مليار كاتب ينشطون على الشبكة العنكبوتية

من هم؟ وكيف تغيرت معالم حياتنا بفضلهم؟

TT

وصل عدد الكتاب على الشبكة العنكبوتية إلى مليار إنسان، بينهم القياديون والمفكرون والصحافيون والناس العاديون. هؤلاء لكثرة عددهم، ولتأثيرهم الكبير على مجريات الأحداث، غيروا مفاهيم كثيرة وأدخلونا عالما بملامح لم نكن نعرفها. كيف تغيرنا بعد أن أصبحنا كلنا كتابا مؤهلين لشهرة قد تأتينا في أي لحظة؟ وما هي مفاجآت المستقبل المتوقعة؟

الشهر الماضي، أصدر دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن (والمسؤول عن غزو أفغانستان، والعراق، وبقية أنواع الحروب ضد الإرهاب) كتاب مذكراته. في عصر الإنترنت، جرت العادة أن دور النشر الكبرى تصدر مذكرات كبار المسؤولين الأميركيين، ثم تمضي شهور قبل أن تنشر على مواقع الإنترنت، مثل «أمازون» و«بوردرز» و«بارنز أند نوبل». كان هذا يحدث لأكثر من سبب: أولا: ليعطوا دور النشر فرصا كافية لبيع كتبهم في المكتبات. ثانيا: ليربحوا هم أنفسهم. ثالثا: حتى عندما تنشر كتبهم على الإنترنت، كانت للقراءة فقط، وليس لطباعتها ونشرها في مواقع أخرى.

ثم جاءت «قنبلة» رامسفيلد. فقد نشرت دار «سكربنار» كتابه في نيويورك، ثم نشر هو الكتاب كله على موقعه الإنترنتي. ليس ذلك فحسب، بل نشر على موقعه أيضا وثائق تاريخية كان قد جمعها عندما كان وزيرا للدفاع، ومواضيع وصورا شخصية، منذ أن كان طفلا.

الأسبوع الماضي، وخلال مقابلة على تلفزيون «إن بي سي»، سئل رامسفيلد عن هذا. وقال: «هناك ما هو معروف، وهناك غير المعروف. المعروف هنا هو الإنترنت، وغير المعروف هو أبعاد الإنترنت». هذه إشارة منه إلى اسم كتابه «المعروف وغير المعروف». وهو من جملة كان قالها أيام غزو العراق، عن تخبط القوات الأميركية وهي تغزو بلدا لا تعرف أشياء كثيرة عنه وعن شعبه ودينه.

وها هو رامسفيلد يطبق ذلك على الإنترنت. قال: «نعرف أن الإنترنت فتحت مجالات نشر جديدة. لكننا لا نعرف بعد أبعادها، وأنا أحاول أن أفعل».

وسئل عن خسارة دخله من كتابه لأن بعض الناس، أو ربما كثرا، لن يشتروه إذا وجدوه على الإنترنت. فقال بطريقته الاستعلائية التي اشتهر بها خلال مؤتمراته الصحافية أيام غزو العراق: «الذين يهتمون بالتفاصيل الصغيرة ينسون الصورة الكبيرة». وقصد أن هدفه يتجاوز الربح المادي. 

قبل أن يبدأ الإنترنت في نشر الكتب والتقارير، كانت هذه المؤلفات تنشر في أميركا، على أقراص مدمجة (سي دي). وفي الحالتين كان الهدف تجاوز دور النشر، لأكثر من سبب:

أولا: لأن وقتا طويلا يمضي حتى يصل الكتاب إلى المكتبات.

ثانيا: يقتصر النشر على عدد قليل من السياسيين والمشاهير والخبراء، فيما يحرم الباقون.

ثالثا: تركز دور النشر على زيادة أرباحها قبل أرباح الكتاب أنفسهم.

رابعا: بسبب ارتفاع أسعار كثير من الكتب، التي لا يقدر كثير من الناس على شرائها.

خامسا: لأسباب جغرافية واقتصادية وعملية، إذ لا يقدر عدد كبير من الناس في كل العالم (وخاصة في دول العالم الثالث) على شراء كتب أو قراءتها أو حتى السماع بها.

وعن هذا كتب غلين اليسون، خبير في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (إم إي تي): «أحيانا تمر سنتان من تاريخ كتابة كتاب حتى صدوره في نيويورك، وخمس سنوات حتى صدروه في لغة غير اللغة الإنجليزية. وأحيانا يصير الموضوع قديما بعد سبع سنوات. وينطبق هذا على الكتب السياسية والتقارير العلمية، وحتى الروايات».

وأضاف أن ثورة الإنترنت، قبل أن يستفيد منها مشاهير مثل وزير الدفاع السابق رامسفيلد، استفاد منها الذين يكتبون كتبا وروايات جنسية. وفي الوقت الحاضر، تعتبر المواقع الجنسية الأكثر شهرة وإقبالا (وربحا)، خاصة تلك التي تنشر الصور وأفلام الفيديو.

وقال إن النشر على الإنترنت ثلاثة أنواع: أولا: الكتب والتقارير، ثانيا: الصفحات والمواقع الخاصة، ثالثا: الرسائل.

كل أنواع النشر بدأت كتابة، ثم أضافت الصور، ثم أضافت الفيديو. وقال ستيف لورنس، خبير إنترنت في مركز «إن سي إي» في برنستون (ولاية نيوجيرسي): «اليوم، صار كل واحد كاتبا وناشرا. غدا، سيصير كل واحد مخرجا سينمائيا. سيكتب القصة، والسيناريو، ويصور المناظر، وربما ينتج ويوزع أفلامه ويربح من ورائها».

وأضاف: «في القرن العشرين كان النشر كتابا، وفي القرن الحادي والعشرين صار النشر كتابة وصورا وصوتا وفيديو». وسمى الناشرين الجدد بـ«البدائيين التكنولوجيين.» وقال إنهم أثروا في أكثر من مجال:

أولا: صدرت قوانين جديدة عن حقوق الطبع والنشر، وعن الاقتباس والسرقة، وعن الحرية الجنسية (لا حدود لها غير الجنس مع الأطفال وعنهم).

ثانيا: صدرت قوانين جديدة عن الحكومات الديكتاتورية لحظر حرية الإنترنت (تحت أسماء براقة، لكنها كاذبة، مثل الأمن القومي والعادات والتقاليد).

ثالثا: ظهرت «الهوية الإنترنيتية» التي تجعل الإنسان أكثر تحضرا، وتطورا، وحرية، وفردية، وثقة في نفسه.

وأضاف لورنس: «بفضل الإنترنت، يشهد القرن الحادي والعشرون، لأول مرة في التاريخ، إنسان الإنترنت، الأكثر حرية، والأكثر فردية، حتى إذا حظرت حكومات ديكتاتورية حريته، فهي لن تقدر على ذلك. وبهذا، انعكست الآية، فبدلا من أن تقود الحرية إلى الفردية، يمكن أن تقود الفردية إلى الحرية». وقال إن الناس يجب أن يغيروا تفسيرهم لكلمة «فردية». ليست هي الانعزالية والأنانية، ولكنها الاستقلالية. ليست التمرد على الجماعة، ولكن الثقة في النفس.

بالنسبة للحكومات الديكتاتورية، يجب أن تخاف من الإنترنت، ليس فقط لأنه يعطي الناس حرية الكتابة والنشر، ولكن لأنه، أيضا، يخلق نوعا جديدا من الناس (وخاصة الشباب)».

يقول خبراء علم نفس إن التفكير العميق سبب رئيسي للإبداع: الفني والعلمي والسياسي وغيره. وأيضا، يقولون إن أكثر الذين يريدون الكتابة والنشر على الإنترنت هم الذين يميلون نحو الخجل والابتعاد عن الآخرين، وذلك لأكثر من سبب:

أولا: يخافون إحراجا أو عدم القدرة على الكلام.

ثانيا: حتى الذين يتكلمون، يخشون عدم القدرة على الكلام الفصيح.

ثالثا: الذين يتكلمون بفصاحة، يخافون عدم احترام الناس لهم بسبب ألوانهم أو أديانهم أو أوطانهم.

وبات معلوما أن نصف الذين يكتبون وينشرون على الإنترنت يفعلون ذلك على صفحات أو مواقع خاصة بهم، ساعدتهم على ذلك ظاهرة «البلوغ». أصل الكلمة «ويب لوغ» (الكتابة على الإنترنت). وأول من استعملها كان الأميركي جوب بارغر (سنة 1997) وصارت اسما وفعلا ثم صارت أنواعا: فوتو بلوغ (صور)، فيديو بلوغ (فيديو)، مايكرو بلوغ (كلمات قليلة، مثل «تويتر»)، الخ...

وكتبت عن هذا جيسيلا كارا في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه، حسب إحصائية نشرت في بداية هذه السنة، توجد مائة وستون مليون صفحة بلوغ، بعضها مواقع شخصية، وبعضها مواقع جماعات، وبعضها مواقع مؤسسات (صحف، إذاعات، تلفزيونات، جامعات، الخ...).

وأصل كلمة مدونة هو «داياري» ونشرت أول مدونة سنة 1998، نشرها الأميركي بروس البيلسون. وكانت أول مدونة تنشر تعليقا من قارئ. وغيرت حرب العراق وظيفة البلوغات من كتابة تعليقات سياسية (بأنواعها المختلفة) إلى كتابة تجارب شخصية.

يمكن القول إن نسبة كبيرة من الذين يكتبون على الإنترنت ليسوا صحافيين مهنيين، لكن، نجح بعضهم فيما لم ينجح فيه المهنيون: سنة 2002، حقق مواطن عادي سبقا صحافيا عندما نشر تصريحات السيناتور الأميركي لوت التي فيها نقد غير مباشر للسود. وهبت عاصفة على واشنطن، واضطر الرجل لأن يستقيل من منصبه كزعيم للأغلبية في مجلس الشيوخ. وفي سنة 2004، نشر مواطن عادي وثيقة عن تهرب الرئيس السابق بوش الابن من الخدمة العسكرية عندما كان شابا، تبين أنها مزورة. واضطر دان راثار، كبير مذيعي تلفزيون «سي بي إس» الذي قدم الوثيقة، إلى الاستقالة.

غير أن قصب السبق في كتابة آراء سياسية رئيسية على الإنترنت يعود إلى سنة 2003، إلى كل من هوارد دين (رئيس الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت)، ووليسلي كلارك (جنرال متقاعد ترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي)، وبعدهما صار ربما كل سياسي يكتب في موقع خاص به.

اليوم يقدر عدد الذين يكتبون على الإنترنت بمليار شخص (منهم نصف مليار على موقع «فيس بوك»). وصار يوم 31 أغسطس (آب) يوم التعارف بين هؤلاء.

الشهر الماضي، انعقدت ندوة في «نادي الصحافة الوطني» في واشنطن حول «خطر» الإنترنت على الصحافيين. وحسب معلومات في الندوة:

أولا: أربعون في المائة من الذين يكتبون وينشرون على الإنترنت يسمون أنفسهم «كتاب مدونات».

ثانيا: عشرون في المائة يسمون أنفسهم «كتابا».

ثالثا: عشرة في المائة فقط يسمون أنفسهم «صحافيين».

رابعا: البقية يسمون أنفسهم أسماء أخرى، أو خليطا من الأسماء السابقة.

وتحدث في الندوة صحافي قال إنه خائف بسبب انهيار صناعة الصحف المطبوعة في الولايات المتحدة. وتحدث آخر قال إنه على الرغم من أن كثيرا من الذين يكتبون في الإنترنت يقولون إنهم «كتاب» أو «صحافيون»، فالحقيقة هي أن الصحافيين هم أكثر من يكتب على الإنترنت كتابات منظمة ومحترمة، وأن الباقين يكتبون حسب ظروفهم ومصالحهم. واتهم هؤلاء بأنهم لا يلتزمون بقواعد العمل الصحافي، وخاصة النزاهة.

سنة 2006، وضعت مجلة «تايم» الإنترنت على غلافها وسمت ملفها: «أنت: شخصية العام». إشارة إلى تزايد أهمية الإنترنت، وتزايد أهمية الذين يستعملونه. (في ذلك الوقت، كان عددهم خمس عددهم اليوم).

وبفضل الإنترنت، اشتهر أناس ما كانوا مشهورين، وصار من لم يدرسوا الأدب أو اللغة أو الفلسفة كتابا ناجحين. ومنذ سنة 2005، صارت توزع جائزة سنوية لأحسن كاتب على الإنترنت. وسنة 2010، صار كتاب شخص يدعى تاكر ماكس من أنجح الكتب على قائمة صحيفة «نيويورك تايمز». وسنة 2009، كتبت سيدة تدعى «جولي» كتابا اعتمادا على كتاباتها الإنترنتية. ثم صار الكتاب فيلما اسمه «جولي وجوليا».

لكن، بعض كتابات الإنترنت تدخل أصحابها في مشكلات: سنة 2009، فصلت شركة خطوط «دلتا» الجوية المضيفة إيلين سايمونيتي لأنها نشرت على صفحتها «مدونة ملكة السماء» صورة لها بلباس المضيفة. وعلى الرغم من أنها لم تكتب تعليقا سلبيا مع الصورة، كتب زوار للموقع تعليقات سلبية أغضبت الشركة.

وسنة 2008، غرّم اتحاد كرة السلة الأميركي صاحب نادي «مافيريك» لكرة السلة في دالاس (ولاية تكساس) لأنه شتم صاحب ناد منافس. وعلى الرغم من أن الدستور الأميركي لا يتشدد فيما يخص الشتائم ويعتبرها جزءا من حرية التعبير، قال اتحاد كرة السلة إن الشتائم وسط أصحاب الأندية تسيء إلى سمعة الاتحاد، واللعبة، واللاعبين، والمشجعين. وسنة 2008 أيضا، فصلت شركة «غوغل» مارك جين لأنه نشر أسرارا تكنولوجية عن اختراع جديد كانت تخطط الشركة لإصداره. وسنة 2010، نشرت جيسيكا كاتلر، سكرتيرة في الكونغرس، على موقعها «الواشنطنية اللعوب» أسرار علاقاتها الجنسية مع مشاهير في الكونغرس، وصارت المعلومات كتابا، وصار الكتاب فيلما سينمائيا.