سيرة الجماعة الإسلامية أم سيرة مجتمع؟

كتاب «أيام مع جهيمان» يتناول خطاب الصحوة وتاريخ الجماعة السلفية

غلاف كتاب «أيام مع جهيمان»
TT

يعتبر الكاتب السعودي ناصر الحزيمي في السابق أحد أعضاء الجماعة السلفية المحتسبة البارزين، ورافق حركيا منظر هذه الجامعة جهيمان بن محمد العتيبي، قائد المجموعة التي شقت عصا الطاعة وهاجمت المسجد الحرام واعتصمت فيه مطلع الثمانينات.

وبعد ربع قرن من حادث اقتحام الحرم (1400 هـ) يسجل الحزيمي يومياته وقراءاته حول الجماعات الإسلامية آنذاك وموجة التدين السياسي التي ظهرت في السعودية من خلال كتابه (أيام مع جهيمان).

أبرز الحزيمي في كتابه قضايا عدة منها الخطاب الصحوي، وما يعرف بالسرورية التي من وجهة نظره بزغ فجرها عقب أحداث الحرم، حيث سعت إلى الجمع ما بين الجانب العلمي والحركي رغم فشلها، بحسب ما يقوله، في حواره هذا مع «الشرق الأوسط».

وفي مكان آخر ينتقد الخطاب السلفي الذي اقتصر على متن الحديث دون الإلمام بأصول الفقه.

وقال الحزيمي في حواره إن خطاب الصحوة افتقد إعمال العقل في الفقه. ولم يقتصر نقد الحزيمي على جماعته وإنما امتد للإخوان المسلمين، وكذلك للسلفيين ممن تأثروا بأدبيات الإخوان المسلمين، واصفا إياهم بالانتهازيين فـ «لطالما حاولوا إمساك العصا من المنتصف، لعدم خسارة جماهيرهم».

* طبعت مؤخرا كتابك «أيام مع جهيمان» من قبل «الشبكة العربية»، بعد أن نشرت من خلال «مركز بحوث المسبار»، أيضا «أيام مع جهيمان»، ما السبب في ذلك، وهل تضمن الكتاب ما لم تقله في «المسبار»؟

- ما نشر في «المسبار» ملخص لما ذكرته في الكتاب، وهناك الكثير من التفاصيل في الكتاب ما لم أذكره في «أيام مع جهيمان» بـ«المسبار».

* ما الذي دفعك إلى النشاط مؤخرا في عملية نشر مذكراتك بشأن حقبة مضى عليها أكثر من 30 عاما؟

- المرحلة الماضية وتاريخ جماعة سلفية أثبتت حضورا قويا، للأسف لم تؤرخ بشكلها صحيح، أضف إلى ذلك خطاب الصحوة كثيرا ما تأثر بحادثة الحرم، ولذلك تبرز أهمية تاريخ تلك المرحلة ونشر مذكرات بشأنها، متمنيا من قبل الآخرين ممن لهم علاقة تدوين ما لديهم، فنحن بحاجة إلى شهادات، لمعرفة الامتدادات التي وقعت بعد ذلك.

* من وجهة نظرك ما سبب عزوف كافة الشخصيات التي لعبت أدوارا في ذلك الوقت، عن تسجيل رؤاهم وتحليلاتهم؟

- حقيقة لا أعرف الأسباب، إلا أن حادثة الحرم كانت نقطة سوداء في الحركة الإسلامية ومست وجدان العامة بصورة سلبية، فلم يكن الأمر بهذه السهولة.

* ماذا عن تجنب الحديث عن الخطاب الديني الذي ساد في تلك الفترة، هل تعتقد أن هناك من ما زال يتبنى الأفكار ذاتها؟

- بالتأكيد أن السائد بشكل عام من خلال مراقبة العقليات قبل مرحلة دخول الحرم وبعده، إلى جانب قراءة الرسائل نجد ذات الأفكار والضديات، فعلى سبيل المثال محمد المقدسي، أورد في موقعه مجموعة من رسائل جهيمان مما يدلل على أن هذا الفكر ما زالت امتداداته تتنفس.

* لو لم يقتل جهيمان، ويطبق بحقه الحد الشرعي؟ هل تعتقد أنه كان سينضم لتنظيم القاعدة؟

- جهيمان في تلك المرحلة كان أواخر الأربعينات 48، وأتوقع بعقليته وطريقته في التفكير ستلتقي أفكاره مع أفكار تنظيم القاعدة ومجموعة من المتطرفين.

* لم تذكر في كتابك أيامك في السجن وقراءاتك.. كيف تم إلقاء القبض عليك ومتى؟

- تم اعتقالي في الرياض في 15 محرم، والتجربة في السجن لا أرغب في تحسين صورتها ولا يوجد شخص يرغب في أن تحبس حريته، إلا أن التجربة بالنسبة لي كانت ثرية وأتيح لي الوقت لمراجعة النفس وتنوع قراءاتي مما جعلني واقعيا بصورة أكبر.

* متى بدأت تلتمس الاختلاف في شخصيتك؟

- شخصيا كان لدي الاستعداد بالاختلاف في زمن مبكر منذ قضية مبايعة «المهدي المنتظر» محمد عبد الله القحطاني، حيث حدث نوع من التحول لي، وحصل انشقاق داخل الجماعة، وأثناء دخولي إلى السجن كنت أحمل ذات الأفكار الضدية.

* البعض يصف تحولاتك الآن أنها باتت أقرب إلى الليبرالية؟

- القراءات والتأمل ومعايشة الواقع كلها أسباب مهمة في وقت لا يمنع فيه العقل ويتم الحجر عليه من قبل الفرد نفسه.

* ما طبيعة النقاش الذي كان يدور بينكم، هل كان كله حول قضية الحرم؟

- كانت أحاديث متنوعة، ومن ضمنها حادثة الحرم، ظهر لي منها أن هناك من ما زال متطرفا ومؤيدا لقضية الحرم، وأن المهدي لم يقتل، إضافة إلى تحريمهم لمال الإعاشة الذي يصرف في السجن حيث رفضوا قبوله، مما يعني استمرارية مواقفهم.

* هناك غموض بين علاقة الجماعة السلفية المحتسبة وبين الجماعات الأخرى، سواء أكانت الإخوان المسلمين أو جماعة التكفير والهجرة أو حتى علاقتهم بالشيخ الألباني، الذين اتفقوا واختلفوا معه أيضا، فأين كان موقع هؤلاء من جماعتكم؟

- فيما يتعلق بالجماعة السلفية وعلاقتها بالألباني، اعتبر الألباني الأب الروحي للجماعة السلفية، واعترضوا كما اعترض الكثير على قضية الحجاب، إلا أنه يبقى الأب الروحي لهم، والجماعة السلفية إنما تعبر عن آرائه وتبنت أفكاره.

* كيف هي علاقة الإخوان بالشيخ الألباني؟

- علاقة الإخوان بالألباني كانت من خلال دراسة كتبه ما عدا عدد قليل التقوا به مباشرة ودرسوا على يده عندما كان يدرس بالجامعة الإسلامية منهم سليمان الشتيوي.

* ذكرت أسماء عدة لكتب مختلفة كنتم تتدارسونها وتقرأونها.. هل هي السبب في التشدد الفكري الذي حصل. هل الخلل كان في المحتوى أم في عدم التنوع؟

- بالنسبة للجماعة السلفية بصورة عامة درست على يدهم المصطلح من خلال علي المزروعي، ودرست أيضا في بلوغ المرام الحديث، إلا أنني لم أجد أيا منهم يدرس أصول الفقه، أو التعامل مع كتب الفقه، فمكتباتهم لا يوجد فيها كتاب فقهي.

* كما ذكرت في أحد هوامشك أن خطاب الصحوة افتقد إعمال العقل في الفقه والوقوف عند ظواهر النصوص؟

- نعم هذا صحيح، لم تكن موجودة في خطابهم الذي كان مقتصرا على متن الحديث وذم دراسة النحو واللغة العربية.

* برأيك هذا الامتداد لا يزال موجودا؟

- قد يكون موجودا لدى البعض، فالآن في المكتبات كتب كثيرة عن أصول الفقه، على عكس الحال في السبعينات فلم يكن هناك من يدرس كتب الفقه.

* لكننا نرى حتى الآن لدى كثيرين التمسك بمتون الحديث واعتبارها الأساس؟

- هذا الخطاب السلفي والذهنية تكاد تكون موروثة منذ العهد العباسي كما قال الخطيب البغدادي عن عوام الحنابلة، وهذه هي عقلية أهل الحديث فهي نصية قطعية لذلك هم يقفون عند ظاهر النص لا يحيدون يمينا أو يسارا بعكس المذاهب الفقهية الأربعة، التي بها إعمال للعقل كثير.

* ما انتقادك على المنهج السلفي؟

- هو منهج قطعي نصي، لا يعمل الفقه.

* بالنسبة للجماعات الخلاصية الحالية من هي، أو في الأقل تحمل ملامحها؟

- الجماعات الجهادية بصورة عامة هي جماعات خلاصية، وأي جماعة ليس لها مشروع مستقبلي للمجتمع وللأسرة وللناس فهي جماعة خلاصية، وهذه المسالة مأخوذة أيضا على الإخوان المسلمين، فعندما تقول الجماعة إن الإسلام هو الحل، مثلا، ماذا بعد ذلك؟

* إذن أنت تعتبر الإخوان المسلمين من الجماعات الخلاصية؟

- إذا لم تعد مشروعا مستقبليا فهي تدخل ضمن الخلاصيات.

* نرى الآن أن عددا من السلفيين قد أخذوا بالكثير من أدبيات الإخوان المسلمين، ما رأيك بهذا؟

- في السبعينات كانت هناك جماعة الإخوان المسلمين، والسلفيين (الجماعة السلفية المحتسبة) وجماعة الدعوة والتبليغ، إلا أن الصوت الأعلى والذي تفاعل معه المشايخ بصورة أكبر كان من نصيب الجماعة السلفية المحتسبة والسبب في ذلك أنهم قريبون من الحديث، أما جماعة الإخوان المسلمين فكان لهم مرجعيات. وتعاطفهم تجاه الإخوان المسلمين كان بسبب الأحداث التي وقعت بحقهم وسجنهم مما أدى إلى رواج كتب سيد قطب، إلا أن مأخذ السلفيين على الإخوان المسلمين كان عدم أخذهم بالعلم الشرعي، في المقابل أخذ الإخوان على السلفيين عدم الاهتمام بالوعي السياسي والفكر الحركي. أما عندما وقعت حادثة الحرم، فقد خرجت توليفة البعض سماها بالسرورية أو الصحوة، مبدأها الاهتمام بالجانب العلمي وبالجانب الحركي وفقه الواقع كما يطلقون عليه، إلا أنه رغم ذلك بقي الحضور الأقوى لأهل الحديث، حيث بقيت هناك قضايا لم تحسم كقضية الأقليات، وحقوق المرأة والحريات العامة لا نجد جوابا لديهم عليها.

* لكن بالنسبة لهؤلاء الدعاة ممن تربوا على أدبيات الإخوان المسلمين، الذين باتوا يتصادمون حتى مع التيار التقليدي.. كيف تقيمهم؟

- مشكلة هذا التيار أنه يحاول أن يمسك العصا من المنتصف، فهو تيار فيه شيء من الانتهازية. لم يحسم كثير من القضايا وبعضها يقومون بحلها خلف كواليس البرامج المباشرة، وما زالت تنقصهم الشجاعة في حسم عدد من القضايا خشية فقدان أتباعهم وجمهورهم فباتوا يتركون الكثير من القضايا معلقة.

* ماذا بشأن التصادم مع الدولة؟

- اعتبرتها الجماعة قضية احتسابية دون التكفير، وطرحوا الخروج على الحاكم من باب الحسبة، والخروج على الحاكم يكون من أحد بابين؛ إما بتكفيره وتأكيد وجوب الخروج عليه، والباب الثاني الخروج على الحاكم من باب الاحتساب.

* ذكرت في بداية كتابك عددا من الفتاوى الشرعية التي أصدرتها الجماعة وتجرؤهم على رجال الدين في ذلك الوقت. حاليا ما زلنا نشاهد الأمر ذاته في اعتراض العديد على اقتصار الفتوى على جهات رسمية، واعتبار ما يقولونه رأيا شرعيا.. ماذا تقول في ذلك؟

- الإشكال القائم ليس في الفتوى وإنما في الخطاب ذاته، فلا نستطيع أن نمنع الآخرين من قول رأيهم الشرعي، إلا أن الأهم عدم إلزام الآخرين بها.

* ما سبب سيطرة فكرة «نهاية العالم» على الخطاب السلفي؟

- هناك قضايا تطرح في وقت أزمات الأمة كالسحر والعين وأخبار الفتن وأشراط الساعة، أضيف إلى ذلك الرؤى والأحلام والأخذ فيها، في السبعينات أتحدى أن نجد كتابا عن العين وتكريسها أو تأويل الرؤيا. هذه غالبا توالدت مع خطاب الصحوة.

* ما أسبابها؟

- أن الأمة في أزمة.

* أين كانت المرأة في جماعتكم ودورها؟

- لم يكن لها أي دور يذكر.

* كيف تصف نفسك عقب كل ما مررت به وبعد مضي هذه الأعوام؟

- أصبحت لدي قناعات تنبثق من العقل والواقع.

* إلى أي شاطئ أوصلتك الليبرالية أو التنويرية أو الحداثية؟

- لا أصنف نفسي ضمن أي تيار، وصدقا لا أعرف ضمن أي صنف أدرج.

* ما هو حكمك على الليبراليين والحداثيين السعوديين؟

- متعايش معهم ومعجب بكثير من كتاباتهم وأعتقد أن المستقبل لهم.