عام السينما اللبنانية والتشبيك الذكي مع العرب

لبنان: تعاون بين بيروت والعواصم الخليجية يفتح آفاقا جديدة للإبداع

فيروز في حفلتها الأخيرة
TT

الأحداث الثقافية لم تكن بالقليلة هذا العام، ومسارح بيروت كما أنوار مهرجاناتها لم تنطفئ، إلا أن العام المنصرم قد يكون عام السينما اللبنانية بامتياز، وهو ما قد يفاجئ البعض حد تعبيرهم عن الاستنكار والاستهجان، خاصة أن الأفلام اللبنانية ليس لها من سوق محلية للأسف، تدعمها أو تحتفي بها، فتبقى نجاحاتها بعيدة عن مرمى البصر، كما أن الصالات لا تجد في عرض الأفلام المحلية المردود المادي الذي يحققه فيلم أميركي يصل بعد أن تسبقه شهرته. ومع ذلك حصدت الأفلام اللبنانية «المجاهدة» التي ناضلت بقوة كي تصل إلى ما بلغته، الجوائز تلو الأخرى في مهرجانات السينما العربية. ففي «مهرجان دبي» فاز فيلم «رصاصة طايشة» لجورج هاشم بجائزة أفضل فيلم روائي عربي بعد أيام من فوزه بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة. وفاز في دبي أيضا فيلما «اثنان ونصف» لإيلي كمال بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما، و«تليتا» لسابين الشمعة بالجائزة الأولى عن فئة الأفلام القصيرة. أما في «مهرجان الدوحة»، فقد نال فيلم «تيتا ألف مرة» لمحمود قعبور إشادة لجنة التحكيم وجائزة أفضل فيلم وثائقي عربي، كما استطاع اللبناني جوزيف فارس بفيلم سويدي بعنوان «مرجلة» أن ينتزع جائزة أفضل مخرج عربي. حصد جائزتين أو ثلاث في كل مهرجان ليس بالأمر العابر للسينما اللبنانية اليتيمة، المتروكة لقدرها وشطارة صناعها، من دون أي دعم من الدولة. ويمكن فهم الجهد الذي يبذله السينمائيون اللبنانيون حين نعلم أن المخرج فيليب عرقتنجي كتب فيلمه الشهير «بوسطة» حين كان في العشرين، ولم ينجزه إلا وهو في الأربعين، لضيق ذات اليد.

التمويلات الخليجية بعد أن شحت الأوروبية باتت شريان الحياة للكثير من السينمائيين اللبنانيين. ولم يخف المخرج بهيج حجيج أثناء «مهرجان أبوظبي» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن فيلمه «شتي يا دني» لم يكن ليبصر النور لولا صندوق «سند» الذي استحدثه مهرجان أبو ظبي. وقد فاز لبنان في هذا المهرجان بثلاث جوائز وتوج فيلم حجيج كأفضل فيلم روائي عربي (بعد أن لفت إليه الجمهور والنقاد في مهرجان الدوحة)، وذهبت جائزة أفضل فيلم وثائقي عربي لماهر أبي سمرا عن فيلمه «شيوعيين كنا»، كما نال جائزة أفضل فيلم روائي لمخرج جديد عربي فيلم «طيب، خلص، ياللا» للمخرجين اللبنانيين رانيا عطية ودانييل غارسيا.

وربما كان لبنان الثقافي خارج الوطن أكثر بريقا منه في الداخل. فبينما كان السينمائيون يحتفون بنصرهم في أبوظبي، كان الأديب اللبناني الفرنكفوني أمين معلوف يتسلم «جائزة الأمير أستورياس للآداب»، من الأمير فيليب ولي العهد الإسباني، في احتفال أقيم في مدينة «أوفيدو»، وهي واحدة من كبرى جوائز الآداب في العالم.

افتتح لبنان عامه المنصرم بوداع احتفالية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، التي تكلفت ما يناهز 10 ملايين دولار، واقترنت بفضيحة مالية فجرتها منسقة الفعاليات ليلى بركات التي تحدثت في عدة مناسبات عن محاولات اختلاس وتزوير من قبل مسؤولين بالوزارة، منبهة من خطورة وضع ميزانية جديدة سترصد للمكتبة الوطنية في أيد غير أمينة. ومع نهاية السنة ها هو وزير الثقافة يعلن عن بدء أعمال تأهيل المكتبة الوطنية التي ستتكلف هي الأخرى مبلغا مرقوما، من دون أن تطمئن القلوب إلى أن أي خطأ قد تمت تسويته، أو أن مذنبا قد عوقب بسبب فعلته. لكن رغم ما يشوب العمل الرسمي من شكوك ومقولات تدمي القلب فإن المبادرات الخاصة لا تهدأ، وكأنما لا أحد ينتظر من الدولة شيئا. فثمة مواعيد باتت ثابتة ومنتظرة من الناس. وربما أن من أجمل ما تكرس هذا العام هو التعاون المطرد بين الهيئات الثقافية الخاصة في لبنان ومثيلتها في العالم العربي. فقد أعلن عن بدء التعاون بين «مهرجانات بيت الدين» و«مهرجان عمان»، كما تواصل التنسيق الوثيق بين «مهرجان الربيع» المسرحي الثقافي الذي تقيمه «جمعية شمس» سنويا في بيروت مع «مؤسسة المورد» في مصر، مما أعطى دفعا أقوى لمهرجان الربيع الذي احتفي به في بيروت والقاهرة والإسكندرية، كما استمر التعاون الممتاز بين «مهرجان الرقص المعاصر» وعواصم عربية مثل عمان ودمشق ورام الله، وجابت حفلاته هذه المدن.

هذا غيض من فيض التنسيق اللبناني - العربي، الذي بات أساسيا لتخفيض تكاليف الفرق الفنية التي تتم استضافتها، حين تتقاسمها أكثر من جهة. ولا يخفى على أحد أن المشاريع الخليجية في الترجمة والنشر، التي تعاقدت منذ البداية مع دور نشر لبنانية لا تزال تؤتي أكلها، بحيث باتت بعض الدور تصدر في كل يوم كتابا، فيما تعاني الدور التي لم تنل مثل هذه الحظوة من شح ليس بالقليل.

ورغم أن صالات العروض التشكيلية تتنامى، والإصدارات لا تتوقف، والمسارح مواعيدها مزدحمة، فإن الفنون كما الكتب لا يبدو أنها اكتسبت المزيد من المؤيدين والمقبلين عليها.

أما الحدث الأبرز والأكثر صخبا في عام 2009 فقد كان النزاع الأليم بين فيروز وورثة منصور الرحباني. ورغم أن فيروز أقامت حفلها في بيروت بعد ذلك، معتمدة بشكل أساسي على أغان جديدة لابنها زياد صدرت في أسطوانة مدمجة لقيت استحسان البعض والنقد القاسي من البعض الآخر، فإن قضية فيروز شغلت العالم العربي أكثر مما شغلت اللبنانيين أنفسهم، الذين رأوا في الأمر نزاعا عائليا يجدر حله في الغرف المغلقة. وما بين صورة لبنان في الخارج ومعاناة الثقافة في الداخل بسبب شح التمويل والإهمال الرسمي، ثمة مسافة يحاول العاملون في هذا المجال ردمها بالتشبيك. وإذا كان من سمة لهذه السنة فهي أن العاملين في المجال الثقافي باتوا يدركون أكثر فأكثر أن التشبيك خلاصهم، فمهرجانات السينما في لبنان رغم أن إمكانياتها صغيرة ومتواضعة فإنها وجدت ضالتها بالتعاون مع المهرجانات الخليجية، بإشراك أفلام تلك الدول أو مساعدتها في البرمجة. مهرجان بيروت الدولي للسينما له تعاون وثيق مع مهرجان دبي، فيما تواجد فريق العاملين في «أيام بيروت السينمائية» في الدوحة هذه السنة للمعاونة في برمجة الأفلام العربية. وبكلام آخر فإن الطاقات والمواهب الفنية الموجود في لبنان بوفرة باتت ماهرة في المقايضة والمبادلة، مما فتح آفاقا للمثقفين والفنانين اللبنانيين، يجب الاعتراف بأن للتمويلات الخليجية والوعي العربي في الدول المجاورة الدور الأساسي في جعلها رحبة ومثمرة.