المثقف اليوم لا يمارس التجديد والتطور الفكري.. ودعاة الجمود يسيطرون على المشهد

د. ثريا العريض: «المثقف» سطحي الثقافة لا يختلف عن المجتمع في أفعاله وممارساته

TT

* في مداخلتها، تقول الدكتور ثريا العريض، الشاعرة المعروفة، إن هناك حاجة لتحديد مفهوم المثقف عند الحديث عن الدور الذي يلعبه.

وتقول: «لا شيء في ساحتنا الإنسانية اليوم - وليس فقط العربية أو السعودية - أكثر ضبابية من معنى الثقافة ومصطلح المثقف. مصطلح (المثقف) ما زال فضفاضا وهلاميا ويمكن أن يتمظهر به كثير من الراغبين في حمله دون أن يملكون أي أهلية حقيقة سوى مهارة الكلام».

وتقول العريض: «الإشكالية الأصلية هي أننا اليوم لا اتفاق بيننا على ما يعنيه مصطلح مثقف. فإذا كانت الثقافة هي المقدرة اللغوية والمعرفة التراكمية المتسعة للكثير من المعلومات والقدرة على التنظير فإن ذلك لا يكفي».

الثقافة الحقيقية هي الممارسة الفعلية للمعرفة وبصورة عفوية معتادة في الحياة اليومية: «أي لا يمكن أن يكون مثقفا فعلا من يعرف تفاصيل حقوق الإنسان، ولكنه يمارس العنصرية ضد جاره, أو الطائفية ضد أتباع الطوائف الأخرى, أو العنف الأسري ضد زوجته وأخواته وأولاده. وهذا هو السائد مع الأسف؛ (المثقف) سطحي الثقافة لا يختلف عن المجتمع في أفعاله وممارساته، بل فقط فيما ينظَر له من المعرفة النخبوية.

وفي الحديث عما تعنيه الثقافة من المسؤوليات والحقوق، في تصرفات وعلاقة الفرد بالمجتمع. نلاحظ أنه - مع الأسف - على مدى العقود القليلة التي انتشر فيها التعليم العام في منطقتنا بقي الحق في المطالبة بلقب (مثقف) حقا نسبيا سطحيا أي عبر مقارنة معرفة الفرد بالسائد في الجيل كله ومستواه من المعرفة: في بدايات القرن كان يكفي لكي يعتبر المرء مثقفا أن يكون قادرا على القراءة والكتابة ومتابعة ما يكتب في الساحات الصحافية العربية. وفي منتصف القرن ربما كان مطلوبا لكي يعتبر المرء نفسه مثقفا أن يكون قد قرأ من الكتب عددا يتجاوز عشرين كتابا جادا لمؤلفين عرب أو مترجمة ثم أن يكون ألف كتابا. والمعرفة عندنا قد تكون تخصصية كالطب والهندسة، وقد تكون تبحرا في الكتب؛ ولكن الواقع أننا نقصر لقب مثقف على المتبحرين في عموم القراءات النظرية وليس التخصصية.

وتقول: «الأهم من كل هذا - في رأيي - أن تعريفنا للثقافة تجاهل جانبا مهما، وهو تميز الممارسة الفردية! لم يكن للأخلاق الفردية أو أدبيات التعامل مع الغير موقع في استحقاق نخبوية الثقافة. ولذلك لم يتعد تأثير النخبة المثقفة في غيرهم من أفراد المجتمع مستوى إثارة الإعجاب بمهارتهم ونجوميتهم وربما رغبة التشبه بهم من حيث القراءة والتأليف».

وعند الحديث عمن يرود المجتمع، تقول الدكتورة العريض: «الريادة هي ترسيخ الجديد في الفعل، والمثقف هو من نتوقع منه أن يرود التجديد والتطور الفكري والتعاملي في المجتمع. ولكن هذا ليس ما يحدث! من يسير تصرف المجتمع هم المحتمون بقدسية الشرعية والمتشبثون بحرمتها, وهم أيضا فئة في الغالب قلما تسعى إلى التجديد، بل ربما تحارب ممارسة إبداع الجديد وترسيخه، وإن ظلت تتشبث بموقع الأقدر على قيادة المجتمع وتحديد تصرفاته».

وتضيف: «أما غيرهم من المثقفين فلا يربطون أفعالهم بأقوالهم وقد ألغوا مسؤولية الريادة من قاموس خياراتهم. ولو تابعت ما يحدث اليوم من المد والجزر في الساحة لوجدت التجديد الحقيقي أتى من الملك عبد الله مباشرة وجابهه اعتراض المتشددين ضد أي تطور.. في حين أن من يعتبرون أنفسهم رموز الثقافة يكتفون بالمطالبة بأن يكون صانع القرار هو من يفرض التغيير في تعاملات الأفراد في المجتمع بفرمان وقرار رسمي يقرر استجابة عامة المجتمع. بينما صانع القرار يعلن أن التغيير أو التطور في المجتمع مسألة تقبّل من الناس قبل أن يكون قرارا رسميا. أي أننا ندور في حلقة مفرغة وكل طرف يلقي بمسؤولية الريادة على آخر. أما عموم الشعب والمجتمع بفئاته المختلفة فلا يهمه التناقض بين تفاعلات الفرد - بما في ذلك الفرد المصنف مثقفا – وممارساته، وبين القيم والمثاليات التي يعلن احترامه لها ولكنه يتصرف في حياته اليومية بنقيضها دون أن تطرف له عين مدعوما بقوة العرف».