وعي القراء حصانة ضد الوصاية الفكرية

TT

على الرغم من أن رواية «الحمام لا يطير في بريدة» للروائي السعودي يوسف المحيميد قد صدرت قبل سنتين، فإنها ما زالت تثير الجدل، فالرواية وجدت نفسها ضمن قائمة جرى ترويجها في معرض هذا العام للكتاب ضمن المؤلفات التي يجري التحذير من اقتنائها أو شرائها لأنها من الكتب التي تشجع على «الانحراف».

وفي حين تحدث مثقفون سعوديون عن أن معرض هذا العام الذي فتح شهية الجمهور بشكل أكبر للشراء، مثل أهمية من نوع آخر، فهو أتاح للمثقفين الاطلاع على مذاق الجمهور الذي أظهر تعطشا للكتاب والانفتاح على الرأي الآخر.

من جانبه قال الروائي يوسف المحيميد لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر ما أدهشه وجود اسمه وآخرين في قائمة سوداء يوزعها مجموعة من المتشددين على شكل بيانات تتهمهم بالانحراف، الأمر الذي جعل من روايته «الحمام لا يطير في بريدة» إحدى « مصنفات الأدب المنحرف»، وقال: «إنهم أرادوا أن يقتلوا حمامه قبل أن يطير». ولاحظ المحيميد أن وعي القراء وثقافتهم تشكل حصانة ضد عمليات الوصاية الفكرية، وهو ما يعكس تفاعلهم مع الكتاب. وبرأي المحيميد فإن الإقبال المتزايد من الزوار وارتفاع القوة الشرائية تظهر ارتفاع الوعي بأهمية القراءة وتشكيل الوعي، مفيدا أنه منذ أربع دورات ومعرض الرياض الدولي للكتاب يحقق نموا متصاعدا في عدد الجمهور وارتفاع حجم الشراء. وقال إن المعرض يعكس انفتاح السعوديين على العالم وارتفاع الإقبال على الكتب والمؤلفات الجديدة، كما أوضح، أن معرض الرياض كما أنه سوق للكتاب فهو موسم لالتقاء المثقفين السعوديين والعرب من مختلف المناطق.

* الناصر: هناك ازدهار للوعي الثقافي

* الكتاب والروائي السعودي المعروف عبد الله الناصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن معرض الرياض للكتاب أبرز هذه المرة جمهورا سعوديا مثقفا ذواقا بحجم لافت ومتزايد، مشيرا إلى أن من أسباب هذا التنامي الثقافي والوعي الذي اتشح به رواد المعرض، الرغبة في الانفتاح على العالم الآخر من خلال وسائط التقنية الحديثة، سواء عن طريق الإنترنت أو «فيس بوك» أو غيرها من الوسائط العصرية، وهو ما فتح الشهية نحو الإطلاع على ما تحويه الكتب من فكر وثقافة.

ويلاحظ الناصر أن «الشعب السعودي بطبيعته مثقف، غير أنه وقع في عتمة ظلام الإعلام، حيث لم يتم تسليط الضوء على مكوناته الثقافية بشكل كاف، بخلاف ما عليه حال المثقفين في البلاد العربية الأخرى». ويحمل الناصر السعوديين جزءا من مسؤولية هذا التعتيم، مبينا أن السعودية أخذت تنهض ثقافيا بشكل مستمر ومتفاعل مع متغيرات ومستجدات أدوات التواصل مع الغير.

وتحدث الناصر عما سماه تنامي حضور الذائقة الثقافية السعودية، معتبرا أن ذلك يعود لتفاعل طلاب الجامعات السعودية مع أحداث العالم، والانفتاح عليه، والتزود بما فيه من علوم ومعارف، مؤكدا أن مركز الحراك الثقافي شع من الجامعات، كما لاحظ وجود حراك ثقافي يقوم به أفراد مثقفون سعوديون خارج بلادهم، وفي أنحاء متفرقة من العالم.

الناصر وفي تقييمه لمعرض هذا العام، اتفق مع المثقفين الذين اشتكوا من ارتفاع أسعار الكتب، وقال إن «الأسعار مرتفعة حقا في معرض الكتاب»، لكنه لاحظ كذلك أن دور النشر تعاني هي الأخرى من الغلاء في تكاليف الطباعة والورق والنقل والشحن وغير ذلك.

* الحمدان: الجمهور متعطش للثقافة

* أما أحمد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن معرض الرياض الدولي للكتاب تميز هذه المرة بالنقلة التي حصلت له في مجال التنظيم، مشددا على أن المعرض هذا العام عوّض نقصا هاما في سوق الكتاب سببه غياب معرض القاهرة.

وأضاف الحمدان، أن حجم المشاركة الكمية، أو النوعية، كانت متميزة، على صعيد عدد دور النشر والعناوين، وكذلك على صعيد نمو الاهتمام بالثقافة الذي أوضحته القوة الشرائية العالية، وقال إنه «لا يوجد مجال للشك بأن معرض الرياض هذه المرة كان الأول على مستوى الوطن العربي كما ونوعا». وقال الحمدان إن تنامي الوعي الثقافي المحلي يعود إلى «دخول معظم أفراد المجتمع في دائرة الاتصال مع الآخر على كافة المستويات سواء الفكرية أو الحوارية أو الأدبية». وأقر رئيس جمعية الناشرين السعوديين بارتفاع أسعار الكتب في المعرض، وقال: «بالفعل شهدت أجنحة المعرض محاولات لرفع الأسعار بطريقة متزايدة ومرتفعة عما عليه في أي معرض آخر، وذلك ناتج عن مشاركة العديد من دور النشر لتعويض غيابها عن معرض القاهرة».

وأضاف الحمدان أن «الأسعار كانت فوق المعقول وكان فيها مبالغة، ويمثل ذلك نوعا من استغلال حاجة القراء المتزايدة والمتنامية للثقافة واقتناء الكتب».