معرض الرياض الدولي للكتاب: السعوديون يبحثون عن الجدل

مشاغبات بعض المحتسبين أصبحت «ملح» المعارض

لقطة من معرض الرياض الدولي للكتاب («الشرق الأوسط»)
TT

بحسب تقديرات وزارة الثقافة السعودية والإعلام فإن نحو 300 ألف زائر يقصدون معرض الكتاب في الرياض كل يوم.. وبحسب تقديرات منظمي المعرض فإن حجم الدخل كان قياسيا.. إذ بلغت حصة الأسبوع الأول منه نحو 18 مليون ريال.. وهناك توقعات أن يصل المبلغ نهاية المعرض إلى نحو 30 مليونا.

* على الرغم من استحواذهم على مانشيتات الصحف لبضعة أيام، لم يتمكن بعض المتشددين الذين سعوا لإثارة الاهتمام من اختطاف كامل صورة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي اختتم فعالياته الجمعة الماضي، فأحداث المشاغبات القليلة لم تفلح سوى في إعطاء زخم إضافي للمعرض، وربما التعويض عن الخلل الأهم الذي عانى منه معرض هذا العام، وهو ضعف الفعاليات الثقافية المصاحبة.

وكانت ممارسات بعض المحتسبين الذين لم يكتفوا هذا العام بملاحقة بعض دور النشر، وفرض وصاية على المثقفين والجمهور، بل باغتوا وزير الثقافة والإعلام بهجوم لا يخلو من التنظيم، قد سمحت لعشرات المثقفين والكتاب السعوديين لرفع الصوت ضد هذه الممارسات والدعوة لتقييدها. وكما قال الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام لـ«الشرق الأوسط»، فإن «معرض الرياض للكتاب سيستمر، ولن يثنينا تشدد البعض في الرأي عن المسير في الاستمرار في المعرض. وصدورنا مفتوحة لأي رأي أو اقتراح».

وكان وزير الثقافة والإعلام أكد قبيل افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الحالية أنه لن يسمح لأي طرف بفرض رأيه على وزارته، مؤكدا أن وزارة الثقافة والإعلام تضطلع بكامل مسؤولياتها، ملمحا إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق من يريد فرض رأيه بالقوة على الآخرين، ولكنه أكد على تقبل أي رأي مخالف ما لم يكن بالقوة الجبرية ووفق «ثقافة الوصاية على الوزارة».

والجانب الأبرز أن معرض الرياض الدولي للكتاب كشف عن ظاهرة تنمو في السعودية كل عام، تعكسها صورة عشرات الآلاف من الزائرين الذين تزدحم بهم أجنحة المعرض، وحجم الإقبال الهائل على الكتاب. وعلى الرغم من تمادي بعض أصحاب دور النشر في رفع الأسعار، وضعف الرقابة تجاههم، فإن الصورة الاعتيادية التي يفرزها المعرض هي لآلاف السعوديين من رجال ونساء يحملون أكياسا ضخمة من الكتب، ويدفعون بالسوق السعودية لتصبح أهم وأكبر سوق عربية للكتاب.

وبحسب تقديرات وزارة الثقافة والإعلام فإن نحو 300 ألف زائر قصدوا معرض الكتاب كل يوم. وبحسب تقديرات منظمي المعرض فإن حجم الدخل كان قياسيا، حيث بلغت حصة الأسبوع الأول منه نحو 18 مليون ريال، وهناك توقعات أن يصل المبلغ نهاية المعرض لنحو 30 مليونا.

ويأتي معرض الرياض هذا العام بعد أزمة منيت بها سوق الكتاب العربي، وخصوصا بعد إلغاء أو تعطيل عدد من معارض الكتب في بعض الدول العربية نتيجة الأحداث السياسية التي شهدتها، وخصوصا معرض القاهرة. وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أبدى خالد زغلول، مدير عام دار نشر «مصر المحروسة»، تفاؤله بأن يعوض معرض الرياض الدولي للكتاب حالة الكساد الثقافي التي رافقت الدور العربية، مؤكدا على الخسائر الكبيرة التي تكبدها الناشرون المصريون والعرب في هذا العام بالنظر إلى الأحداث السياسية الأخيرة، مشيرا إلى إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتعثر معارض الكتاب في المغرب وعمان وتونس.

ويؤكد عدد من الناشرين أن السعودية تمثل بالنسبة إليهم السوق الأكثر رواجا للكتاب، وحتى بالنسبة للمعارض الأخرى، فإن القارئ السعودي يمثل عنصر استهداف للناشرين، ولا توجد أرقام محددة لحجم السوق السعودية ونسبة استهلاكها من الكتاب العربي، إلا أن بعض الناشرين قدروها بنحو 40 في المائة من حجم هذه السوق، التي تعتمد على قوة شرائية متينة، وطبقة وسطى عريضة، وشغف هائل للقراءة والاطلاع.

ومن الصعب الجزم باتجاه محدد للقراءة، فالجمهور السعودي منفتح على الكتاب بمختلف أصنافه وأطيافه، من الأدب العالمي والروايات المشهورة، إلى الفكر والفلسفة، إلى الدراسات الأكاديمية والتخصصية، إلى كتب السيرة والتراث، لكن من الصعب كذلك الجزم بأن الجمهور في مجمله أصبح انتقائيا في اختياراته للكتب التي يقتنيها، حيث تكثر قوائم الكتب التي يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت، ويكثر طلب النصح في الأعمال التي تخلق تميزا لدى قرائها، كتلك الكتب التي حازت على قدر كبير من السجال، أو يجري تقديمها على أنها تمثل جدلا فكريا أو فلسفيا أو دينيا، كما أن الدعاية والإشاعة ما زالت تحرك مزاج القراء، وبالذات في ما يختص بالرقابة والمنع والخروج على «الثوابت».

وثمة ظاهرة آخذة في التنامي بين جمهور الكتاب في السعودية، وهي الرغبة في الدخول في السجالات الفكرية والأدبية، واقتحام التابوهات التي عرف عن المجتمع المحافظ ضيقه من ملامستها مثل سجالات الفكر الديني، والمرأة، والجنس، والفلسفة، وكتب نقد تجربة العمل السياسي الإسلامي، والجهاد، والعلاقة مع الغرب. وكان لافتا، كما في العامين السابقين، حجم الإقبال على الكتب التي تقدم قراءة تحليلية للنصّ الديني، وتلك الكتب التي تهتم بالنقد، والحداثة، والعلمانية، والفكر الديني، والنص الديني، والعقل، والحرية، والفلسفة.

ومن أهم ما يبرزه معرض هذا العام، كما في الأعوام السابقة، هو حجم الاندفاع السعودي لدى الشباب والشابات من مختلف الطبقات الثقافية والاجتماعية للتعرف على الثقافات العالمية، وقراءة الكتب ذات المحتوى الفكري، بعد سنوات كان فيها الكتاب الديني وكتب التراث والمطبخ تحتل صدارة المشهد.