الشباب والنخبة الثقافية.. خطوط التواصل مقطوعة

مثقفون سعوديون: أخطأنا في فهمهم.. وبعض المثقفين تعامل معهم باستعلاء

الشباب لا يجدون أنفسهم في كتابات المثقفين
TT

إلى أي مدى يفهم المثقفون رسالة الشباب العرب؟ برأي مجموعة من المثقفين السعوديين فإن النخبة الثقافية تعيش «غربة» تجاه طموحات الشباب الذين طالما خاطبتهم في أعمالها وكتاباتها.

وربما رسخت الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية البون الشاسع في علاقة المثقف بشريحة الشباب، وأوضحت أن أحدا لم يتمكن من أن يلتقط الخيط الذي يتجه به نحو الشباب، بل إن خطاب النخبة العربية حمل ضمنيا مدلولات مفادها أن شريحة الشباب قلبت ظهر المجن على رؤوس المثقفين، الذين ازدادوا مع تقادم الأيام عزلة، وتعمقت الفجوة بينهم وبين المثقفين.

الدكتور تركي الحمد، الكاتب السعودي المعروف، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأحداث التي شهدتها مصر وتونس بيّنت أنه فعلا يوجد بون كبير بين المثقفين وبين الشباب، وكانت نظرة المثقفين إلى وقت قريب تعتبر الشباب غير مؤهل لتحمل المسؤولية، وتعتبره غير مثقف، وليس لديه أي انتماء، وذلك لأن خلفية المثقفين الكبار هي خلفية آيديولوجية، وبالتالي كانت تعتبر الشباب الحالي غير مؤثر».

وأضاف الحمد: «حين نرى أن الثورة المصرية التي قام بها شباب، تمت عن طريق التقنية، وليس عن طريق جماعات أو أحزاب منظمة عقائديا، وليس لدى أولئك الشباب آيديولوجية مشتركة، فإن ذلك يظهر أن هناك تغيرا عميقا وفجوة واسعة في المجتمع العربي»، وقال إن ذلك «سيؤثر في المستقبل ولكن في نفس الوقت سيساهم في تغير نظرة المثقف، الذي كان ينظر إلى المجتمع وفق قناعات آيديولوجية».

وزاد الروائي الحمد: «الذي حصل في الواقع هو أن شباب التقنية وشباب ثورة الاتصالات الحديثة، شباب الـ(فيس بوك)، والـ(تويتر)، حركوا المشهد الثقافي بأعجوبة، وكان ذلك مفاجئا للمثقف التقليدي العربي، الذي عليه أن يعيد حساباته، والتفكير في دوره في هذا المجتمع، فلم يعد المثقف هو الوصي على المجتمع، وهو الذي يحدد له ما يصح وما لا يصح، وما يجوز وما لا يجوز، فقد أصبح للشباب نوع من الاستقلالية، والنظرة المستقلة، وهو ما برهن أن المثقفين بعيدون كل البعد عن تلك الشريحة».

وهل تكرس تلك الأحداث عزلة المثقفين؟ يجيب الحمد: «ليس بالضرورة. أتذكر عندما سقط الاتحاد السوفياتي كان هناك الكثير من الذين يؤمنون بالنظرية الماركسية، وانزووا نتيجة عدم تصديقهم لما حصل. والذي يحصل الآن أكبر من الذي حصل في أوروبا الشرقية، وسقوط الماركسية، وبالتالي فالكثير من المثقفين لا يعتقدون أن عصر الآيديولوجية انتهى. قد نشهد اليوم قيام عصر المثقف اللاآيديولوجي، الذي يبحث وينظر إلى مشكلات المجتمع، ويتفاعل معها، وهذه الأمور لا يعرفها سوى الشباب اليوم، وبالتالي فإن أغلبية من المثقفين العرب أصبحوا في حالة عزلة، لأنهم غير قادرين على تجديد تفكيرهم، وغير قادرين على تجديد عقولهم».

وينتقد الحمد الصورة المثالية التي يرسمها المثقفون لأنفسهم، «فنظرة المثقف كانت نظرة فوقية وأنه نبي العصر، ويجب أن يُتبع، وأن التغيير لا يمكن أن يأتي من أسفل طبقات المجتمع. ولم يكن هناك استيعاب لما يجري في العالم، فبقي على فوقيته، وفي قصره العاجي، إلى أن فاجأته الأحداث الحالية، فدعته إلى أمرين: إما إعادة التفكير في ما يقوله، وإما العزلة».

إلى ذلك قال الناقد السعودي حسين بافقيه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الشباب هم جزء من حركة الحياة الاعتيادية، وحين يرصد الناقد والمثقف والأديب حركة المجتمعات، والمفاصل التاريخية لأي بيئة عربية، لا بد أن يعرض لممثلي هذه المجتمع بجميع فئاته المختلفة، سواء كانوا شيوخا أو شبانا أو حتى أطفالا، مبينا أنه قد يكون لدى الأديب رؤى أدبية لحركة المجتمع دون أن يقصد أن يكون مؤرخا أو مصلحا اجتماعيا.

وأضاف بافقيه: «حين يكتب الأديب نصا أدبيا فقد يكون منحازا إلى فئة، وقد يركز النص على الروح الشبابية، أو قد يجنح للحديث عن المقاومة، ولا نستطيع نسيان أن كثيرا من الأدباء كتبوا إبداعاتهم المهمة وهم في الأساس من جيل الشباب، ولنا في أبي القاسم الشابي مثال، وهو الذي تغنت الجماهير التونسية العريضة في ثورتها بإبداعاته واستدعت أبياته الشهيرة».

واستشهد بافقيه بالشاعر المصري أمل دنقل، الذي توفي شابا، وقد كتب ملاحم شعرية كبيرة، كان أبرزها قصيدة «لا تصالح»، وهي تعبر عن وجهة نظر الوطن بصوت الشاعر الشاب، وكذلك صلاح عبد الصبور، ومحمد الثبيتي، الذي كتب جل إبداعاته في مرحلة الشباب، ومعظم الشعراء والمبدعين تجلت إبداعاتهم في سن مبكرة، وأحدثوا تغييرات جذرية على المستويات الثقافية والاجتماعية.

واعتبر بافقيه أن «روح الأمم لا تصدح إلا بصوت الشباب، والمثقفون عادة مجاهدون من أجل الأفكار، والمثقف الحقيقي ينتمي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والسلام».

واعترف بافقيه بوجود فجوة بين جيل الشباب والمثقفين، وفي مرحلة سابقة كانت المشكلة في أدبيات الفكر العربي الحديث، ما يسميه سعد الدين إبراهيم بتجسير الفجوة بين المثقف والسلطة، وكيف نرأب الصدع ما بين المثقف باعتباره منتجا للثقافة وبين السلطة.

وأبان الناقد السعودي أن السؤال الذي طرأ على السطح لاحقا هو العلاقة بين المثقف وشريحة الشباب، في وقت فوجئ فيه المثقفون العرب بعدم استطاعتهم أن يغيروا الواقع بكلماتهم، في حين كانت الرؤية تجاه الشباب بأنهم الفئة غير المنتجة، وليس لديها تصورات ثقافية وفكرية، في حين يقيس المثقفون الأشياء على حسب منظورهم فقط، متصورين أن منظورهم فقط هو الصحيح.

وقال بافقيه: «إن الشباب لم ينتج واقعا جديدا فقط، بل أنتج ثقافة جديدة، يعرفها المشهد العالمي برمته، والفجوة الناتجة لن يسدها ويرأبها إلا الأصوات الجديدة من الشباب وبأدواتهم المختلفة، عبر أدوات التواصل الاجتماعي، كالـ(فيس بوك) و(تويتر) وما إلا ذلك»، معتبرا أن الوسط الثقافي ما زال في طور المتأمل، في حركة هؤلاء المثقفين وصلتهم بالشباب.

من جهته قال الشاعر أحمد البوق، لـ«الشرق الأوسط»، إن التعميم دائما ما يحتمل الخطأ، و«لأنه من غير المعقول قياس الوسط الثقافي بنفس المكانة التي أفرزتها أوهام المثقفين»، وقال: «لقد اتضح أن شبكة الاتصالات الحديثة سرعت كثيرا من التواصل، لكن هذا التسريع أتى على حساب الواقع، فهناك الكثير الذين بنوا الأفكار والرؤى والتصورات من خلال الواقع الافتراضي، وليس من خلال الواقع الحقيقي، وهذا ما خلق فجوة».

وأضاف البوق: «المثقف الحقيقي موجود ولكن صوته ليس عاليا، مقارنة بالمثقفين المزيفين أو العاجيين، ولا أعتقد أن هذا المثقف قد غاب، ولكن لم ينل حظه من إتاحة الفرصة من المؤسسات الثقافية». وأبان البوق أنه من أجل أن يفرز أي مجتمع مثقفين حقيقيين فإنه يحتاج إلى وقت كافٍ.

وقال: «هناك من وصم الشباب العربي بأنه خاوٍ من المبادئ، ومنفلت من القيود والضوابط، لكن هذا الشباب أثبت أنه أكثر قدرة على المواكبة في صناعة المشاهد الثقافية، كما أثبت الشباب حبهم للثقافة والاطلاع، وهو ما برز في معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث ظهر إقبال الشباب على الكتاب باعتباره حاضنة للمعرفة».