جزائري يبتكر «مدينة فاضلة» جديدة

المواطنة العربية تنمو على الشبكة الإلكترونية

TT

بعد محنة المحاكمة والسجن، خرج الجزائري كمال قرور بفكرة «مدينة فاضلة» جديدة، آمن بها منذ سنين ورسمها في «الكتاب الأزرق» الذي أصدره على حسابه الخاص، ويسخر الآن كل جهده وماله من أجل تجسيد «أفكار المواطنة» التي تضمنها الكتاب في إطار «منتدى المواطنة» الذي يديره ويشرف عليه.

هو رجل يعرفه كثيرون في الجزائر وخارجها، كروائي فاز منذ سنوات بـ«جائزة مالك حداد» للرواية عن نصه «التراس.. ملحمة الفارس الذي اختفى». ومنذ أشهر أصدر روايته الثانية «سيد الخراب». لكن ما لا يعرفه كثيرون عنه أنه صاحب «مدينة فاضلة»، ضمنها كتيبه الذي أصدره منذ سنين بعنوان «الكتاب الأزرق»، وتقوم فكرتها أساسا على المواطنة. ورغم بعد كمال قرور عن الجزائر العاصمة حيث الأضواء الإعلامية، فإنه تمكن من أن يصنع الحديث الإعلامي في كل مرة وهو يستضيف في «منتدى المواطنة» للنقاش نخبة من أشهر الأدباء والسياسيين والفاعلين في المجتمع المدني. وتأسس «منتدى المواطنة» في ربيع 2009 واستضاف في أولى جلساته الكاتب والباحث الجامعي الدكتور السعيد بوطاجين الذي ألقى محاضرة حول «مفهوم المواطنة»، ثم تبعه نقاش حول الإعلام الرياضي، ونقاش آخر حول العمل الخيري. وشملت النقاشات المتكررة انطلاقا من مدينة العلمة بالشرق الجزائري كثيرا من القضايا التي تهم الشأن الجزائري المحلي والدولي على حد سواء. ولم يقف «منتدى المواطنة» عند ذلك الحد، فقد أطلق منذ سنين مسابقة للقراءة والكتابة وتم توزيع الجوائز على الفائزين الخمسة الأوائل. وبعد توقف اضطراري، عاد المنتدى من جديد إلى النقاش وتناول في عدده الأخير تجربة البنغالي محمد يونس الفائز بجائزة نوبل للسلام في «بنك الفقراء».

وحسب مؤسس المنتدى كمال قرور، فإنه في أعداده المقبلة «يعتزم مواصلة الجلسات الشهرية التي أصبحت تجذب جمهورا نوعيا. كما سيطلق في الأيام المقبلة «جائزة المواطنة». ويعتزم تنظيم ندوة موسعة حول الشباب وثقافة المواطنة في نهاية الربيع أو بداية الخريف. كما سيقوم بنشر كتيبات حول ثقافة المواطنة موجهة للشباب يشارك فيها جامعيون وكتاب وإعلاميون. ويلخص قرور في حديثه لـ«الشروق الأوسط» أن الهدف من المنتدى هو «فتح فضاء جديد للحوار، والتواصل، والتفاعل، ومناقشة قضايا، وتقديم أفكار، واقتراح مبادرات، وتهم المجتمع، وذلك لتفعيل المواطنين، وترقية حاسة المواطنة». ويضيف قائلا: «إدارة نقاش (منتدى المواطنة) يكون بتقديم ورقة من الضيف معدة مسبقا، يتناول فيها موضوعه. ثم يكون النقاش بعدها، أو اللقاء في شكل مناظرة محددة الموضوع سلفا بين ضيفين يدافع كل واحد منهما عن موقفه، ثم يتبع بنقاش. وقد يكون اللقاء في شكل ندوة، حول موضوع ما، مقدمة من شخصين أو أكثر كل واحد يتناولها من زاوية معينة».

وكمال قرور الذي اختار هذه الأيام، مع احتدام النقاش حول التغيير، صورة غريبة لبروفايله على «فيس بوك»، تتمثل في مساحة من الأزرق السماوي يقول إنها تمثل مشروعه الذي ضمنه «الكتاب الأزرق» و«منتدى المواطنة»، ويؤكد أن ثورة الإنترنت الجديدة ساعدته كثيرا على نشر أفكاره، بعد سنين طويلة من تجاهل الإعلام التقليدي له. وقد انطلق منذ سنين في الانتشار من خلاله مدونة إلكترونية ثم اتخذ لنفسه صفحة على موقع «فيس بوك» الاجتماعي، ويرى أن التفاعل مع قراء ومهتمين لا يعرفهم دفعه أكثر للذهاب بعيدا في مشروعه، بعد سنين من اليأس. ويضيف أن «اختيار اللون الأزرق يحيل إلى الفضاء السماوي، حيث الانطلاق بمعزل عن أي حواجز جغرافية أو آيديولوجية».

وعن جذور فكرة «الكتاب الأزرق» الذي انبثق عنه «منتدى المواطنة» يقول كمال قرور لـ«الشرق الأوسط»: «الفكرة جاءت بعد سنتين من توقيف جريدتي في سنة 1999 من قبل السلطات العمومية على أثر كلام قبيح نشرته على صفحاتها ووجهت لي تهما عدة بسببه. وأثناء جلسة المحاكمة قال لي القاضي: (لو كان كلامك هذا بالفصحى لكان معقولا). بعدها بسنتين كنت في عزلة كبيرة. وبدأت أفكر بجد وأنا على مشارف الأربعين في فكرة (الكتاب الأزرق)، سجلت فيه كل الأفكار حول العلاقة بين الدولة والمواطن، بكل حرية ومسؤولية ومن دون خوف من أحد أو مؤسسة». وكان كمال قرور قبل هذا صحافيا مشاغبا دفعه تهوره إلى نشر كلام فاحش على صدر الصحيفة التي كان يصدرها نهاية تسعينات القرن الماضي، وكلفه ذلك ستة أشهر سجنا احتياطيا وتوقيف الصحيفة التي كان يصدرها بقرار من العدالة، ومن هنا دخل في عزلة، وبدأ يفكر بشكل مختلف وجاءت فكرة «الكتاب الأزرق» الذي نشره على حسابه الخاص. ويقول قرور: «في سنة 2008، كان علي أن أتحمل نشر الكتاب وتوزيعه، على كل من يهمه الأمر، من كتاب وصحافيين وبرلمانيين وأحزاب وعسكر وأناس عاديين. لم يكتب عنه أحد ولم تقدمه الصحافة إلا ببعض الأسطر في إحدى الجرائد. ولكني نشرته على الإنترنت. وتركت الأمر للتاريخ. المهم أني عبرت عن رأيي بكل حرية ومسؤولية».