عمر الزعني «شاعر الشعب» يخاطب اللبنانيين من الأبدية

فيلم وثائقي يستعيده بانتظار الروائي

TT

هو «موليير الشرق» و«شاعر الشعب» بالنسبة لمن أحبوه وأطلقوا عليه ألقابا كثيرة اعترافا بموهبته في التأليف والتلحين والغناء التي سبق بها معاصريه، سواء لقوة كلمته الناقدة الحارقة، أو لطرافة لحنه أو حتى لأدائه الحيوي الجذاب. اعترافا بتلك العبقرية النادرة ورغبة في استحضارها بعد عشرات السنين على وفاته، يعرض لمدة يومين أي في 20 و21 من مارس (آذار) الحالي، في مسرح «دوار الشمس»، في بيروت فيلم وثائقي بعنوان «عمر» عن هذا الفنان، ليس لاسترجاع ذكراه وحسب، وإنما لإبراز كم كان معاصرا، وكم بقي حديثا، وكأنما شيء لم يتغير في لبنان.

ويقول مخرج الفيلم سمير يوسف البالغ من العمر 28 عاما لـ«الشرق الأوسط»: «المرة الأولى التي سمعت فيها عن عمر الزعني كانت سنة 2001، حيث إنني تخرجت من برنامج (استوديو الفن) عن فئة المونولوج، وأخذت أبحث عمن عمل في لبنان في هذا المجال، فأخبروني عن الزعني، وقالوا لي إن كتابا عنه ألفه فاروق الجمال بمقدوري أن أعود إليه. وهكذا بدأت أتعرف عليه وعلى أغنياته. وعام 2007 وبعد أن تخرجت من الجامعة وبدأت تحضير الماجستير عرضت على أستاذي عدة مواضيع لفيلم التخرج كان من بينها الزعني، فاختار لي الزعني دون المواضيع الأخرى وبدأت العمل».

وجدير بالذكر أن عمر الزعني الذي ولد عام 1885 عانى الكثير من التهميش بسبب شعره الانتقادي اللاذع الذي لم يترك أحدا إلا وهجاه. ولم يكن اللبنانيون الجدد أكثر رأفة بالزعني من القدامى، فنسوه وغاب ذكره، إلى أن عاد بعض الفنانين إلى الاهتمام به في السنوات الأخيرة. فها هو سمير يوسف يعيده في فيلم وثائقي وأحمد قعبور أعاد غناء الكثير من أغنياته إحياء لذكراه في حفلات جابت الكثير من المناطق اللبنانية.

ويقول سمير يوسف إنه عانى من أجل إنجاز فيلمه لقلة المعلومات عن الزعني ويروي: «كنت أركب سيارات التاكسي وأسأل السائقين، إن كانوا يعرفون شيئا عن عمر الزعني. وصادف بعد طول سؤال أن أحدهم عرف أين كان منزله، وقادني إلى حي الزيدانية. وبدأت أسأل أهل الحي حتى أوصلوني إلى ابن أخيه. اكتشفت أن منزل الزعني هدم وأن ابن أخيه المختار سمير هو من تبقى من عائلته. فقد توفي ابنه محمد أما ابنته دلال فهي تعيش في القدس ولا يعرف أحد شيئا عنها. وفي منزل المختار عثرت على مكتب الزعني وأوراقه وبعض دفاتره وأقلامه. وأمدني أبن أخيه بوثائق وكاسيتات ومعلومات، لأنطلق في فيلمي».

فيلم «عمر» يجمع بين التوثيق والخيال، ويبدأ بمشهد نرى فيه شابا يجلس أمام جهاز كومبيوتر وتناديه أمه قائلة له: «انزل جيب مرطبان الكبيس من القبو يا سعيد». وسعيد اسم يغنيه الزعني كثيرا في أغنياته. وحين ينزل سعيد إلى القبو يلحظ تحت وعاء المخلل جريدة عليها عنوان عريض: «جددلي ولا تفزع» أدخلت عمر الزعني السجن، وإلى جانب العنوان رقم تليفون. فيتناول سماعة الهاتف التي إلى جانبه ويطلب الرقم ليكتشف أن شريط السماعة مقطوع. ولكن ما أن يرمي السماعة حتى يسمع صوتا يخرج منها يردد إحدى أغنيات الزعني: «شي غريب، شي عجيب، يا ما في الدنيا عجايب، يا ما في الدنيا غرايب». فيتناول السماعة ليستفسر من الصوت الخارج منها عن هويته، ويبدأ حوار بين سعيد وعمر الزعني، يسأله إن كان يشاهد حيث هو الفيديو كليبات الحديثة، ويستمع للأغنيات الجديدة وما آلت إليه الحال، فيجيب: «المبنى لا أساس ولا معنى، الأغاني غريبة. منتقدا الإباحية التي ترافقها. والفيلم بمجمله هو هذا الحوار الذي تتخلله شهادات في الزعني، وكلام بصوته وآراء له. وبمعنى آخر أن الفيلم عن عمر الزعني عام 2011 يستعيد ما كتبه هذا الفنان منذ عشرينات القرن الماضي، لنكتشف أنه صالح تماما لما نعيشه اليوم حيث يقول في إحدى أغنياته: (يا ديعانك يا بيروت، يا مناظر عالشاشة، يا خداعة وغشاشة، يا مصمودة بالتابوت، يا ديعانك يا بيروت)».

الفيلم الوثائقي يعتبره المخرج مجرد مقدمة أولية لفيلم طويل سينجزه عن الزعني، استطاع أن يجمع مادته وما زال ينتظر التمويل. الوثائقي من تمثل إيلي يوسف وسيناريو سمير يوسف بالاشتراك مع طوني يمين. وجدير بالذكر أن أسطوانة مدمجة كانت قد صدرت العام الماضي، جمعت فيها أغنيات لعمر الزعني يؤديها بصوته تعود للفترة بين 1920 - 1930، استطاع من خلالها الناس أن يتعرفوا على فنان كان قد طواه النسيان. ويأتي مجهود سمير يوسف في فيلمه الوثائقي لينضم إلى مجموعة الجهود المتفرقة والمبادرات الخاصة التي بذلت في السنوات الأخيرة لاستعادة الزعني قبل أن يطويه الزمن نهائيا، ويحرم الجيل الجديد من إرثه الثري.