هل يمكن أن يعشق الإنسان مرضه؟

كتاب خطر على القارئ العربي

TT

عنوان هذا الكتاب مثير ويغري بقراءته، خاصة أن عبارة «اعشق مرضك» مكتوبة بالأحمر العريض وسط الصفحة. ترى هل يمكن أن يعشق الإنسان مرضه؟

ككثيرين غيري وقعت في الفخ واشتريت الكتاب. من الصفحة الأولى يقول المؤلف بأن كتابه هذا يتمتع بقوة شافية وإنه استلم رسائل عديدة من قراء في مختلف أنحاء العالم يشكرونه على كتابه الذي شفاهم من أمراضهم وآلامهم.

الكتاب ببساطة عبارة عن صفحات من الدجل الأنيق، والمعلومات التي لا تستند إلى أي أساس منطقي وعلمي، فالكاتب يعتمد على حشو كتابه بشهادات طويلة ومملة لقصص نساء ورجال يحكون عن أمراضهم وكيف تغلبوا عليها بعد قراءة الكتاب. ولعله يعتقد أنه حين يحشو كتابه بشهادات عن بشر فإن القارئ يقتنع بالأفكار والمعلومات المغلوطة التي يمررها الكتاب، كما لو أن العقل العربي يحتاج لمزيد من التضليل! حتى تقدم له دور النشر كتبا مترجمة هابطة وتجارية، أتعجب أي لجنة استشارية تعتمد عليها بعض دور النشر كي تختار الكتب الأجنبية وتقوم بترجمتها إلى العربي، وأي جهد كبير بذله المترجم كي ينقل كتابا ضخما أكثر من 400 صفحة من القطع الكبير إلى اللغة العربية، كتابا شديد الأذى لعقل القارئ العربي المسكين الذي وقع في فخ عنوان جذاب. ونزداد عجبا حين نعرف أن مؤلف الكتاب طبيب!

من حسن الحظ أنني طبيبة وأدركت هول المغالطات الطبية المروّعة. تصوروا أن الدكتور فاليري يفسر الصداع، مثلا، بأنه تحذير من الجسم للإنسان لضرورة الانتباه إلى ذاته، وبأن الصداع تنبيه للإنسان من عقله الباطن بأنه يقوم بعمل ما خاطئ.

أما أورام المخ فيفسرها بأنها تصيب الأشخاص الذين يحاولون كبت الآخرين وإلزامهم بوجهات نظرهم، وبأنها تصيب الأشخاص الذين يرفضون تقبل عالم الآخرين وبأن هذا الرفض والسلوك العدواني تجاه الآخر هو الذي يسبب انتفاخ المخ والورم! وسبب السكتة الدماغية فهو الغيرة والكراهية! وبأن الغيرة القاتلة تؤدي للسكتة الدماغية والشلل! أما الصمم والطرش فسببهما على الأغلب، كما يدعي، عدم الرغبة في سماع أو استيعاب ما يقوله الآخرون. والسبب الرئيسي لذلك هو العناد والغطرسة والكبرياء، إذ تتكدس داخل الإنسان عدوانية هائلة تجاه العالم المحيط به مما يسبب ضعف السمع.

العين كانت لها الحصة الكبرى من الهذيان والخداع. تصوروا بأن المؤلف يفسر ظهور الدمل في الجفن بسبب النظرة الشريرة الحاقدة، وبأن الحقد على شخص ما يجعل العين تقدح شررا وتصاب بالدمل في الجفن!

أما الحَوَل، الذي يصيب الأطفال عادة، فسببه الخلاف بين الأم والأب، إذ حين يكون سلوك الأم مغايرا ومخالفا لسلوك الأب، فإن كلا من عيني الطفل تذهب باتجاه فيُصاب بالحَوَل!

ويفسر المؤلف أمراض القلب بإنها نتيجة كره الذات والمقربين، وبأن مرضى القلب يفتقدون إلى حب أنفسهم وحب الآخرين.

سأكتفي بهذا القدر من الهذيان، وأقول إن من يمتلك الجرأة على الاستخفاف بعقول الناس ومشاعرهم إلى هذا الحد، يجب أن نواجهه بكل جرأة حرصا على صحة الناس وعقولهم.

لقد ركزت هنا على النصف الثاني من الكتاب الذي يتناول موضوع المرض، أما نصفه الأول فلا يقل تضليلا للقارئ، إذ يتحدث عن أسباب الأمراض، وعلاقة الإنسان بالكون، بشكل لا يمت للعلم والطب بأي صلة، فهو يدعي أن الإنسان هو الذي يخلق المرض لنفسه، وأن الأفكار شكل من أشكال الطاقة، وعندما تكون الأفكار هدّامة مثل الاستياء والسخط والكراهية والإدانة فإنها ستنعكس أمراضا على مستوى الجسد.

واستنادا إليه، يمكن حصر أسباب الأمراض في الأسباب التالية:

1 - عدم فهم وإدراك معنى وهدف وغاية الحياة.

2 - عدم فهم ومراعاة القوانين الكونية.

3 - وجود أفكار هدّامة وانفعالات هدّامة في العقل الباطن والواعي للإنسان.

لكن «الدكتور» لا يقول لنا ما هو هدف الحياة من وجهة نظره، ولا يفسر لنا قصده بالقوانين الكونية وكيفية مراعاتها. إن الإنسان حين يفكر في السوء بالنسبة لنفسه أو للآخرين فإنه، كما يقول، يحرّض برنامجا في نفسه اسمه برنامج الهدم والخراب الذاتي لا أعرف كيف ابتكر هذه المصطلحات!

ليس كتاب «أسرار العقل الباطن» هو الوحيد المؤذي لعقل القارئ ومشاعره، بل هناك العديد من الكتب المشابهة التي تبيع أوهاما للناس، وتشوش نظرتهم للأمور، وتربك أحاسيسهم ومشاعرهم عن طريق حشو أدمغتهم بمعلومات مغلوطة لا تستند إلى العلم والمنطق والحقيقة، وعن طريق ابتزازهم عاطفيا بسرد عشرات من القصص المُزيفة المختلفة لبشر عانوا من كذا وكذا من الأمراض، ثم شفوا منها بعد قراءة هذه الكتب المزعومة.

إن كتاب أسرار العقل الباطن لا يتمتع بقوة شفائية بل بقوة تدميرية لعقل القارئ المسكين.

ثم، أليس من واجب دور النشر أن تدقق في الكتب التي تترجمها حرصا على عقل القارئ العربي المسكين يتعرض لأنواع مختلفة من الغزو الثقافي المضلل والمشوه؟