تكنولوجيا القرن الحالي

تقنية النانو.. بحر علميّ مترامي الأطراف

غلاف الكتاب
TT

في كتابه الصادر بعنوان «تكنولوجيا النانو.. من أجل غد أفضل»، الصادر ضمن سلسلة «عالم المعرفة» عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، يؤكد الدكتور محمد شريف الإسكندراني أن «تكنولوجيا النانو» يتوقع لها أن تقوم بدور رائد في تطوير الصناعات الرئيسية ومنتجاتها المختلفة، إذ لقبت باسم «تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين» الذي نقترب من توديع العقد الأول منه.

وإذا كانت تتردد على مسامعنا منذ فترة وجيزة كلمات عن مصطلح «تكنولوجيا النانو» وتطبيقاتها الفريدة في جميع المجالات بلا استثناء، فإن هذا الكتاب، الذي يعتمد على عشرات المراجع العلمية لنخبة وافرة من العلماء المتميزين، يعد مدخلا ميسرا لعلم وتكنولوجيا النانو، حيث يعكس فكرة عامة وشاملة عن ماهية تلك التكنولوجيا وكيفية إنتاجها، كما يعرض بصورة موجزة التطبيقات الحالية والمستقبلية لها في المجالات الصناعية والحياتية المختلفة، وكذلك دورها الرائد في تعزيز الاقتصاد المبني على المعرفة، ويناقش المردود الاقتصادي والاجتماعي لها، وكيفية الاستفادة من مخرجاتها المبتكرة في البلدان العربية.

يضم هذا الكتاب الذي يقع بـ320 صفحة من القطع المتوسط ثلاثة أبواب بأربعة عشر فصلا، ويوضح المؤلف في الفصل الأول من الباب الأول أن كلمة «النانو» هي بادئة منحوتة من اللغة اليونانية القديمة وتعني «قزم» (Nanos)، وأن النانو يعني في مجال العلوم جزءا من مليار، فمثلا إن نانو ثانية، وهي وحدة لقياس الزمن، تعني «واحدا على مليار من الثانية الواحدة»، وبالمثل يستخدم النانو متر كوحدة لقياس أطوال الأشياء الصغيرة جدا التي لا تُرى إلا تحت المجهر. وتستخدم هذه الوحدة للتعبير عن أبعاد أقطار ومقاييس ذرات وجزيئات المواد والمركبات والخلايا والجسيمات المجهرية مثل البكتيريا والفيروسات، والنانو الواحد يساوي جزءا من ألف مليون جزء من المتر، أو بتعبير آخر، فإن المتر الواحد يحتوي على مليار جزء من النانو متر. وللمقارنة فإن النانو متر الواحد يعادل قياس طول صف مكون من 13 ذرة من ذرات الهيدروجين، وإذا وضعنا هذه الذرات متراصة بعضها مع بعض، يمكن أن نتخيل طبيعة بيان وحدة النانو متر المستخدمة في قياس أبعاد الأشياء الصغيرة جدا، وإدراك متى تناهي صغر أحجام ومقاييس الأشياء التي يمكن التعبير عنها باستخدام هذه الوحدة.

وعلى صعيد آخر يؤكد المؤلف أن تعريف علم النانو يبدو أمرا سهلا، ولكن وضع تعريف محدد لتكنولوجيا النانو يعد أمرا أكثر صعوبة، وذلك نظرا لتشعبها ودخولها في المجالات التطبيقية المختلفة، حيث إن كلا من هذه المجالات ينظر إلى هذه التكنولوجيا من وجهة النظر الخاصة به. ويخلص من هنا إلى أن تكنولوجيا النانو يمكن تعريفها بأنها تلك التكنولوجيا المتقدمة القائمة على تفهم ودراسة علم النانو والعلوم الأساسية الأخرى تفهما عقلانيا وإبداعيا مع توافر المقدرة التكنولوجية على تخليق المواد الثانوية والتحكم في بنيتها الداخلية عن طريق إعادة هيكلة وترتيب الذرات والجزيئات المكونة لها، مما يضمن الحصول على منتجات متميزة وفريدة توظَّف في التطبيقات المختلفة.

وانطلاقا من ذلك يقول المؤلف: «لقد أضحت تكنولوجيا النانو بمنزلة بحر علميّ مترامي الأطراف تمتزج مياهه الساخنة بالإنجازات العلمية المثيرة، وبالمياه العذبة لينابيع العلوم الأساسية والهندسية والطبية وغيرها من فروع العلم والمعرفة. ولم تكن لتكنولوجيا النانو أن تبلغ ما وصلت إليه اليوم لولا اختراعها وابتكارها لعدة تقنيات فريدة كان من شأنها أن تمكّنها من التحكم في البنية الجزئية والتلاعب بذرات المادة وتصميمها وفقا للغرض التطبيقي المراد».

ويقدم لنا الفصل الثاني خلفية ميسرة عن أهمية المواد بالنسبة إلينا، وعن تطور العلوم الطبيعية الذي أدى إلى تغيير مفهومنا عن المادة وخواصها. ويتحدث الفصل الثالث عما تمثله الذرة والجزيئات من أهمية كبيرة في تحديد صفات العناصر والمركبات، وكيف أن التلاعب بها يؤدي إلى تغيير في تلك الصفات، أما الفصل الرابع فهو ينطوي على استعراض شامل للمواد التي نستخدمها في حياتنا اليومية وكيف تطورت.

وبالانتقال إلى الباب الثاني من الكتاب نجد أنه يتمحور حول كيفية الربط بين علم النانو وتكنولوجيته، وهكذا يركز فصله الأول على المواد الثانوية، وتصنيفاتها، والخواص الفريدة التي تتمتع بها. ويعرض فصله الثاني بكثير من التفصيل والإيضاح، التقنيات الكثيرة المتبعة في إنتاج المواد الثانوية، كما يعرض التقنيات الخاصة باختبارات تلك المواد. ونظرا لأهمية الكربون ومواده النانوية، في التطبيقات النانوتكنولوجية، فقد خصصت له مساحة الفصل الثالث بأكمله. ويعرض الفصل الأخير من هذا الباب نماذج وأمثلة لمواد نانوية متنوعة، موضحا طرق إنتاجها وأهميتها التكنولوجية.

وقد خصص الباب الثالث والأخير من الكتاب لعرض ومناقشة بعض التطبيقات المبنية على تكنولوجيا النانو، وذلك في مجالات مختارة، كالطب والرعاية الصحية والزراعة والغذاء وحماية البيئة والتصدي لملوثاتها، ومجال صناعة الإلكترونيات، وصناعة الحساسات وأجهزة الاستشعار.

ويختتم الكتاب أبوابه وفصوله بالفصل الرابع عشر، الذي يقدم البعد الاجتماعي والاقتصادي لتكنولوجيا النانو، وآثارها الاجتماعية على العالم، مستعرضا المنافسة الشرسة القائمة بين الدول المنتجة لهذه التكنولوجيا، والأنشطة العلمية والبحثية لها. كما يناقش هذا الفصل، المردود الاقتصادي والاجتماعي لهذه التكنولوجيا المتقدمة وكيفية الاستفادة من مخرجاتها المبتكرة في البلدان العربية والدول النامية الأخرى، من أجل النهوض باقتصادها وتضييق الفجوة التكنولوجية القائمة بين معسكري دول الشمال المتقدم والجنوب النامي.