كوميديا فنتازية سوداء عن الهجرة والاغتراب والعودة

«ريام في بلاد الأحلام» لماجد الخطيب

غلاف الكتاب
TT

بعد مسرحيات «الوسام» و«عاشق الظلام» و«فئران الاختبار»، يطل علينا ماجد الخطيب هذه المرة بكوميديا سوداء جديدة عن الهجرة والاغتراب والعودة إلى الوطن.

يبدد ماجد الخطيب في مسرحيته كل الأوهام التي راودتنا عن حلم العودة إلى الوطن بعد تفاقم ظواهر القتل على الهوية والإرهاب والارتداد الثقافي المر. ويبدد كل آمال الحالمين بالحث عن راحة البال والاستقرار خارج الوطن في هذا الزمن المر. وهذه هي حالة الشعوب المبتلاة بالحروب والطغاة والإرهاب: شعب في الداخل يعيش حالة حصار، يحلم بالهجرة إلى الخارج، ولا يجد أية فرصة للهروب من مصيره، وشعب في الخارج، يقتله الحنين، وتردعه دوامة الدم الدائرة في الوطن عن العودة.

بنى الكاتب مسرحيته على مستويين مترابطين يمكن القول إنهما توأمان سياميان مثل التوأمين اللذين تلتقيهما «ريام الصغيرة» في رحلتها الغرائبية داخل الوطن الذي قد يكون العراق. بل يمكن القول إن المسرحية عبارة عن مسرحيتين متداخلتين تلعب فيهما ريام (تؤدي الدورين نفس الممثلة) خيط ستانسلافسكي الذي ينسج شبكة الأحداث ويطرّز العلاقة النفسية والشخصية بين المهاجر والعائد إلى الوطن.

فهناك ريام الصغيرة (12 سنة)، المولودة في أوروبا، والتي لم تسمع عن وطنها الأصلي وتاريخه وحضارته إلا من والدها، تطير على أجنحة الوسادة، كما تفعل «أليس في بلاد العجائب»، لتعيش العجائب والغرائب التي أفرزتها الحروب والدكتاتوريات في هذا الوطن.

وتحلم ريام الكبيرة (35 سنة) بالهجرة من الوطن والعيش الكريم في أوروبا، تصل مع زوجها إلى اسطنبول فتقع ضحية تجار الرقيق الجدد وعصابات تهريب البشر، وتتكسر أحلامها على شواطئ أوروبا.

تتوالى أحداث المسرحية لتتابع مصير ريام، بشخصيتيها، في رحلتيهما المعقدتين من الوطن وإلى داخله. وكما تفعل أليس في بلاد العجائب، وعكس أحلام ريام عن بابل وسومر والرافدين وغابات النخيل، تصاب بالذهول أمام غرائب العراق الجديد، وتلتقي شخصيات غرائبية، وتعيش مشاهد «لامعقولة»، تكشف للمشاهد ما حل بالبلد طوال السنين الثلاثين الماضية.

وإذا كانت أليس، في قصتها من تأليف لويس كارول، تلتقي بالتوأم تويدلدوم وتويدلدي، وهما في خلافهما ونزاعهما الدائمين، فإن ريام تلتقي في بلاد الأحلام بالتوأم السيامي زيد وعمرو. وهما سياميان ملتصقان عند الرأس يرمز بهما الكاتب إلى «العقلية ذاتها» التي تميز العديد من المتصارعين. والاسمان الدارجان في اللغة العربية (ضرب زيد عمرو) قد يرمزان إلى طائفتين متنافستين أو قوميتين متنازعتين، أو ربما سياسيين من نفس العقلية، كما أنها قد يعكسان انفصام شخصية ابن البلد السياسية.

وتعيش ريام الشابة في اسطنبول مع زوجها الكاتب المسرحي، الذي يكتب في الواقع مسرحية «ريام في بلاد الأحلام»، ويسعى إلى إيصال ريام الصغيرة إلى نهاية سعيدة في بلاد الأحلام، فيما تسعى زوجته بلا كلل إلى تحقيق حلم وصولها إلى أوروبا.

المكان هنا قد يكون العراق أو غيره لأن مصائر المهاجرين المغاربة أو الجزائريين لا تقل مأساوية. أما الزمان فهو كل الفترة السابقة، حيث تشي الأحداث بحصولها خلال الحرب أو في أيام الحصار الاقتصادي أو في زمن ما بعد سقوط صدام وتفاقم نشاط «مصاصي الدماء» والمرتشين.

تصل المسرحية مع ريام الصغيرة ذروتها في مشهد المحاكمة الذي يذكّر بمشهد محاكمة أليس في بلاد العجائب. وهي محكمة تجري فيها محاكمة كل الأشكال والحيوانات والأفراد الذين التقتهم خلال رحلتها اللامعقولة في اللامعقول. تكال إلى ريام كل التهم الممكنة والممتدة بين الإرهاب وخيانة الوطن وخرق قانون حظر الأحلام. فتستفسر من القاضي مستغربة كيف يمكن حظر الأحلام في بلاد الأحلام؟

ريام الكبيرة، التي تعمل لجمع المال اللازم لتمويل مغامرة التهريب بالزوارق إلى أوروبا، تحبل في اسطنبول، ويشك زوجها في أبوته للطفل، لأنه كان يعاني من العقم «النفسي»، ويبحث مع زوجته عن علاج ناجح للحالة في أوروبا. وتصل ريام الشابة إلى ذروة أحداث قصتها في مشهد عبور البحر في قارب مطاطي، إذ يكتشف خفر السواحل الزرق ويرفضون استقبال راكبيه كلاجئين، ويطلب منها المهرب أن تلقي ابنها الرضيع إلى البحر، كما فعل بعض العراقيين قرب السواحل الاسترالية، بهدف استمالة عواطف رجال خفر السواحل وقسرهم على انتشال الجميع. تختار هي القفز مع وليدها إلى اليم.