كيف أطلت المرأة من نافذة الرواية السعودية؟

نقاد وأدباء يعتبرون المرأة عمود البناء الروائي

حضور نسائي في إحدى الفعاليات الثقافية («الشرق الأوسط»)
TT

ما زال حضور المرأة في الرواية السعودية يمثل إشكالية، تتركز على إشكالية حضور المرأة ذاتها في الحياة العامة.

إلى أي مدى أسهم «تدفق» الأعمال الروائية التي كتبتها روائيات في إثبات الحضور الذاتي للمرأة ضمن المشهد الاجتماعي؟

يوما بعد يوم تبرز على سطح الإبداع مساحة يعتد بها من الأعمال الروائية والقصصية لكاتبات سعوديات، ولكن في الجانب الآخر، ما زالت المرأة تكافح لدفع سقف مشاركتها في الحياة العامة، والحياة الثقافية إلى الأعلى.

في التحقيق التالي، يتحدث نقاد ومثقفون سعوديون، عن المساحة الجديدة التي كسبتها المرأة السعودية من خلال المشاركة بأعمال روائية، سواء تلك التي كتبتها نساء، أو كتبها روائيون رجال، باعتبار أن الرواية في نهاية المطاف، تعبر عن وعي اجتماعي.

* المناصرة: حضور سردي يتجاوز الواقعية

* يقول الناقد الدكتور حسين المناصرة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن حضور المرأة في الرواية السعودية، كاتبة أو مكتوبا عنها، يعد حضورا لافتا ومنجِزا، فلدى المرأة الساردة ذاكرة سردية مكتنزة بثقافة العلاقات غير المتوازنة بين الذات الأنثوية والآخر المتعدد في سياقات: أبوية، أو ذكورية، أو تابوية، أو غير ذلك من السياقات داخل البناء الروائي. ويعد ذلك من أهم دوافع الكتابة عن المرأة حيث تكتب المرأة عن نفسها من ذات خبيرة بواقعها».

ويتابع المناصرة: «إن حضور المرأة في العمل الروائي يتجاوز إلى حد ما حضورها في الحياة الواقعية، فما يُكتب عنها عموما بصفتها شخصية رئيسية وفاعلة في الأعمال السردية، ودور الشخصية المحورية في العمل الروائي، في مقابل كونها مهمشة بطريقة أو بأخرى في الحياة المعيشية، بمعنى آخر يكون حضور المرأة في العمل السردي أقوى بصفتها رمزا لكثير من الأشياء غير ذاتها سواء كان ذلك في أعمال يكتبها روائيون أو روائيات».

ويعتقد المناصرة أن هناك إشكالية محورية في بنية السرد النسوي تحديدا، وهي إشباع الخطاب السردي النسوي بتراجيديا الصراع الذكوري الأنثوي في سياقات استعمارية من جهة، ومركزية البنية الجسدية في اللغة السردية من جهة ثانية، وأنموذجية المرأة الضحية أولا وأخيرا من جهة ثالثة.

ويعد المناصرة حراك المجتمع في هذا المنحى عموما حراكا ذكوريا ذا طابع قبلي، معتبرا هذا الحراك كان له الدور الأهم في تغييب هوية النساء في الماضي، مبينا أن هذه الهوية بدأت تتحول من هامش إلى فعل وممارسة من خلال الكتابة ووسائل الاتصال الحديثة، مما ولد الشعور بوجود هوية معرفية نسوية جديدة.

وقال إن العمل السردي لم يعد يقدم المرأة في طابعها الجسدي فقط كما كانت في حكايات شهرزاد في «ألف ليلة وليلة» وغيرها.

وتوقع المناصرة أن يحمل المستقبل صورا أكثر إشراقا للنساء في مجال الإبداع والإنتاج والمعرفة، مما سيدفع إلى صياغة حراك اجتماعي نسوي فاعل، بصفة النساء نصف المجتمع، الذي ينبغي أن يحضر دوما في خطاباته، وثقافاته، ومركزيته في البناء، وتشكل الوعي الاجتماعي الجديد على وجه العموم. وقال المناصرة: «لا بد أن يبهر المرء بما لدى النساء المبدعات من وعي وثقافة في خطاباتهن، ما يجسد رؤى اجتماعية مغايرة، ترمي إلى تفسير العالم والوجود تجاه أنساق أكثر تحررا وإنسانية».

* الدويحي: المرأة قضية الأدب السعودي

* الروائي السعودي أحمد الدويحي، يرى أن المرأة في الأعمال الروائية السعودية تعد القضية المحورية لكثير من الأعمال السردية، مضيفا أن هذا الدور الذي تلعبه المرأة في العمل الروائي جاء بسبب وجود المرأة كطرف أساسي في عشرات القضايا الاجتماعية.

ويتابع: «إن هناك خيطا رفيعا بين حضور المرأة في الواقع وفي الإبداع، فإذا كانت هناك شريحة واسعة في المجتمع السعودي لديها قناعة بأن المرأة تعاني واقعا مجتمعيا غير متراجع، فإن حضورها في الأعمال الروائية والأدبية سيكون انعكسا للوضع الاجتماعي».

ويشير الدويحي إلى أن هناك صراعا اجتماعيا في الواقع حول وضع المرأة ينعكس على الأعمال السرية والأعمال الفنية أيضا، ولا تنقصه المبالغة في الحالتين سواء الواقعية أو الأدبية والفنية، هذا الصراع - كما يشير الدويحي - لم تتراجع حدته ليتحول إلى حوار بين الجانبين. فالذين يريدون المرأة كائنا في مجتمع ذكوري، يرون أنها لا بد أن تخضع للوصاية الذكورية في هذا المجتمع، والذين اتخذوا من قضية واقع المرأة قضية في الإبداع، بالغوا.. فالواقع متغير ومتنوع كالإبداع، ولم يعوا الواقع النفسي للمرأة ولا الواقع المحيط بها، ويضيف الدويحي أن المجتمعات تسير إلى المستقبل ولا تعود للخلف، والمرأة جزء من تركيبة المجتمع، وقضاياها جزء من قضاياه. وأوضح الدويحي، أن الأدب لا بد له أن يكون مؤثرا من الناحية الجمالية والفكرية، والمجتمع السعودي مجتمع تقليدي ومجتمع محافظ، ويصعب تصنيف هذا المجتمع لكونه يتصرف ببساطة بوحي من قيمه المتوارثة، مدللا على ذلك بالموقف من حركة الحداثة الشعرية، التي وقف المجتمع منها موقف الضد لأن ذائقة هذا المجتمع شعرية تقليدية.

مضيفا أن الموقف الآن من حركة الرواية مشابه، لأن من مهام الرواية كشف السري والمستور، فيرفض ذلك مجتمع ما زال ينظر إلى المسرح والسينما بتوجس، والرواية فن شامل، من حيث إنها تعكس الواقع وتتماس معه، وتعنى بالتفاصيل.

* لمياء باعشن: الرواية ليست وثيقة اجتماعية

* للناقدة السعودية الدكتورة لمياء باعشن تحفظات على جعل المرأة قضية محورية في صلب الرواية بشكل عام والرواية السعودية بشكل خاص، وترى في ذلك إسقاطا لقيمة الرواية. وتقول إن المرأة كائن حي إنساني عظيم مثلها مثل الرجل، ولها الكثير من الحقوق والواجبات كما الرجل، وبالتالي فإن تناولها كموضوع للرواية التي يحاول مؤلفوها أن يظهروها ككائن مختلف عن هذا المفهوم ويخرجوها من سياق الوجود الطبيعي وكأنها كائن غريب يتهافت حوله الخلق بمستوى لا يتناسب مع المفهوم الذي ينبغي أن يقوم عليه وضع المرأة.

وتضيف باعشن: «في الحقيقة أنا لا أقرأ الروايات من الناحية النقدية من أجل متابعة ظهور شرائح مجتمعية داخلها، ولا أهتم كثيرا بالتمثيلات الخيالية للواقع، الرواية عندي فن تكويني وأنا متابعة للأبنية التي تحمل أفكارا أكثر إنسانية وشمولية لربطها بالتيار الفكري العالمي».

وقالت إن الرواية ليست وثيقة اجتماعية تكتب فقط لشرح الأوضاع الاجتماعية وتقدم حلولا لمشكلات الأفراد في المجتمع، بل هي فن وله أصول وقواعد تهم الناقد، أكثر من المواضيع التي تطرقها، وقراءتي للعمل الروائي لا تفرق بين الكاتب والكاتبة، وإنما التعامل مع النصوص دون تجنيس أو تعنصر.

وفي هذا السياق لا تعتقد باعشن بوجود أدب نسائي وآخر رجالي، «فهناك أدب جاد وآخر ساذج، إن المرأة كما الرجل قادرة على إنتاج الأدب المتكامل، كما أن الرجل قد ينتج نصوصا هزيلة وأخرى جيدة».

وأشارت باعشن إلى أن الوضع الاجتماعي في السعودية، بالإضافة إلى القيود التي كانت تحد من حرية التعبير في الداخل، أصبحت مادة خصبة طال انتظار تمثيلها محليا وخارجيا، مؤكدة أن الرواية شكلت متنفسا افتراضيا يسمح بطرح الأفكار بانفتاح ومناقشتها علنا.

وهي تتفق مع القائلين بأن قضايا المرأة، أصبحت من أهم القضايا التي تجدها حاضرة في الأعمال الأدبية الروائية، وترتفع وتيرة الحوار حولها.

* ملاك الخالدي: نقل مشوش لواقع المرأة

* بدورها ترى الشاعرة ملاك الخالدي أن الأدب النسائي السعودي لا يقل من الناحية الإبداعية عن الأدب النسائي في أي قطر عربي آخر في جعل المرأة موضوعا مهما في البناء الأدبي بشكل عام، والبناء الروائي بشكل خاص. وترى أن الروائي والروائية قطعا مراحل كثيرة في فترة وجيزة، لتمثيل قضايا المرأة في السرد الروائي.

وقالت الخالدي: «إن الرواية السعودية اهتمت بالمرأة بشكل خاص، ولكن هذا الاهتمام بدأ به الروائيون السعوديون أولا، والسبب هو قدرة الروائي الرجل على أن يطرح بعض قضايا المرأة، غير أنه في نهاية المطاف، لحقت به المبدعة السعودية مشاركة في الطرح. لقد جاءت مواضيع المرأة المبدعة متوافقة مع صراعها مع الجهل الاجتماعي كحديثها عن الرجل المتسلط أو الخائن والمجتمع الجائر والعاطفة المفقودة، بل إنها جنحت في بعض الأحيان إلى جرأة متجاوزة نتيجة لقسوة واقع ما أو ردا على قيود مفروضة».

وتضيف: «إن الوضعية الاجتماعية والرؤية الثقافية التي تعيشها المرأة السعودية وأي أجناس الأدب النسائي سجلت فيه المبدعة السعودية حضورا لافتا، مبينة أن المبدعة السعودية استطاعت نقل الصورة الاجتماعية والثقافية التي تعيشها، مع أن هذا النقل كان مشوشا في بعض الأحيان، لأسباب كثيرة منها أسباب شخصية وأيضا أسباب اجتماعية».

وأكدت الخالدي أن المرأة السعودية وجدت في الرواية متنفسا جيدا، فالرواية ذات هامش رحب يتسع للجميع، سواء المبدعات الحقيقيات أو أنصاف المبدعات، وكان للإنترنت أثر بالغ في ظهور صوت الأنثى السعودية، لذا ظهرت الروايات وتنوعت ما بين جاد جريء متزن، ومتجاوز فضائحي يمكن تسميته بالفضفضة، إلا أن هذه الطفرة لم تعدم الأعمال المتميزة جدا، التي نافست في محافل هامة واستقطبت الأنظار لها.