جدل حول علاقة المثقف بالسلطة في فرنسا

عشق ساركوزي للصحافة ومصادقة أهلها يؤجج الأسئلة

الطاهر بن جلون
TT

للصحافي الفرنسي الكبير إدوي بلونيل (مسؤول كبير في صحيفة «لوموند»، سابقا، ومدير موقع «ميديا بارت»، حاليا) رأي في علاقة المثقف والصحافي بدائرة القرار، أي بالسياسي حين يمارس السلطة. وهو يرى أنه من أجل المحافظة على الحرية المطلوبة للصحافة، باعتبارها سلطة موازية للسلطة السياسية، لا يجب على الصحافي أن يصاحب رجل السياسة، وهو يقصد الصحافيين الذين يعبرون عن سعادتهم بتناول العشاء مع رئيس الجمهورية ساركوزي.

يعرف إدوي بلونيل، مثل كثيرين، أن السلطة تحاول إغواء الصحافيين والمثقفين. ويعرف بلونيل، أيضا، أن نيكولا ساركوزي مفتون بالصحافة والصحافيين، والكثيرون منهم صاحبوه ونالوا بعض اعترافاته وأسراره ودبجوا كتبا. ومن هنا فإن التواطؤ ممكن، والحرية لن تكون سوى الخاسرة.

وفي هذه الأيام ظهرت كتب عديدة تتحدث عن علاقة ساركوزي بالصحافيين الفرنسيين ودرجة التهديد التي يسلطها عليهم والاحتقار أحيانا التي يواجههم به، وهو ما يدفع الكثيرين إلى السقوط في نوع من المازوشية التي تقترب من العبودية. ومن بين هذه الكتب، كتاب فرانز أوليفيي جيزبيرت: «السيد الرئيس.. مشاهد من الحياة السياسية»، وكتاب نيكولا دوميناك وموريس زافران: «ما كان يتوجب على ساركوزي ألا يقوله لنا أبدا»، وهما كتابان لا يهادنان الرئيس.

صحيح أن العلاقة ليست بسيطة وسهلة في احتكاك الصحافي أو المثقف بالسياسي، لكن يجب توافر حد أدنى من احترام أحدهما لحقوق وحدود ومحرمات الآخر.

ولعل مثالين يحضران بقوة، في فرنسا، هذه الأيام، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، عن هذا الموضوع: المثال الأول هو اللقاء الشهير الذي تم قبيل انتخابات 2007 بين الفيلسوف ميشيل أونفراي والمرشح ساركوزي، وكشف اللقاء عن حقيقة أن الفيلسوف الحقيقي والمستقل ليس له ما يخسره، وظهر لنا ساركوزي على حقيقته: مرشح بعيد عن الثقافة، غارق في أوهام غير علمية من قبيل اعتقاده بأن وراء الأشخاص الذين ينتحرون والذين لهم ميول شذوذ أسبابا وراثية وجينية.

والمثال الثاني هو المقال الذي كتبه الطاهر بن جلون، مؤخرا، عن لقائه مع آخرين بالرئيس نيكولا ساركوزي، وكان بعنوان «رئيس سعيد»، ونكتشف، أو ما يكتشفه الروائي بن جلون نفسه، أن الرئيس سيترشح للمرة الثانية، وكأنه يكشف عن سر دفين، في حين أن فرنسا كلها تعرف بالأمر. لم يسأل الكاتب الذي فضل سنة 1987 إهداء «الغونكور» للملك الحسن الثاني في حين كان المئات من السجناء السياسيين والعسكريين يصارعون الموت في سجون قروسطوية رهيبة، عن الدوافع الفرنسية المقيتة للتهجم على الإسلام والمسلمين (برقع، هوية وطنية، علمانية إلخ) مع الاقتراب من كل استحقاق انتخابي. هذا الأمر يتصدى له مثقفون آخرون، ليس بينهم بن جلون! ويبقى السؤال عن صحة العلاقة بين الصحافي والسياسي مفتوحا والحوار مستمرا.