، و«أنت النار وأنا الفراشة»، و«أحاديث مسائية»، و«البهو». كما صدرت له منذ أشهر الأعمال المسرحية شبه الكاملة بعنوان «صفعة في المرآة ومسرحيات أخرى» عن وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وتتكون من ست مسرحيات مونودراما (مسرحيات الشخص الواحد) وثلاث مسرحيات ذات الفصل الواحد والمشاهد المتعددة، هذا الإصدار ضمن سلسلة نصوص مسرحية.

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث عن رواية «حالة كذب»، معتبرا أنها تختلف عن جميع الأعمال الروائية التي زامنتها، فهي «لا تتكئ على الجنس والنسق الفضائحي».

وفيما يلي حواره مع «الشرق الأوسط»

* كيف تنظر إلى واقع الأدب في السعودية؟

- أتمنى أن لا نكون متشائمين عند الحديث عن واقع الأدب في السعودية، بحيث نرى أن الأدب لم يراوح خطواته الأولى في النسق الإبداعي والنقدي، على العكس من ذلك هنالك نشاط ثقافي جيد من خلال ما يصدر من أعمال إبداعية وبالذات في مجال السرد وتحديدا الرواية، وهنالك أسماء نقدية ولو كانت محدودة جدا عرفت على مستوى الوطن العربي.

بالطبع يجب أن تتسم رؤيتنا لواقع الأدب السعودي بالمعقولية، ذلك أننا بدأنا في حقبة جديدة يمتزج فيها الكم بالكيف، وتجاوز المبدع فيها حدود الوطن، بالطبع الزمن كفيل بتنقية الإبداع وتهيئته ليصل إلى إطار العالمية.

من ناحية أخرى هنالك تغير طرأ منذ سنوات على المؤسسات الثقافية في السعودية، تغيرت إداراتها، وصدرت لائحة للأندية الأدبية، وفي المستقبل ستعقد الجمعيات العمومية ومن ثم ستكون الانتخابات. هذه الأندية طورت آلية العمل لديها في السنوات الأخيرة، فكان هنالك النشر المشترك، واهتمت الأندية بنوعية الإصدار، وعموما ثمة تغير إلى الأحسن.

* باعتبارك من أنصار الرواية الحديثة.. إلى أي موقع وصل هذا الجنس من الرواية بالسعودية وماذا أضاف للأدب السعودي؟

- تنقسم حركة التأليف الروائي في السعودية إلى ثلاثة أقسام. الأول، يفتقد مقومات الإبداع ويكتب الرواية (ونقول الرواية مجازا) لأجل الشهرة والتقليد. هذا القسم دخيل على الثقافة وكاد أن يشوه المشهد الثقافي المحلي لرداءة وسوء ما نشره، ساعده على الانتشار تطرقه لما هو مخالف، وقامت بعض دور النشر العربية بنشر الأعمال الفضائحية، ولو كانت خالية من الإبداع والأمثلة كثيرة، ولحسن الحظ أن هذه الفئة بدأت في الانحسار، وآمل أن تختفي قريبا.

القسم الثاني، وهم من المبدعين أو الكتاب الذين أغراهم وهج الرواية، فغادروا مواقعهم في الشعر والنقد إلى عالم الرواية، بعضهم حقق حضورا جيدا، وقدموا أعمالا روائية معقولة، أما البقية فكانت تجاربهم أشبه بالنزوة التي ربما لن يكرروها.

القسم الثالث، وهم من متمرسي كتابة السرد، والذين لديهم الخبرات الأساسية الثلاث في كتابة الرواية وهي القرائية بمتابعتهم كل ما يصدر وينشر من أعمال روائية عالمية والخبرات الكتابية بممارسة الكتابة في مجال السرد، إضافة إلى التجربة الحياتية، بالطبع هذا القسم هو الباقي وهو الذي سيوصل الرواية في السعودية إلى الوطن العربية ومن ثم العالم.

وبمتابعة بسيطة نجد أن، هنالك العديد من كتاب وكاتبات القصة ممن نشروا قصصا في الثمانينات والتسعينات الميلادية اتجهوا إلى الرواية في السنوات الأخير، وكان حضورهم جيدا، وأعمالهم حققت صدى جيدا بعد نشرها، بالطبع الممارسة الكتابية الجيدة هي التي أعطت سمعة حسنة للرواية في السعودية، فكان الحضور الإبداعي خارج السعودية، وكانت الخطوة الأولى من خلال البوكر.

* في عام 1988 صدرت لك رواية «رائحة الفحم» ما العناصر التي استمدت منها هذه الرواية روحها، وإلى أي حد ساهمت الدراسات التي حفلت بها هذه الرواية في إيضاح مسارك الروائي؟

- من سوء حظ هذه الرواية أن تصدر في زمن ميت، فقد كان الشعر في ذلك الوقت سيد الساحة، وكانت بدايات الحرب على الحداثة وكل ما هو مختلف، على أوجها، وكان اتجاه قراء الرواية نحو الرواية اللاتينية، وصوت عبد الرحمن منيف قويا من خلال «مدن الملح»، لذا فبعض من قرأ الرواية في ذلك الوقت سألني عن سبب ابتعادي عن نسق الواقعية السحرية، وعدم كتابة رواية تكون صدى لتلك الروايات التي كتبها أولئك الكتاب العظام.

وحقيقة «رائحة الفحم» تمثل صدى لقراءات متعددة ربما أكثرها شعرية. كنت أهتم بالشكل كثيرا، وأحرص أن أكون مختلفا، لأننا كنا في ذلك الوقت مختلفين ومتجاوزين في القصة القصيرة، ويكفي أن تلك الرواية كانت بداية للرواية الحديثة في السعودية، التي خرجت عن تقليدية الفكرة والشكل وناقشت قضايا مهمة في المجتمع بشكل غير مباشر وتقريري، وقد فطن لذلك بعض النقاد والدارسين.

* صدرت لك ست مجموعات قصصية بدأتها بمجموعته «لا ليلك ليلي ولا أنت أنا».. هل كان هذا مسارا موازيا أم امتدادا لإنتاجك الأدبي؟

- الآن أصبحت سبع مجموعات قصصية بدأتها عام 1983 بمجموعة «لا ليلك ليلي ولا أنت أنا» ثم «الحكواتي يفقد صوته» و«فراغات»، وهي أول مجموعة قصص قصيرة جدا تصدر في السعودية، ثم «يوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب»، وهي مجموعة تحمل نسقا كتابيا خاصا. وبعد عودتي من أميركا عام 2000 عقب فراغي من الدراسات العليا، أصدرت مجموعة «أنت النار وأنا الفراشة» ثم «أحاديث مسائية»، وأخيرا ومنذ أشهر، صدرت لي مجموعة «البهو» عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي.

لقد بدأت بكتابة القصة القصيرة منذ الصغر، وفزت بالمركز الأول للقصة القصيرة عندما كنت طالبا بجامعة الملك سعود، وواصلت حتى الآن كتابة القصة القصيرة، بعد ذلك كتبت النص المسرحي ثم الرواية، والسيناريو، غير أنني لم أكتب الشعر قط. أنا أهتم بالسرد وأحرص على تطوير قدراتي الكتابية لأقدم للقراء نصا قصصيا جيدا.

* يعتقد البعض أن روايتك «حالة كذب» نسق روائي مختلف.. برأيك هل هذا بسبب أن أحداثها تدور بين فرانكفورت وكوبنهاغن والرياض وجدة أم لأنك طرحت فيها شخصيات مختلفة الشرائح؟

- تختلف رواية «حالة كذب»، عن جميع الأعمال الروائية التي نشرت متزامنة معها، بعدة أشياء منها، أن الرواية تدور أحداثها في زمن محدد وأماكن محددة قريبة جدا إلى الواقع، ووجود كم من المعلومات الموثقة عن العديد من الأماكن والشخصيات والأحداث، مثل موت - الأميرة - ديانا، و - الشاعر العراقي محمد مهدي - الجواهري، وعن الفايكنغ وظاهرة ختان النساء، وواقع التقنية المعلوماتية في الوطن العربي، دون الاتكاء على الجنس والنسق الفضائحي.

ومن حسن حظ هذه الرواية قدمت عنها بعض الدراسات من نقاد عرب ونشرت تلك الدراسات في صحف عربية، دون أن يكون لي يد بترويجها، لأنني أثق في أن هذه الرواية ووفق ما قيل عنها «نسق روائي مختلف» وأضيف: ومتجاوز.

* في «حالة كذب».. تتأرجح بين اليقين والشك وتتغير فيها ملامح الشخصية الواحدة.. هل هذا يعبر عنك أم ترى أنه حالة فقط تعتريك بين الفينة والأخرى وتشاهدها أحيانا في المجتمع الذي عشت فيه؟

- أحب كثيرا في كتاباتي القصصية الأخيرة الشخصيات المأزومة المعقدة، وقد كان النسق الحكائي في رواية «حالة كذب» يعتمد على الإحساس بالنقص، والبحث عن الآخر المثالي حتى يصل الإحساس بالشخص بأن هنالك من يشبهه، ولكن المشكلة هو إسقاط كل تأزمات البطل على ذلك القرين، هي لعبة جميلة، وأقصد بذلك لعبة الشبيه، لأن ذلك ساعدني على تقديم شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، شرائح واقعية، ومختلفة عن بعضها تماما ولكن يجمع بينها إحساس البطل بالشبه.

* ما جديدك؟ وماذا يحمل شيئا من ملامحك الخاصة؟

- سيصدر لي بإذن الله قريبا رواية بعنوان «طائف الأنس» تختلف تماما عن أعمالي الروائية السابقة. الجديد فيها أنها تتحدث عن شريحة من المجتمع كانت تقطن مدينة الطائف ويطلق عليها الشروق، بإطار حكائي خاص، أتمنى أن تكون جيدة وتصل إلى القارئ.

وأعتقد إن كل عمل لا بد أن يحمل ملامح الكاتب الخاصة، فالتميز هو أن يحقق الكاتب ذاته في كل نص يكتبه، وتكون له خصوصيته التي لا يمكن تقليدها، وهذا ما أسعى إليه.