السريحي: استطاع الثبيتي الجمع بين انتمائه للقصيدة العربية عبر التاريخ وتقنيات القصيدة المعاصرةبافقيه: محمد الثبيتي ذهب بالقصيدة المحلية إلى رؤية تجاوزت الحاضر إلى المستقبل

الشاعر المجدد الذي تألق في رسم البنية الحداثية للقصيدة > أدباء سعوديون ينعون «سيد البيد»

TT

ووري جثمان الشاعر محمد الثبيتي، سيد البيد، في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة، بعد أن وافته المنية في ساعات الصباح الأولى أمس، بعد معاناة كبيرة مع المرض، ألزمته الفراش لمدة 3 سنوات، ولم تفلح الإسعافات الأولية والإنعاش الطبي في مقاومة الجلطة التي داهمت الثبيتي في منزله في وادي جليل ليودع الحياة بعد شهور عدة قضاها في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في جدة ومدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في الرياض، ليغادر الثبيتي، وسط نعي كبير وواسع من الأوساط الثقافية العربية والمحلية لشاعر اعتبر، برأي المراقبين، علامة فارقة في الشعر السعودي والعربي المعاصر.

وشهدت مقبرة المعلاة الشهيرة، في العاصمة المقدسة، مجيء الألوف من جميع مناطق السعودية، الذين قدموا لمواراته الثرى، وإطلاق النظرة الأخيرة على «شاعر البيد»، كما أحب فحول الشعراء تسميته بهذا اللقب، لتشهد العاصمة المقدسة نهاية صراع كبير مع المرض بفعل أزمة قلبية حادة ما لبثت أن تطورت لتصيبه بجلطة في الدماغ قضاها وهو في غيبوبة كاملة، إلا أن شعره ظل يلف عباءته المشرعة شعرا ومعرفة وجزالة.

السريحي: تجربة استثنائية

إلى ذلك، قال سعيد السريحي، الناقد السعودي: «لقد فقدنا شخصية شعرية كبيرة لها ثقلها ووزنها في الأوساط العربية والمحلية، وهو صاحب تجربة استثنائية في التجربة العربية المعاصرة، وهو استثناء من شأنه أن يجعل منه شاعرا على مستوى العالم العربي، وليس على المستوى المحلي فحسب».

وأضاف: «لقد استطاع الثبيتي أن يجمع بين انتمائه للقصيدة العربية عبر التاريخ الموغل في القدم وتقنيات القصيدة المعاصرة، كما ينبغي لها أن تكون، واستطاع أن يحاور رموز اللغة العربية، ورموز الشعر العربي، ورموز التاريخ العربي، واستطاع عن كثب أن يكتشف أسرار اللغة العربية، في الوقت الذي لم تصبح فيه هذه الثقافة العربية قيدا له».

واستطرد السريحي: «استطاع الثبيتي أن يجعل من اللغة العربية موطنا للحرية، يمارس من خلالها تعاطيه مع اللغة، والكشف عن تجربته من خلال الرؤى العربية؛ حيث تعتبر هذه التجربة، التي جمع فيها بين التراث والمعاصرة، والأصالة والحداثة، وبين هذا وذاك، استثنائية، كما استطاع الثبيتي أن يكون صوتا مميزا، مختلفا عن أصوات جيله، بل وعن التجربة العربية برمتها واختلاف أجزائها في أقطار عربية متعددة؛ لذلك تعتبر تجربة محمد الثبيتي مفصلا من مفاصل حياتنا الثقافية، وهو مفصل حقق له مكانة مميزة وتسبب له في الوقت نفسه بالكثير من سوء الفهم الذي دفع له الثمن غاليا حين تعرض للكثير من المشكلات، وقضايا كنا في غنى عنها لو أننا قدرنا محمد الثبيتي حق قدره».

بافقيه: الشاعر العميق والإنسان الرهيف

أما الشاعر السعودي علي بافقيه فاعتبر أن محمد الثبيتي «شاعر صعب المراس ظل دائما واقفا وصامتا مثل مرتفعات الحجاز ومنخفضاتها وعمقها في النفوس وفي التاريخ البشري». وقال: «إن الساحة الأدبية فقدت نجمها المضيء، لكنها تعرف أنه سيظل متألقا في أعماق الساحة الأدبية، وأعماق أدبائها من البحر إلى الخليج ومن نجران إلى دومة الجندل. لقد ذهب محمد الثبيتي بالقصيدة المحلية إلى طاقات في الفن والرؤية تجاوزت الحاضر إلى المستقبل؛ فهو الشاعر العميق الناضج وهو الإنسان الرهيف. ومن معرفتي بالثبيتي وشعره، لم يكن مفهوم سيد البيد سوى واحد منا في هذه الأرض الشاسعة المليئة بالصحراء والجبال والآبار والبحار. وإذا كان الثبيتي قد مسه الضر والأذى من فئة ضالة فسيعرف الآتون كم أن هؤلاء الذاهبين يتكئون على ضحالتهم وغفلتهم».

السالمي: شاعر مجدد

حماد السالمي، رئيس نادي الطائف الأدبي، وصف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، محمد الثبيتي بالشاعر المجدد، مبينا أنه «لو قرأت قصيدته لوجدتها مختلفة، ناحيا أسلوبا مختلفا عمن سبقه». وأضاف: «هو شاعر القصيدة الجديدة والمجددة، وشاعر المعنى المبتكر، وهو أحد المنتمين للأسرة الأدبية والشعرية، التي تفقد علما كبيرا من أعلامها.. إن نادي الطائف الأدبي هو إحدى المؤسسات التي كرمت محمد الثبيتي قبل وفاته؛ حيث كان النادي حريصا على تكريمه وإعطائه ولو جزءا بسيطا مما يستحق، والنادي اهتم باستحضار المكان الذي ولد فيه الشاعر؛ حيث انتقلنا من الطائف إلى مسقط رأسه في بني سعد، ووفقنا في إقامة أمسية فنية نقدية تعنى بشعره وأدبه، وحضرها إبان ذاك جمع غفير تجاوز 200 مثقف ومهتم».

واعتبر السالمي الشاعر الثبيتي أنه من أبرز العمالقة المجددين في الشعر العربي والسعودي، ورحيله يمثل خسارة كبيرة لأوساط المثقفين والمبدعين، ويمثل نموذجا للتجديد في صنوف الشعر النثري.

البوق: ابن الأرض

أما أحمد البوق، الشاعر وعضو نادي الطائف الأدبي، فوصف الشاعر بالرمز وأنه يمثل روح الشعر، وقال: «إنه إذا وضعنا قائمة بأسماء الشعراء من المعلقات إلى عصرنا الحاضر، فستتسع تلك الذاكرة، بقوة، لاسم الشاعر الكبير محمد الثبيتي، نظير ما اتصف به من قوة الوهج الشعري الذي خرج من أبياته، وروعة قصائده، فهو عمَّق القصيدة وسموها في الذاكرة الشعرية، واسمه لا يقتصر على أنه رمز للحداثة ولا لفترة الثمانينات، بل يعتبر رمزا يتفرد بالجمال والسمو».

وأبان البوق: «الثبيتي شاعر حقيقي، وهو ابن الأرض، وقد ترك خلفه (تضاريس) لا حصر لها، كل تعرجاتها تنبئ عن جمال متفرد، وعن بعد تجديدي، ولا يمكن لأي مؤرخ أو ناقد أو متذوق أن يمر على ظهراني الجزيرة من دون أن يتذكر اسم محمد الثبيتي، صاحب التجربة المميزة والقوية جدا، والملتصقة بالهم العام، التي تتصف بمستواها اللغوي الراقي جدا، ومستوى العمق والتأمل المتطور، والمتسق مع الجمال، كما أن المفهوم الفلسفي بها عميق جدا، وهي تجربة تقارب الكمال، وتعكس التطور والجمال الحداثي للقصيدة البنيوية الحديثة بكل تفاصيلها ومناحيها».

الدميني: شاعر لا يكسره الموت

وقال الأديب والشاعر السعودي علي الدميني: «الثبيتي يمتلك الأدوات الفنية المكتملة لإبداع نص شديد الخصوصية والتميز والإدهاش.. مثلما يمتلك الرؤية التقدمية والحس الوطني والبعد الإنساني الذي يتسلل إلى قلوبنا كلما قرأناه أو استمعنا إليه وهو يرتل علينا فيوض نصوصه، أو كلما أشعلنا قناديل الذاكرة لاستعادة حالاتها. وقد حورب الثبيتي مبكرا منذ (مجزرة الحداثة) في عام 1987 وما بعدها»، مشيرا إلى «الإهمال الذي لاقاه حين أصيب بالمرض».

واختتم الدميني بالقول: «إن محمد الثبيتي الشاعر والإنسان قد رسم لوحة خالدة، لم تستطع الحروب الظلامية أن تنال من عظمتها، وسوف لن يكسرها الموت ولا النسيان؛ حيث ستبقى فنارا عاليا، يتأمله محبو الشعر والوطن والحرية، عبر الأزمنة كلها وتعاقب الأجيال، وسوف نبقى نغني معه: أدر مهجة الصبح صب لنا وطنا في الكؤوس».

القرشي: شاعر الحرية

ويقول الناقد السعودي الدكتور عالي القرشي: «أقل ما يمكن قوله في شاعرنا الراحل محمد الثبيتي هو الإشارة إلى الرؤية التي تستنكف نص الثبيتي والتي يتقصدها في نصه، ومفتاح هذه الرؤية هو الحرية التي جعلت نصه مفتوح الدلالات على احتمالات عدة وجعلته - يرحمه الله - كثيرا ما يضجر من تحديث نصه ورؤيته المحددة ذلك.. لقد كان قليلا ما يتحدث عن نصه؛ إذ يترك الرؤية للمتلقي بما يدركه من النص؛ لذلك تجده في نصه مشغولا بالبحث عن المعنى، والحرية تظهر في اختيار الشكل الذي يظهر فيه نصه، ذلك الشكل الذي لا يرتهن لنموذج سابق».

الزيد: شعور بالعجز

ويقول الشاعر عبد الله الزيد: «إن الأدباء أحسوا برحيل الثبيتي بالفقدان، فالصوت الوحيد المتفرد بنا هو أسى خفي مزدوج يتعلق بسياق الشعور بانعدام الجدوى وفوات ما كان ينبغي أن نقدمه لسيد الشعر والبيد عندما كان يتنفس شعره وإبداعه وإضافاته فيمن بيننا وفي أمسياتنا وعلى خطرات أوراقنا».

أكرم: مرجعية للشعر الصافي

في حين قال الشاعر فيصل أكرم، صديق الراحل: «إن الشاعر الثبيتي بما ترك من شعر رصين صادق بمثابة المرجعية للشعر الصافي والتأثير في لغة متطورة ومتمسكة بالجذور في الوقت نفسه».

واعتبر أكرم أن الشاعر الثبيتي «لم يكن فقط شاعرا عاديا، بقدر ما كان متميزا منذ أن بدأ يكتب ومنذ أن كتب ديوانه الشعري (التضاريس)؛ حيث وصل بالأخير إلى مكانة لم يستطع أحد بعده حتى الآن أن يقرب منها على الرغم من مرور أكثر من ربع قرن عليه».

الشمري: بناء التجربة الشعرية

أما الروائي السعودي عبد الحفيظ الشمري، فقال: «إن قصائد الشاعر الراحل محمد الثبيتي كانت تدرس لنا في مقاعد المرحلة الابتدائية، فكان شعره راقيا متجليا في سنوات ذلك البهاء الذي يحترم إطلالات الشعر والشعراء».

وأضاف: «إن تجربة الشعر، بما فيها تجربة الراحل الثبيتي، أخذت منعطفا مغايرا فيما كانت تسير عليه حينما اصطدمت بتجارب اجتماعية ذات نزعة إقصائية لحالة الشعر، فكان الشاعر الثبيتي وشاعريته هما الضحية، ما حدا به إلى التواري قليلا، أملا في أن تنقشع هذه العاصفة التي عصفت بالشعر في أواخر الثمانينات الميلادية في حمى ازدهار وتوهج قصيدة التفعيلة التي كان يتزعمها مع عدد من الشعراء المتجلين من أمثال عبد الله الزيد وأحمد الصالح وعبد الله الصيخان ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري الذين كانت لهم اللمسات المهمة في بناء التجربة الشعرية لدينا في السعودية».

الخضري: عزاء للحداثة

من ناحيته، قال خالد الخضري، رئيس تحرير «الثقافة اليوم» في القناة الثقافية السعودية: «إن رحيل الشاعر محمد الثبيتي يستوجب العزاء لجميع شعراء الحداثة في الوطن العربي ومساحات المثقفين التي لا تعرف الحدود»، معتبرا الثبيتي «أحد أهم وأبرز الشعراء السعوديين الذين مثلوا نقلة كبيرة في الحراك الثقافي والفكري في السعودية».

وأشار الخضري إلى أن «الثبيتي هو من أسس حركة الحداثة في الثمانينات الميلادية عندما كتب أروع قصائده الشعرية في تلك الفترة، التي كان من أبرزها: (التضاريس) و(سيد البيد) الذي عرف به كلقب؛ حيث عني كثيرا باللغة التي تحتمل أكثر من تأويل، مما أدى به إلى دخول ساحات العراك مع الاتجاهات المعاكسة لتيار التحديث في السعودية».