«سيد الخراب».. الرواية التي كان سيكتبها ابن خلدون

الكاتب الجزائري كمال قرور يواصل «واقعيته السحرية» الخاصة

TT

عن دار «فيسيرا»، صدرت للروائي الجزائري كمال قرور رواية جديدة تحت عنوان ملفت «سيد الخراب»، هي الثانية له بعد رواية «الترّاس.. ملحمة الفارس» التي نال بها بها جائزة مالك حداد في الجزائر.

الرواية الجديدة لقرور، قد تكون ربما هي الرواية التي كان سيكتبها ابن خلدون لو كتب رواية!، فـ«سيد الخراب» مبنية على مقولة لابن خلدون من أن الظلم مؤذن بخراب العمران وهي مقولة تكاد تنطبق على أوضاع تاريخية مماثلة لفترة كتب عنها فيلسوف يدعى ابن خشد قبل أن يختفي ويلقي بنص كتابه في «الأثير»، فيتلقاه كتاب وصحافيون معاصرون يعملون على صونه وتبليغه في ظروف متقلبة أتقن المؤلف صياغتها لقيادة القارئ عبر مسارات فردية وجماعية مثيرة، انطلاقا من صاحب الكتاب نفسه الذي يتعرض للاستنطاق ويوضع تحت الإقامة الجبرية في بعض مراحل المخطوط إلى صديقه الخير الذي يختفي ثم يرسل له نسخة من المخطوط بعد تدمير الحاسوب من قبل المباحث، وانتهاء بالسلطان نفسه الذي يخرج عن إرادة السلالة الحاكمة ويتنازل في الأخير عن السلطة ليظفر بحياة بسيطة في حضن عروسه «نطفة» ابنة المفتي، مرورا بمصائر شخصيات كثيرة تلعب أدوارا متعددة في الرواية، منهم أشخاص حقيقيون معروفون في الساحة الإعلامية والثقافية، ومنهم شخصيات تاريخية ظهرت بأسماء كثيرة.

اعتمد الروائي تقنية كتابية متعددة المستويات تعكس مهارة في السرد وحنكة في الكتابة، فقد سبق للروائي أن اشتغل في الصحافة ومارس التحقيق والاستطلاع ومتابعة الأحداث المتلاحقة.

نجد في الرواية مزجا عجيبا بين الواقع والخيال والوعي الحلم، وقد عمد المؤلف إلى تقنية تحطيم الأزمنة. فانطلق من الراهن ليتحدث عن نص ابن خلدون متحدثا عن بذرة الحكاية التي كانت عبارة عن قصة عنوانها «المسغبة»، ثم يورد حكاية البوم التي أدرجها ابن خلدون في الفصل الخاص بأن الظلم مؤذن بخراب العمران.

وينتقل إلى الفيلسوف بن خشد الذي تنبأ بخراب السلطنة وزوال ملك سلالة بني الأغلب لكن السلطان يأمر بالقبض على الفيلسوف فيختفي ويصل نصه إلى الوقت الحاضر عبر مجموعة من الأدوات منها، الـ«تلي باثي» أي التراسل عن بعد، فضلا عن حضور الجاسوس الصيني نيهاو الذي يعتقد أن له ضلعا في تهريب النص، بالإضافة إلى الصحافي الجزائري، وهكذا يتم الانتقال بسهولة ويسر بين الماضي والحاضر، كما يجري تسبيق الأحداث وكسر وتيرتها حسب مقتضيات السرد.

أما عن اللغة المعتمدة في الرواية فقد خرج كمال قرور عن تقليد الشعرية المفرطة الشائعة هذه الأيام مفضلا عنها شعرية الأحداث وغرابتها؛ فقد نجح إلى حد بعيد في كشف الجانب الخرافي في الواقع المعاش، كما نجح في تحويل الوقائع السردية إلى ما يقترب كثيرا من هذا الواقع اليومي.

رواية ممتعة، ولكنها متعة الوعي الحاد بالمصير الذي يتهدد الجماعة التي تمارس الظلم وتلك التي تقبل به: الخراب.