10 كتاب يتحدثون عن كل شيء ليقولوا أي شيء

في واحد من أقوى وأطرف الكتب الصادرة بفرنسا هذا العام

TT

إنهم أشهر من لاعبي كرة القدم من أمثال رونالدو وزيدان ومارادونا، ومن مغنية البوب بريتني سبيرس، والممثل الأكثر وسامة جورج كلوني. يطلقون عليهم «الايديتوكراتيين» أو كتاب الافتتاحيات والرأي والمعلقين، ممن يمارسون مهنية لا تتطلب، بالضرورة، وجها جميلا، أو قواما رشيقا، أو حنجرة تذيب الجليد، كما يكتب بعض المتخصصين في النقد الفني بوجه عام.

الايديتوكراتيون، أو فئة كتاب الرأي، ضمها كتاب «الايديتوكراتيون» الصادر عن دار «لاديكوفرت» في 195 صفحة من القطع المتوسط، حيث اختار 10 كتاب وصحافيين يظهرون على شاشات التلفزيون، ويتحدثون للإذاعات، ويكتبون في الصحف يوميا أو مرات عدة في الأسبوع أو كل شهر. وتفرق بين هؤلاء ظاهريا، آيديولوجية لا تمنع من ظهورهم في صحف يمينية ويسارية، وفي إذاعات وتلفزيونات عمومية أو خاصة، ما دام الاختصاص المطلوب في كاتب الرأي أو المعلق أو المحلل، ليس شرطا ضروريا، وكل ما يهم هؤلاء الذين أصبحوا معروفين مثل طوابع البريد، هو تفسير وتحليل كل القضايا الوطنية الفرنسية والعالمية الخارجية، في وقت وجيز تفرضه الحاجة الصحافية السريعة، والخلفيات الفكرية المغرقة في الذاتية، والحسابات السياسية المسيطرة في الساحة الإعلامية.

الصحافيون اوليفييه سيران وسيبستيان فوتنال ومنى شوليه، والأستاذ الجامعي في العلوم السياسية ماتياس ريمون، تناولوا كتابات وآراء وتحاليل برنار هنري ليفي، وجاك عتالي، والان دوهاميل، والكسندر ادلير، ولوران جوفران، وكريستوف باربييه، وجاك مارساي، ونيكولا بافراز، وفيليب فال، وايفان ريوفول. وقد اقتسموا مهمة الكشف عن سيطرة هؤلاء التامة على المشهد الإعلامي، من خلال بورتريهات شائقة وطريفة، ممزوجة بروح البحث الجاد والمقارنات الهادفة والسخرية اللاذعة. وبذلك نجحوا في تمرير رسالة ليس من السهل إيصالها إلى الرأي العام الفرنسي في زمن سيطرة صناع الرأي العام الواحد.

الصحافيون اوليفييه شوليه وسيبستيان سيران ومنى شوليه والأستاذ المحاضر في العلوم السياسية ماتياس ريمون، اجتمعوا في كتاب مثير لم ينل حقه من الاهتمام والتقديم والتعريف في الصحافة الفرنسية، لأنه تضمن لأول مرة، بورتريهات لأشهر وأبرز الصحافيين والكتاب الذين يطلون على المستمعين والمشاهدين والقراء في كل الأوقات، للتحدث بصفة المحللين لكل الظواهر والأحداث المحلية والعالمية في مختلف المجالات، علما بأن ارتباطاتهم الشخصية بزعامات سياسية واقتصادية وثقافية مؤثرة في السلطة، لم تعد تحتاج إلى إثبات ما من عامة أو خاصة المتلقين لفقههم الآيديولوجي اليومي. الأسماء الإعلامية التي رتبت استنادا إلى معيار الأبجدية، من باب تسهيل القراءة، لم تقدم بهذا الشكل على غلاف الكتاب، ذلك أن ترتيب الصور من اليسار إلى اليمين، ومن الأعلى إلى الأسفل، نطق بحس سميولوجي لا يتحمل أدنى تشكيك. وجود برنار هنري ليفي وجاك عتالي، والان دوهاميل على رأس القائمة، زاد من نجومية الثلاثي الذي يقتحم التلفزيون أو الراديو أو الصحف يوميا، أو أسبوعيا، للدفاع عن إسرائيل أمام ما يسمى في تحليلهم بإرهاب حماس والمقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية، أو للحديث عن الضواحي الباريسية التي يتهددها شبح الحرب الأهلية، بسبب وجود أغلبية من المهاجرين العرب والمسلمين والأفارقة، الذين يرفضون الذوبان في العلمانية الفرنسية، وينهبون المارة، ويتاجرون في المخدرات، ويقودون سيارات فاخرة، وينشرون الإسلام السياسي، في إشارة إلى أقلية شبابية لا تمثل الأغلبية الساحقة من المهاجرين، الذين يكدحون ليل نهار خدمة للاقتصاد الفرنسي، في ظروف غير إنسانية، وفي مجالات يرفضها الفرنسيون، ويؤدون شعائر دينهم بعيدا عن كل تعصب، وفي ظل انفتاح وتسامح غير مرئيين بعيون معظم رموز «الشلة» العشرية الشهيرة.

برنار هنري ليفي، الفيلسوف الذي يريد خلافة سارتر، أو ريمون ارون، أو جيل دولوز، لكن من دون جدوى، ازداد خطابه ضراوة بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) باسم محاربة الإرهاب الإسلامي، دون سواه من أنواع الإرهاب الإسرائيلي والآيديولوجي المبطن، وقد تم فضحه في الكتاب من خلال كتاباته عن أدلة ممارسات إرهابية غير صحيحة تمت في البوسنة والجزائر. وليفي الذي يحاول اللعب على الحبلين حينما يتعلق الأمر بالصراع العربي - الإسرائيلي، يعد موضوعيا ومنصفا في بعض الحالات، أمام الكتاب الكسندر ادلر، وايفان ريوفول، وفيليب فال، الذين احتلوا المرتبة الوسطى والسفلى على غلاف الكتاب، الأمر الذي لا يعني أنهم يختلفون في الجوهر الآيديولوجي عن ليفي ودوهاميل وعتالي. وحدث أن رفض ادلر في برنامج تلفزيوني مباشر، التنديد بمحرقة إسرائيل في غزة، ردا على سؤال المفكر طارق رمضان، المتهم في دوائر «الشلة» العشرية، بلعب دور الإسلامي المؤجج لخطاب شبان الضواحي، رغم تحميله المسلمين مسؤولية عدم الارتفاع بخطابهم الديني إلى مستوى تحديات العصر ورهانات المرحلة في كل المجالات، وفي مجال تجديد الخطاب الديني. الأسماء المشكلة لـ«الشلة» العشرية فكريا وإعلاميا، لم تقدم على أساس تجانس آيديولوجي، على افتراض أن لوران جوفران الكاتب والصحافي- الذي يرأس تحرير صحيفة «ليبراسيون»، التي أنقذها الملياردير روتشيلد من انهيار مالي كاد يعصف بمستقبلها - يعتبر من أبرز المناهضين لسياسة ساركوزي على الصعيد الوطني وأكثرهم شهرة، لكنه لا يتجرأ على الانفراد بتحليل يختلف آيديولوجيا عن رفقاء دربه المذكورين حيال الصراع العربي - الإسرائيلي. ورغم اعترافه بالتجاوزات الإسرائيلية، فإنه لا يساوي، على الأقل، بين ما يسمونه بإرهاب حزب الله وكتائب عز الدين القسام، وبين إرهاب شارون وأولمرت ونتنياهو.