«محظورات الكتابة الروائية» شغلت الباحثين ثلاثة أيام

«مهرجان عبد السلام العجيلي» لا يزال مخلصا لأديبه الراحل

عبد السلام العجيلي
TT

أتت الدورة السادسة من «مهرجان عبد السلام العجيلي للرواية العربية» في سورية، وتحديدا في مدينته الرقة، التي انطلقت يوم الأربعاء الماضي واستمرت لمدة ثلاثة أيام، لتطرح أسئلة مغايرة للسائد، حول محظورات الكتابة الروائية العربية. وتتمحور هذه الأسئلة حول عمومية المحظورات الثلاثية المتعلقة بالديني، والاجتماعي، والسياسي، ونسبيتها. إذ تفترض الحركة التطورية لمسيرة البشرية التقدم نحو آفاق الحرية، لكن الملاحظ أن الكتابة الإبداعية في الوطن العربي، والروائية بخاصة، تعاني من تضييق آفاق الحريات، ولعل الأمر رهن بإرادات خارجة عن الحقل الأدبي، مثلما هو رهن برؤية كل من المبدع، والنص، والناقد، للعلاقة بين الحرية والإبداع. ففي حين يرى البعض أن الحرية لا سقف لها، يرى آخرون أنها تتوقف عند حد احترام معتقدات الآخر، وتاريخه، وممارساته الخاصة.

لا شك في أن سطوة المحظورات ليست واحدة في المجتمعات العربية، وذلك وفاقا للتكوين الثقافي التاريخي لتلك المجتمعات، ولما أضيف إليها من مفاهيم وممارسات أملتها القوى الاستعمارية، وما تبعها من مسارات مختلفة لحركات التحرر الوطنية، لذا تضيق دائرة المحظور في بعض المجتمعات العربية، وتتسع في مجتمعات أخرى لتشمل كل ما يتعلق بالأعراف شديدة الخصوصية للملل والنحل التي تتكون منها هذه المجتمعات، كما أن المحظورات المحيطة بكتابة المرأة تختلف في درجتها وتصنيف أولوياتها عن مثيلاتها في كتابة الرجل. ولعل أحد الأسئلة المركزية الأخرى لهذا المهرجان يركز حول مدى الفنية التي تحققها النصوص التي قاربت «التابو» أو اخترقته، وإذا ما كان هذا الاختراق يشكل كيفية القول الفضلى، أو أنه الطريق الأسهل لإثارة دهشة المتلقي العربي الذي يقدم على أنه سليل لثقافة القمع والكبت والإرهاب.

هذا المهرجان الذي يحمل اسم الأديب الكبير وابن الرقة البار، الذي ما كان يجد سكينته إلا بين جنباتها، ينعقد كل سنة حول موضوع روائي أو نقدي. وقد انطلقت أولى دوراته عام 2005، أي قبل شهور من وفاة الأديب، وكان بمثابة تكريم له. وكتب العجيلي في كتيب المهرجان يومها: «يقول لي بعض الأحبة: أليس إقامتك في الرقة حالة غريبة؟! ألم يكن المقام أطيب في كثير من الأماكن والمدن؟ والحق أقول: لقد اخترت هذا المقام عن سبق الإصرار والترصد، فأعطتني مدينتي مثلما أعطيتها، وصدق الشاعر حين قال: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها، ولكن أخلاق الرجال تضيق». وأضاف العجيلي في كلمته المؤثرة: «أعتز بهذه المناسبة، ولكن جميل أن أكون مثالا للإنجاز والمنجز الفكري والأدبي بين أهلي، وأن يتنادى المحبون من كل حدب وصوب، وكأنني بالرقة تزحف إلى كل مدينة جاءوا منها، وكأنني بنفسي أركب سيارتي وأزور مدائنكم التي أحبها كما أحبكم...».

وبقيت الرقة على عهدها لأديبها، تحتفي بمهرجانه كل سنة. وهذا العام اجتمع نحو 37 أديبا وكاتبا وناقدا، بينهم إضافة إلى العرب إيرانيون، حول اسم العجيلي ليناقشوا المحظورات في الرواية من خلال عدة محاور. هناك محور المحظور اللغوي، حيث جرت العادة على أن تقوم اللغة بتقديم المحظور الاجتماعي، أو الديني، أو السياسي، في حين ناقش هذا المحور قدرة اللغة الروائية على منح العلاقات اليومية والأفكار العادية الهالة التي تدخلها في نطاق المحظور. وفي محور آخر تمت مناقشة المحظورات المتغيرة، والتقنيات الروائية التي استخدمها الكتاب، إذ تختلف معايير مصادرة بعض الأعمال الروائية ومنعها في بلد عربي ما، عما هي عليه في بلد عربي آخر، كما يمنع العمل في البلد ذاته في مرحلة، ويفرج عنه ويروج له في مرحلة أخرى، ويتحكم في ذلك جنس المبدع إذا ما كان رجلا أو امرأة، مما يدل على أن المحظورات غير الثوابت. وهذا ما يدعونا إلى التساؤل عن ماهية الثابت والمحظور في الكتابة الروائية، وفي البنية التي أنتجتها على حد سواء. المحور الثالث ناقش التقنيات الروائية في مقاربة المحظورات، أي الأدوات الفنية التي يتم بها تناول المحظورات، والتي تتدرج من المقاربة، إلى المواجهة السافرة، إذ طرح المبدعون علاقتهم بكل من الجسد والدين والسياسة، عبر بنى فنية موازية من مثل التراث، أو عالم الحيوان، أو البنى العجائبية. أما المحور الرابع فكان موضوعه اختراق المحظورات وسياقات النزوع إلى العالمية. وناقش الحاضرون بعض التجارب الروائية التي كشف من خلالها الكتاب عن معايب اجتماعية وثقافية عربية أو حتى سياسية مع تضخيم ومبالغات في بعض الأحيان بهدف الوصول إلى العالمية. إذ اعترت أميركا وأوروبا رغبة عارمة في كشف سر ذلك العالم الغامض الذي يصدر الإرهاب من وجهة نظرهم، وبناء على ذلك انطلقت موجة في الكتابة الروائية استعارت أصابع الآخرين لتكتب عما هو محظور في أعرافهم، وأنتجت نصوصا منها المتكلف ومنها المتفوق في فنيته، لكنها عموما بقيت إشكالية تستحق المناقشة.