جسد الثبيتي يرحل قبل روحه

خطط الإنعاش القلبي لم تفلح في الحفاظ على حياته

TT

بجسد أنهكه المرض، ترك الثبيتي جرحا لم يندمل في قلوب أبنائه وأقربائه والحاضرين الذين التفوا حول جنازته وكأنهم يودعون «التضاريس».

مضى الثبيتي ومن حوله يتمتمون أرجوزة الرحيل الأخير، لشاعر قال يوما: «ومضيت، لا تلوي على أحد، ولا تأوي إلى بلد، وترمي نحو آفاق من الرؤيا، خطى مغلولة، وهوى طليقا»، كان في اللحظات الأخيرة من الرحيل وداع الشاعر الذي اغترف بيديه، ينابيع المعرفة وكنوز اللغة، وكأن جسده الملقى منذ أكثر من عامين، قد اشتاق إلى بوابة الريح التي بدأها أول مرة.

حكاية النهاية، يحكيها ابنه نزار، الذي تحشرج صوته بكاء وهو يحكي أن ما دل على وفاته بعض التعابير التي أومأت بعدم الاستجابة. ويروي ابنه تفاصيل اللحظات الأخيرة بالقول: «طلبنا على الفور الإسعاف بعدما أيقنا بأن صحته اعتلت. وعلى الرغم من محاولات الإنعاش الطبي في المستشفى الذي تم نقله إليه فإنها باءت بالفشل».

وبدا أن عدم استجابة الشاعر الثبيتي لمحاولات الإنعاش هي انعكاس لشخصيته الثقافية في الآونة الأخيرة قبيل إحساسه ببوادر التعب والإرهاق والضنا في إحدى الأمسيات في اليمن الشقيق، حيث انكفأ في آخر أعوامه وهو يحاول مواءمة الفعل الثقافي بمشهده، وهو ما صرح عنه الثبيتي بالقول: «انتصرت على خصومي، تحضر صورة الشعر المحتفظة بجماليتها وحداثتها، والمتكئة على الموروث الغائر في مناجم بعيدة، لا يبلغ مداها إلا شاعر له أجنحة جامحة به نحو التحليق باتجاه الحلم، ومانحة قدرة على التمرد».

وكان الثبيتي، كما يروي ابنه، قد أصيب بجلطة في القلب منعت الأكسجين من الوصول للدماغ، وهو ما أسهب في تلف خلايا مخه، ولم تستجب وظائف جسمه بفعل تداعيات الأزمة القوية والجلطة التي مر بها، حيث عانى كثيرا وكان ملازما لعدة مستشفيات في السعودية، لكنه لم يستفد كثيرا منها.

ثلاثون عاما فصلت بين الثبيتي وقصيدته الشهيرة «سألقاك»: (سَألقَاكِ يَوما ورَاء السَّديمِ، ضِفَافا منَ الضوءِ، يَختالُ فيهَا شَمِيم العِرَارِ، ونَكْهَة مَاءِ المَطَرْ، سَأَلْقَاكِ يَا زمَنا يتَجَدَّدُ دَوما ويَمْتَدُّ فَوقَ حُدُودِ القَمَرْ)، ليكتب الثبيتي النهاية في زمن شبابه، ويختار جسده الرحيل قبيل روحه، ليترك المرض وحيدا ينهش نفسه.