الشاعر عيد الحجيلي: آمل أن يغدو الكتاب جزءا أصيلا من يوميات الناس

TT

يرى الشاعر عيد الحجيلي أن المقهى الثقافي يمكن أن يمثل توجّها لعصرنة الأدب والثقافة وحتى الكتاب نفسه، وليس لمن يُعنى بالأدب والثقافة إلا أن يباركه، ذلك لأنه يستند إلى إرث تاريخي، انطلق على الأرجح من المشرق العربي حين كانت المقاهي منبرا لرواة الملاحم الشعرية، والإنشاد الديني.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الصورة الأبهى والأعمق للمقاهي الثقافية تبلورت في فرنسا، إذ واكبت التطور الفكري والسياسي والاجتماعي والحراك الأدبي والفني منذ القرن الثامن عشر، حتى أصبحت مقرا مثاليا للمناشط الأدبية والثقافية، وشهدت ولادة الثورة الفرنسية والأفكار والمذاهب الفنية والأدبية والتيارات الآيديولوجية، وضجّت بالمناقشات والحوار والمجادلات، وظلت مصدر وحي وإلهام للشعراء والكتاب والرسامين، فتوشّحت لافتاتها بأسمائهم، وتخلّدت في نصوصهم ولوحاتهم، واغتدى بعضها، بعد حين من الحبر والدهر، معلما بارزا، وأثرا تاريخيا رفيعا».

وأضاف: «لعبت بعض المقاهي في العالم العربي دورا بيّنا في إثراء الحياة الأدبية والفكرية كمقاهي القاهرة، ومن أشهرها مقهى (الفيشاوي)، ومقهى (ريش) المتشاكل في اسمه وطرازه المعماري مع مقاهٍ أخرى في غير مكان».

واستدرك الحجيلي بالقول إن المقاهي الثقافية لن يكون لها دائما دور كبير في خدمة الثقافة والأدب والارتقاء بهما، وذلك لقلتها بالإضافة إلى تراجع وانحسار دور المقهى الثقافي المستمد في حقيقته من قامات رواده، وعبق أرواحهم الخلاقة، مشيرا إلى تولّي زمن أندريه بريتون ونجيب محفوظ وجان بول سارتر، وتغيّرت طبيعة العصر تحت وطأة نزعة مادية محمومة، وتشابه كوني مخيف، ولهاث تقني حثيث أسهم في انتقال اللقاءات الوضّاءة الحميمية والمناقشات من المقاهي الحقيقية إلى المقاهي الافتراضية عبر أرصفة الـ«فيس بوك» الفسيحة، ومواقع التواصل العابرة للغات والأمكنة.

ويضيف: «يمكن لمثل هذه المقاهي، على ندرتها، أن تكون رافدا نحيلا يسهم في ردم الهوّة العميقة بين اليومي في حياة المجتمع والحد الأدنى من الثقافة عبر المزج والمؤاخاة بين الترفيهي والثقافي في مكان واحد ذي استقطاب جماهيري، كما تسهم في الاستدراج إلى عادة القراءة المهجورة بصورة مفزعة في مجتمعنا، وفي دحض التصور المقولب عن الثقافة في الذهنية العامة، التي تربطها بقاعات الدروس والمناهج والمنابر والصوالين النخبوية، بالإضافة إلى تكريس مبدأ الثقافة المجانية في ظل عدم توافر المكتبات العامة في الأحياء السكنية».

وقال أيضا: «ليس بعيدا عن الشأن الثقافي أن يغتدي الكتاب جزءا أصيلا من يوميات الناس، ومكونا فاعلا في صيرورتهم الاجتماعية والحضارية، فلقد تراجع المفهوم النخبوي للثقافة في العالم الغربي منذ النصف الثاني من القرن المنصرم، وأصبحت صناعة تنتج بضاعة تستهلَك ككل السلع».

إن هي إلاّ تمنيات بأن نرى غير مقهى ثقافي يضاهي مقهى «هافانا» ببطن مكة الذي يسهم، ما استطاع، في الحراك الأدبي والثقافي، ويؤازر، بصورة عصرية وبعيدا عن قيود المؤسسات الرسمية، الجهد الذي تقوم به الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والجامعات والصوالين الأدبية والمهرجانات الثقافية الراتبة. وتمنيات أيضا أن يربو عدد المقاهي المحرضة على القراءة والمروّجة للمعرفة في أحياء مدننا كافة، لتستعيد الثقافة دورها بصفتها ضرورة وقيمة، ومعبرا باهيا إلى الحداثة والوعي.