المغرب: سنة رحيل الجابري

سنة ثقافية «داكنة» في تاريخ المغرب الثقافي ظللها السواد وتوزعتها الانقسامات

إدمون عمران المليح
TT

تميز المشهد الثقافي المغربي خلال العام الماضي برحيل ثلاثة من أهرامات الساحة الفكرية والأدبية المغربية والعربية، حيث رحل في الثالث من مايو (أيار) الدكتور محمد عابد الجابري المفكر العربي الكبير، الذي ترك وراءه نحو ستة وعشرين مؤلفا أغنت الخزانة الفلسفية العربية والإسلامية في حاضرها ومستقبلها. وعرف الجابري بآرائه وأطروحاته المثيرة للسجال الفكري بين مغرب العالم العربي ومشرقه، وقراءاته العديدة في التراث الفلسفي، والفكر الخلدوني، ونقد العقل العربي، والنص القرآني، وأيضا عبر حضوره الوزان في الحقل الفكري والفلسفي العربي والإسلامي والعالمي. وكان الراحل قد حصل خلال مسار حياته الفكرية على جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو في يونيو (حزيران) 1988 والجائزة المغاربية للثقافة بتونس عام 1999 وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي تحت رعاية اليونسكو عام 2005، وجائزة الرواد التي تمنحها مؤسسة الفكر العربي ببيروت في نفس السنة إلى جانب ميدالية ابن سينا التي تمنحها اليونسكو، في حفل تكريم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة سنة 2006 وجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2008. واعتذر الجابري في أواخر الثمانينات عن الترشيح لجائزة الرئيس صدام حسين (100 ألف دولار). وعن جائزة المغرب مرارا، كما اعتذر عن العضوية في أكاديمية المملكة المغربية مرتين وعن تسلم عدة جوائز عربية لأسباب واعتبارات سياسية وفكرية.

و في 30 يونيو الماضي رحل الكاتب والروائي والشاعر أحمد عبد السلام البقالي، وهو أحد الرواد المؤسسين لروايات الخيال العلمي والقصة البوليسية وأدب الطفل في المغرب والعالم العربي، وترك الراحل نصوصا إبداعية في مجالات أدبية كانت غير مطروقة بما فيه الكفاية بالمغرب بصفة خاصة، وعرف الفقيد بنضاله من أجل استقلالية اتحاد كتاب المغرب وتطويره، وساهم بشكل كبير في مجال الدبلوماسية الثقافية، وعرف بكتاباته الراتبة، فضلا عن مساهماته اللافتة في إثراء أدب الطفل والكتابة الشعرية ببلادنا، بشكل استحقت معه مجموعة من أعماله الإبداعية أن تترجم إلى عديد من اللغات الأجنبية، وأن تحظى بالعديد من الجوائز التقديرية.

وبعد أربعة شهور من رحيل الأديب بالمغرب أحمد عبد السلام البقالي رحل الكاتب إدمون عمران المليح أحد أعلام الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، الذي توفي في الرباط في 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، عن سن ثلاث وتسعين سنة، خلف الكاتب خلالها إنتاجا أدبيا مؤثرا في ظرف قياسي، استحق معه الراحل لقب «جيمس جويس المغرب»، حيث بدأ نشر أعماله الروائية في مرحلة متأخرة، إلى جانب عدد من المقالات والدراسات والحوارات العديدة، وخصوصا تلك المقالات التي عكست مواقف الأديب الراحل وآراءه الجريئة والمناصرة للقضية الفلسطينية، ناهيك عن كتاباته النقدية والانطباعية حول الفنون والمعارض التشكيلية والفوتوغرافية المغربية، وكتبه ومقالاته المنشورة حول تجارب أهم المبدعين التشكيليين المغاربة، من مختلف الأجيال والمدارس.

إذا كان موت العمالقة ظلل بالسواد السنة الثقافية المغربية، فإن سخط المثقفين على واقع الثقافة والمثقف، كان سمة السنة بامتياز كبير، اختزله صاحب جائزة «الغونكور» العالمية للسنة الماضية الكاتب والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، الذي أعلن عبر «صرخة مدوية» حملت شكل بيان كتبه في أبريل (نيسان) قال فيه «عرفت الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة هزة غير اعتيادية. وبغض النظر عن تجلياتها الظرفية، السخط العارم الذي انتاب وسط المثقفين في أثر بعض القرارات الهوجاء كان لهذه الأزمة نتيجة إيجابية تكمن في انتعاش الجدل حول حقيقة أوضاعنا الثقافية ورهانات الثقافة في بلادنا». بيان شاعر ديوان «أزهرت شجرة الحديد»، الذي حمل عنوان من «أجل ميثاق وطني للثقافة» اهتمت به الفعاليات الثقافية بالمغرب، وانخرطت في نقاش حوله والمطالبة بتفعيل كل ما جاء فيه أو بعضه لأنه اشتمل على ملاحظات لافتة، تبناها اللعبي ومن سار معه من المثقفين بالمغرب إلى قرع أجراس الحذر في آذان «كل المتفاعلين في الساحة الوطنية من أصحاب القرار السياسي، أحزاب، نقابات، منتخبين، مقاولين، فاعلين جمعويين، وبالطبع مثقفين ومبدعين» داعيا إياهم «أن يحددوا بكل وضوح موقفهم إزاء الحالة المزرية لواقعنا الثقافي، ويدلوا بآرائهم حول الإجراءات الواجب اتخاذها لمعالجة الوضع». وشدد صاحب رواية «مجنون الأمل» على رفضه لهذا المآل الثقافي بالمغرب، وطالب «باستعادة الحركة واختيار نهج الأنوار». وذلك عن طريق خطة من سبع نقاط تتلخص في وضع خطة وطنية بهدف الاستئصال النهائي لآفة الأمية والالتزام بتحقيق الهدف في أجل لا يتعدى الخمس سنوات، وتكوين لجنة علمية عليا متعددة الخبرات يمكنها أن تتوطد كهيئة إدلاء بالمقترحات يعتمد رأيها في تدبير السياسة الثقافية الحكومية.

وتميزت السنة التي نودع في المغرب كذلك بتنظيم مغاير للمعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء، على الرغم من انتقادات بعض الكتاب المغاربة، التي وصلت إلى حد مقاطعة أنشطته. وعلى مستوى النشر لم يكن هناك ما يثير الاهتمام، سواء على مستوى الفكر أو الرواية والقصة أو الشعر. على مستوى آخر كان أهم ما ميز السنة الماضية هو الانقسامات على الساحة الأدبية، وكان من أبرز هذه الأحداث إقالة عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب حيث أعلن المكتب التنفيذي بأغلبية أعضائه إقالته، وهي أول سابقة في تاريخ الاتحاد.

وفي السياق نفسه تفجر خلاف في مؤسسة «بيت الشعر» وهو ثاني خلاف عرفته الساحة الثقافية في المغرب بعد إقالة عقار. وكان الشاعر محمد بنيس كال الانتقادات إلى الشاعر نجيب خداري رئيس مؤسسة «بيت الشعر» التي تضم شعراء مغاربة، كما وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى الرئيس الأسبق الشاعر حسن نجمي. وقال بنيس إنه تعرض «للإقصاء»، بيد أن خداري أعتبر رسالة بنيس وقتها تعبر عن أمور شخصية.

وهكذا انزاحت «سنة داكنة» في تاريخ المغرب الثقافي، ظللها السواد وتوزعتها الانقسامات.