عام 2010: فوز عبده خال بـ«البوكر» ومعرض الرياض الدولي للكتاب وافتتاح القناة الثقافية

من أحداثه المؤلمة سعوديا رحيل القصيبي ويماني

د. عبد الرحمن القصيبي
TT

على الرغم من الحراك الثقافي الذي تشهده السعودية على مدى الخمسة أعوام الماضية، فإن عام 2010 حفل بالكثير من الأحداث التي يتوقف عندها البعض، سواء بالتفاؤل بالمستقبل الثقافي وبالدور الذي سيلعبه المثقف على المدى المنظور، أو حتى بالتأمل لما يحمله العام المقبل أو الذي يليه من أحداث متنوعة.

وبنظرة عامة على واقع الشأن الثقافي السعودي خلال عام مضى، فإن الغالبية تتفق على أنه عام متميز عن غيره، سواء بكثرة فعالياته ومناشطه أو بحجزه مساحة جيدة في وسائل الإعلام.

ويعد معرض الرياض الدولي للكتاب القاسم المشترك بين الأحداث الثقافية البارزة التي يلحظها عدد من المثقفين السعوديين، حيث يعول كثيرا من المثقفون السعوديون على هذه المظاهرة السنوية في تحريك الراكد الثقافي عبر ما يشهده المعرض في العادة من السجالات الفكرية والدينية المصاحبة له، ويأتي فوز رواية سعودية بجائزة «البوكر» أحد الأحداث المميزة للعام الثقافي في السعودية، فيعتبر كثير من المثقفين أن فوز عبده خال بهذه الجائزة هو اعتراف للروائي السعودي بالريادة، وكذلك غياب قامات فكرية وثقافية بارزة في العالم العربي، من بينها الوزير والشاعر والروائي غازي القصيبي، والمفكر محمد عبده يماني.

* معرض الرياض الدولي للكتاب

* يقول الروائي والناشر عادل الحوشان عن أهم أحداث العام في السعودية: «أعتقد من وجهة نظر شخصية أن معرض الرياض الدولي للكتاب ومساحة الحرية المتاحة والقرارات التي صدرت أثناء المعرض، والتي تخص منع التدخلات من جهات ليست تنظيمية ولا علاقة لها بالقرارات الثقافية أو التنظيمية، كان حدثا مهما، يحفظ لمستوى معرض الرياض الدولي موقعه كواحد من أهم التظاهرات الثقافية المحلية والعربية».

وفي ذات الوقت تعتبر الناقد ميساء الخواجا أن أبرز أحداث العام تحقق بعض الطموحات في أن تعزز المرأة السعودية المكانة التي تسعى إليها، والتي تستحقها، وبانتظار أن تحقق المرأة المزيد وأن تصبح عضوا فاعلا في اتخاذ القرار وصنعه، وتضيف: «ما زال هناك الأمل في أن تستطيع الثقافة العربية أن تحقق مزيدا من التفاعل والتوحد، ومن ثم أن تجد لنفسها مكانة حقيقية وفاعلة في الثقافة العالمية».

وهي ترى أيضا أن «التطور المستمر في معرض الكتاب وضم نساء إلى اللجنة الثقافية فيه، يشي بالخطوات الواثقة والمهمة التي تأخذها المثقفة السعودية».

في مقابل ذلك يعتقد الكاتب هاشم الجحدلي أن المشهد الثقافي عموما لم يعد مؤثرا في الواقع العربي، هذا إذا كان مؤثرا من قبل، في ظل تحديات سياسية وانكسارات اقتصادية وبؤس اجتماعي.

ويضيف: «إن كل هذه الأمور تختتم بركض قاتل وراء لقمة العيش، ولكن ما يبعث على الأمل ويجعل له فسحة أن الواقع الثقافي بحالته الفكرية بدأ يطرح الأسئلة، ويفكك المفاهيم ويحلل الواقع، ولم يعد يكتفي بالإبداع في مواجهة أسئلة وتشابكات ومآسي الواقع؛ فالأمل ما زال قائما».

وفي ذات السياق يقول الأديب السعودي صلاح القرشي: «يبقى معرض الكتاب في الرياض عرسا ثقافيا سنويا ينتظره الجميع بشغف، كما أن صدور اللائحة الجديدة للأندية الأدبية كان من الأحداث البارزة هذا العام».

ويعتقد الجحدلي أن أهم ما حفل به العام المنصرم هو فوز الروائي السعودي عبده خال بجائزة «البوكر»، وهو ما سوف يجعل المبدع السعودي في حالة أخرى من التوثب والاتجاه نحو الغد بروح أكثر صلابة واستقلالية. وكذلك يرى الشاعر محمد عابس أن فوز خال «كان عرسا للثقافة السعودية»، في حين يعتقد الشاعر على بافقيه أن فوز عبده خال كان حدث العام ثقافيا، معتبرا أن خال كان جديرا بالجائزة لأنه قدم رواية «متدفقة ومليئة بالأحداث والمعنى».

كما يؤكد الأديب صلاح القرشي أن فوز خال بالجائزة وضع الرواية المحلية في نفس الصف الذي تقف عليه الروايات العربية الأخرى.

كذلك يعتبر محمد السحيمي أن من أبرز أحداث عام 2010 هو فوز عبده خال بجائزة «البوكر»، لأن المشهد الثقافي بشكل عام، في رأي السحيمي، ما زال يراوح مكانه «لا جديد يذكر».

يقول الشاعر حامد بن عقيل إن العام مر رتيبا، ليس هناك حدث ثقافي سعودي بارز، ويقول: «ربما نمر بركود»، في حين يرى أن استقالة أعضاء نادي الشرقية الأدبي الحدث الأهم، فهي محاولة إجرائية لإظهار مدى ما تمر به وزارة الثقافة من سوء في إدارة الأندية الأدبية.

* عودة مؤتمر الأدباء السعوديين

* عودة مؤتمر الأدباء بعد توقف دام أكثر من عشرة أعوام، تعتبره الخواجا من الأحداث البارزة في العام الذي شارف على الرحيل، وكذلك عقد ملتقى خاص بالرواية السعودية ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية، في حين يرى الشاعر محمد عابس أن هناك أحداثا كثيرة برزت على المستوى الثقافي، منها انطلاق بث القناة الثقافية السعودية، وإعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة، واستقالة مجلس إدارة نادي الشرقية واختيار مجلس جديد، ومؤتمر التراث العمراني الدولي الأول، ويتابع كان العام مزدهرا بالنشاط الثقافي؛ ففي مدينة جدة عقد ملتقى النص ثم منتدى العقيق في المدينة المنورة، وسوق عكاظ في الطائف وملتقى جواثى في الأحساء ثم ملتقى مكة المكرمة والرواية في الباحة.

* أمنيات قبل رحيل 2010

* ماذا خلف عام 2010 في النفوس من أمنيات لدى المثقف السعودي؟ يقول الكاتب الدرامي محمد السحيمي: «نحن متفائلون كالعادة في نهاية كل عام، لكن هناك أمنيات لم تتحقق منذ أربعين عاما، أبرزها وجود مسرح وسينما وأكاديمية للفنون وغيرها، مما يمكن تسميته «أمنيات في السنين الخوالي».

ويشاطره الرأي الشاعر محمد عابس بأن هناك كثيرا من الأمنيات لم تتحقق، ولعل عدم تحقيقها دافع أكبر لمحاولة السعي إلى تحقيق الممكن منها، ومواصلة الحلم في المستقبل لتتحقق بقيتها والمطالبة بتحقيق الآخر، ويضيف: «لعل في وجود معرض الرياض الدولي ومؤتمر المثقفين الثاني في النصف الأول من العام انتصارا ودعما للثقافة والمثقفين والمبدعين إلى جانب انتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية التي بدأت تعد العدة لتشكيل جمعياتها العمومية».

بدوره يرى الشاعر السعودي على بافقيه أن استقالة أعضاء نادي الشرقية الأدبي حدث ثقافي لافت، كذلك الجوائز التي يقدمها بعض الأندية الأدبية مثل نادي الرياض الأدبي ونادي حائل الأدبي في حين يرى بافقيه أن منع الشاعرات من إلقاء قصائدهن على المنصة في مهرجان عكاظ، كان من الأحداث اللافتة لهذا العام، متمنيا تجاوز ذلك العام المقبل.

* ماذا قرأ السعوديون في عام 2010؟

* يقول الناقد السعودي محمد العباس: «أهم ما قرأت خلال هذا العام (المثولوجيا المندائية) لخزعل الماجدي، حيث أعتبره على درجة من الأهمية في تقصي هذه الديانة العريقة والغامضة، وتحليل أساطيرها، وإعادة قراءتها داخل الدورة الكونية، باعتبارها أول تراث رافديني، كذلك كتاب (سحر البدايات) من تأليف الروائي السعودي يوسف المحيميد، الذي كان قد صدر عن دار (النايا)، حيث يرصد فيه المحيميد الإرهاصات الحقيقية للحضارة والفنون والعلوم والأديان».

كما قرأ العباس أيضا عددا من الكتب المترجمة مثل كتاب «الثقافة بين الكوني والخصوصي» لمجموعة من الكتّاب، ويتناول الكتاب في طرحه فكرة المناظير المتعددة للثقافة، وفيه يتم اختبار مفهوم الثقافات المتطورة، المتأتي من النزعة المركزية الغربية، التي تروج لفكرة الثقافة الكونية كامتياز ضد الثقافات الموصوفة بالخصوصية، حيث يستعرض الجهود البحثية المبذولة في هذا الاتجاه وفق منهجية علمية وأخلاقية، كما قرأ في الشعر قصائد مختارة للشاعر الغواتيمالي أمبرتو أكابال «طردت اسمك من بالي»، ومجموعة «بطاقة لشخصين» لعباس بيضون التي تحتفي بفكرة الموت. وفي مجال الرواية قرأ عدد من الروايات من أبرزها رواية «يوم غائم في البر الغربي» لمحمد المنسي قنديل، وكذلك رواية «السيدة من تل أبيب» لربعي المدهون، وكتاب «جاستون باشلار - جماليات الصورة» من تأليف الدكتورة غادة الإمام، وكتاب «المدوّنة الكبرى - الكتاب المقدس والأدب» لنورثروب فراي.

الروائي السعودي يوسف المحيميد اعتبر أن من أبرز الأعمال التي قرأها هذا العام هي رواية «عدّاء الطائرة الورقية» للروائي الأميركي من أصل أفغاني خالد حسيني، وكذلك كتاب كونديرا «الستار» هو من الأعمال الجميلة التي تتناول فن الكتابة، ويعتبر امتدادا لكتابيه السابقين «فن الرواية» و«الوصايا المغدورة» اللذين يحملان رؤيته تجاه الرواية وتاريخها الطويل.

كما قرأ كتاب «السلفية الجهادية في السعودية» لمؤلفه فؤاد إبراهيم، الذي تناول تاريخ تطور الخطاب السلفي منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى الفترة الراهنة، آخذا على المؤلف المواقف المسبقة، وعلى الرغم من أنه في موقع يفترض منه الحياد كمؤرخ.

الشاعرة ملاك الخالدي اعتبرت «اغتيال العقل» لبرهان غليون أهم قراءاتها خلال عام 2010، حيث تعتبره محاولة لتشخيص الوضع الفكري والثقافي العربي.

كما تضع كتاب «ملامح المستقبل» للمفكر محمد الأحمري في مرتبة متقدمة بين الكتب التي قرأتها هذا العام، إضافة إلى كتاب «الدعاة الجدد» الذي ألفه مجموعة من الباحثين تناولوا فيه ظاهرة التدين الجديد وروادها، أي من يسمون بالدعاة الجدد وإرهاصات ظهورهم وتأثيرهم ومستقبل هذه الظاهرة، كما قرأت عددا من الروايات لمجموعة من الروائيات السعوديات.

الشاعر علي بافقيه يرى أن أهم ما قرأ في العام الحالي هي رواية «ساق الغراب» للروائي السعودي يحيى سبعي، كما قرأ الكثير من أعمال الروائيين السعوديين، وفي مقدمتهم أحمد الدويحي وعبد الله بن بخيت وعبده خال، كما قرأ كتاب «هرطقات» لجورج طرابيشي بالإضافة إلى كتاب «الإسلام الخارجي» لمؤلفته ناجية الوريمي.

أما صلاح القرشي فذكر أن الرواية غلب عليه قراءاتها هذا العام، إلا أن أجمل كتابين قرأهما لا علاقة لهما بالرواية، وهما كتاب «ذاكرة الرواق وحلم المطبعة» لمؤلفه حسين بافقيه، وهو كما يقول القرشي يعنى بأصول الثقافة الحديثة في مكة المكرمة، والكتاب الثاني «بعض الأيام بعض الليالي» لعبد الله مناع.

وفي جانب الرواية من أجمل ما قرأ القرشي كما يقول رواية «المنة» لأحمدو كوروما، وروية «وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين، ورواية «معذبتي» لسالم بن حميش.