«سينيراما».. قصة حب سينمائية جزائرية عمرها 23 سنة

برنامج إذاعي معمر يتابع الأفلام رغم إغلاق الصالات

المستمع عبد الحميد بوحالة والناقد السينمائي نبيل حاجي وجمال الدين حازرلي.. مخرج وصاحب برنامج «سينيراما»
TT

على مر السنين، تحول برنامج «سينيراما» الإذاعي في الجزائر، إلى أحد أبرز وجوه الثقافة السينمائية. وهو الذي يحتفل مع صاحبه وجمهوره في يناير (كانون الثاني) 2011 بيوم ميلاده الثالث والعشرين، ولم يكن صاحب فكرته ومعده جمال الدين حازرلي عند بدايته يعتقد أنه سيكمل السنة الواحدة.

نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1988، كان هناك شاب جزائري يحتفل بيوم ميلاده الحادي والعشرين، وصادف أن كان ذلك وهو يؤدي الخدمة العسكرية. وفي ليلة شتوية باردة لم يجد الشاب إلا الإذاعة الجزائرية يحيي من خلالها أهله، فاتصل ببرنامج كان عمره ساعتها عشرة أشهر اسمه «سينيراما». ذلك الشاب اسمه عبد الحميد بوحالة، عمره الآن 43 سنة. وتحول على مدى السنين الطويلة الماضية إلى واحد من أشهر المستمعين إلى الإذاعة وما زال وفيا للبرنامج نفسه، يجيب عن السؤال المتعلق بالسينما العربية ويفوز بجائزتها البسيطة، في أشهر برنامج إذاعي في الجزائر على الإطلاق الذي يهتم بعالم السينما ويبث أسبوعيا انطلاقا من مدينة قسنطينة بالشرق الجزائري. وهو بالمناسبة البرنامج المباشر الوحيد الذي يبث من محطة جهوية خارج الجزائر العاصمة، ضمن الشبكة الوطنية للإذاعة الجزائرية.

كانت البداية من مدينة قسنطينة، زمن النظام الاشتراكي الذي انهار بعد ذلك، وقبل أحداث أكتوبر (تشرين الأول) التي غيرت وجه البلد، عندما اقترح المخرج الإذاعي الشاب حينها جمال الدين حازرلي، المهووس بالسينما، برنامجا ثقافيا ترفيهيا ضمن الحيز الأسبوعي المخصص لمحطة قسنطينة الجهوية، ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء من كل أسبوع. ولم يخطر على بال معد ومخرج البرنامج أن ينجح بهذا الشكل ويستمر كل هذه المدة. يقول جمال الدين حازرلي: «كنت أتوقع أن يعمر البرنامج سنة، أو سنتين إذا سارت الأمور على ما يرام. فبعد مرور 22 سنة أشعر أن البرنامج جديد وكأني بدأت البارحة». ويؤكد أن البرنامج «خلق ردود فعل طيبة جدا، وأن هذه المدة فعلا كرست البرنامج في وجدان الجمهور».

لقد خرج البرنامج من الدائرة الضيقة لمحطة إذاعية جهوية، إلى الدائرة الأوسع حسبما يؤكد مخرجه، بفضل الروائي الراحل الطاهر وطار الذي قرر عندما كان مديرا عاما للإذاعة في بداية تسعينات القرن الماضي، أن يبث مباشرة على الشبكة الإذاعية كبرنامج مستقل. وكان للبرنامج قدر آخر مع أديب آخر وهو عز الدين ميهوبي عندما تم تعيينه مديرا عاما للإذاعة، كان من أولى قراراته في شهر أكتوبر 2006 أن أعاد بث البرنامج بعد صدور قرار بمنعه من البث في شهر مارس (آذار) 2004، من قبل أحد المسؤولين السابقين في الإذاعة الجزائرية. وكانت الفترة الممتدة بين شهر مارس 2004 وأكتوبر 2006 الوحيدة التي توقف فيها البرنامج اضطرارا. ويتذكر المستمع عبد الحميد بوحالة تلك المرحلة بكثير من الأسى ويؤكد أنه قاد حملة إعلامية كبيرة واشتكى للوزير الأسبق والشاعر عز الدين ميهوبي عندما كان نائبا في البرلمان، وكان ميهوبي عند وعده عندما تسلم إدارة الإذاعة الجزائرية، حيث أعاد البرنامج إلى مستمعيه.

يتذكر عبد الحميد بوحالة كل ذلك، ويقول إنه كان يدخل صالات السينما باسم برنامج «سينيراما» عندما كان يفوز بجوائز تتمثل في تذاكر دخول مجانية من أجل متابعة الأفلام التي يحبها، ويتذكر زملاءه من المستمعين الدائمين الذين داوموا على المشاركة بالتليفون. وفي السياق نفسه يقول جمال الدين حازرلي، معد ومخرج البرنامج: «هناك مثلا مستمعة إلى البرنامج بدأت معه عندما كان عمرها 5 سنوات، والآن أصبحت أما وتعلم أولادها الاستماع عوضا عن المشاهدة، والبرنامج في كل مرة يكتسب جمهورا جديدا من مختلف الأجيال المتعاقبة».

لكن ذكريات البرنامج ليست كلها سعيدة، فقد تخللتها فاجعة كبرى سنة 1995، عندما اغتيل مذيعه البارز عبد الحكيم تعكوشت بطريقة وحشية، والجزائر تمر ساعتها بأزمتها الدموية الصعبة، لقد كانت صدمة عنيفة لمعد ومخرج البرنامج وصاحب المذيع المغتال، حيث أكد أنه فكر جديا في توقيفه، لكنه استمر بفضل جهود مستمعيه الذين تحدوا آلة الموت العمياء.

وعن سر هذا الاستمرار، يقول جمال الدين حازرلي: «لو كان برنامجا أدبيا، لكنت قد توقفت في عامي الأول. فالسينما حركة، وهذا ما يدفع القائم عليه أن يواصل فيه، ثم إنني لم أفرض نفسي على أحد». ويؤكد أن الجمهور هو الذي صنع هذا الاستمرار. ثم إن البرنامج مباشر، ومعنى هذا أنه يفرض على المستمع أن يتفاعل معك في اللحظة نفسها. لكن الناقد السينمائي نبيل حاجي له رأي آخر، فهو يقول إن «سر استمرارية برنامج (سينيراما) يرجع إلى أمرين، الأول متعلق بشخصية معد ومقدم ومخرج البرنامج جمال الدين حازرلي لما تحمله هذه الشخصية من حس سينمائي ومرجعية ثقافية متعلقة بهوية السينما وعلاقتها بالعمل الإذاعي من جهة، وما يقترحه في كل عدد من البرنامج من مادة ثقافية من جهة أخرى، وثانيا أن جمهور (سينيراما) المترامي في مختلف المدن والقرى الجزائرية وحتى متتبعيه من مستمعين بالخارج، هو من جعل البرنامج بهذا التواصل التفاعلي». ويضيف حاجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يستمد برنامج (سينيراما) روحه من هذا التجاوب مع ما يقدمه صاحبه من مادة (أسئلة، وحوارات، وتغطيات لأحداث سينمائية محلية ودولية)، وعلاقة كل هذا بالمتلقي الذي يجد في هذا البرنامج فسحة سينمائية تطل على عوالم السينما في مختلف مناحيها، وهذا المتلقي الذي أقبل على البرنامج منذ أعداده الأولى شكل ويشكل حالة استثنائية في علاقة الجمهور - المستمع - بالإذاعة كوسيط إعلامي، والسينما في عالمها السحري».

لقد جاء البرنامج في شكل فكرة عفوية، وفاجأ نجاحه حتى صاحب فكرته، وهو يستمر رغم التحولات، ورغم أن الكثير من الصالات السينمائية أغلقت أبوابها بعد بدايته، ولكنه استمر وما زال وفيا لمستمعيه، وهو يبث كل يوم جمعة بداية من الساعة التاسعة مساء بالتوقيت المحلي، على أنغام موسيقى «جبل طارق» للفنان الجزائري جمال علام، تلك المقطوعة التي تحولت إلى أيقونة لهذا البرنامج.