شاعر سعودي يكتب قصائد «الهايكو»

الشاعر عيد الحجيلي لـ «الشرق الأوسط» : أسعى للانعتاق من سطوة الفراغ

عيد الحجيلي
TT

تميّز الشاعر السعودي، عيد الحجيلي، بتطويره تجربة شعرية يجري تكثيفها في لافتات قصيرة، على طريقة قصائد «الهايكو» الياباني، أو قصيدة «الومضة»، يبرز ذلك في ديوانه «قامة تتلعثم» كما في معظم قصائد مجموعته الشعرية «جوامع الكمد»، وبالإضافة لقصرها، فهي قصائد تعتمد على اكتشاف أسرار النفس وتلتمس من العرفان طريقا للوصول عالم الروح، الحجيلي يمتلك قدرة على تقديم عبارات تحمل مضامين ودلائل ذات كثافة عالية. ومن خلال أشعاره يحاول أن يمارس هواية البحث عن ذاته.

صدر لعيد عبد الله الحجيلي، مجموعتان شعريتان هما: «قامة تتلعثم» عن دار «شرقيات» بالقاهرة (2004)، و«جوامع الكَمِد» عن الدار العربية للعلوم ببيروت (2009). كما صدرت دراسة عن أعماله في كتاب «مكونات الشعرية في ديوان (قامة تتلعثم)» للدكتورة أسماء أبو بكر من إصدارات «نادي تبوك الأدبي» (2010)، وهو عضو مجلس إدارة النادي الأدبي في المدينة المنورة.

وفي ما يلي حوار «الشرق الأوسط» في الرياض مع عيد الحجيلي:

> كيف تنظر إلى واقع الشعر في السعودية في ضوء التجربة التجديدية؟

- يتّسم المشهد الشعري في السعودية، الذي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن محيطه العربي، بالتميز من حيث اللغة والصوغ الفني، وكثير من السمات الفنية لفتَتْ الأعناق إليه، ونالت اهتمام وإعجاب المتابعين للحركة الشعرية في السعودية، كما يتّسم بالثراء المتجسد في تمظهراته الفنية وتنويعاته المتعددة في كل الأطياف الشعرية المتضافرة في تكوين ملامح المشهد، وقد كان شعر التفعيلة في الثمانينات الميلادية من القرن المنصرم رأس الحربة المناهضة للجمود والتقليد، وحامل لواء التجديد والحداثة الفنية، والخيار الفني الأظهر، بالإضافة إلى التنامي الكمي، الذي سيسفر بالضرورة عن تجارب شعرية جديدة، تنم عن روح المكان وامتداده التاريخي والحضاري، وانشغالات إنسانه الخاصة والعامة ولواعجه وتطلعاته.

> تتميز نصوصك الشعرية بقصرها وكثافتها اللغوية في مفردات محددة.. هل نتوقع أن تتحول نصوص الشعر إلى برقيات خاطفة؟

- تلك سمة جُلّ ما نشرتُ في السنوات الأخيرة، فمعظم قصائد ديوان «قامة تتلعثم» قصيرة، أما ديوان «جوامع الكَمِد» فهو كتاب شعري يشتمل فقط على قصائد «الهايكو» أو «الومضة»، المنضوية عبر أبوابه الثلاثة تحت سماء حقل دلالي واحد بفضائه الفسيح وظلاله المتعددة.. ولعل في العنوان المتعالق مع مفهوم «جوامع الكَلِم» في الحديث النبوي الشريف إيماءة إلى المحتوى، ومحاولة للاستلاف والتحاقل بين مفهومين متشاكلين على الرغم من انتمائهما إلى حقلين معرفيين متباعدين.

وفي تصوري المستند إلى التجربة والمكابدة أن قصيدة الومضة صعبة الاقتناص، بعيدة المنال، عصية على الكتابة على الرغم من بساطتها الظاهرية التي قد توهم بسهولة انكتابها.. وما يميزها، من جانب آخر، أنها قريبة من روح العصر، وإيقاعه الحثيث.. ولها حظ وافر في الاستقطاب القرائي، وفي الاحتفاء المنبري، والرواج والسيرورة.

> هل يمكن أن تتحرر القصيدة بذاتها وتستقل بتجربتها، وتخلق بصمتها الخاصة..؟

- لا وجود للاستقلالية الكلية للقصيدة، فهي مستحيلة وغير واقعية، إذ لا يمكن أن تكون نبتا شيطانيا، وقد عبر شعراء العربية القدماء عن ذلك بغير صيغة.. وفي غير عصر ومكان.. ولا يعني ذلك انتفاء الصوت الخاص، أو البصمة الذاتية للمبدع الحق.. فالأسد، كما قيل، مجموعة من الخراف المهضومة.

أما التشابه المتولد من التحرر فهو نتيجة في حقيقة الأمر للتحرر من كل شيء، ومن جوهر الشعر ذاته، وقيمته ومعناه.. وهو تشابه في الرداءة واللاشعر والزيف المتناسل من منابر النشر الإلكترونية وإيهاماتها الفادحة، ودور النشر المعنية بقبض ثمن ما تطبعه بصرف النظر عن قيمته ومحتواه.

> هل لا يزال الشعر يمثل جاذبية للجيل الجديد في عصر تقنيات الاتصال؟

- لا أرى في الوسائل الحديثة تحديا إضافيا يواجه الأدب والشعر أو عائقا يصد الناس عن الشعر.. بل هي أوعية جديدة، وقنوات عصرية تسهم في خدمة الشعر وإشاعته، والترويج له، وإيصاله، بعيدا عن الوصاية والرقابة وبسرعة فائقة، إلى أصقاع الكون كافة، وإلى أعداد هائلة بغير طريقة ووسيلة.

وسيظل الشعر، وغيره من الفنون، فنا نخبويا، بصرف النظر عن متغيرات العصر، وتعاظم النزعة المادية أو بوصلة الاتجاهات القرائية، وتقليعة الأزمنة الفنية.

> هل ترى أن عصر الاتصالات ألغى مكانة القصيدة الكلاسيكية؟

- لا شيء يلغي شيئا تحت ظلال وجوده، ولا نهايات حتمية وحثيثة. وما من مآزق، في أحايين كثيرة، إلا في تصوراتنا الذهنية؛ فما زال المذياع، على سبيل المثال، على الرغم من ثورة الاتصالات، والوسائط المتعددة، والبث الفضائي.. يقوم بدوره، ولم يتقاعد بعد من أداء واجباته.. ومثله البريد اليدوي التقليدي والكتاب الورقي والقلم وغيره مما نظن إزاحته وإقصاءه، ونتحين الموعد القطعي لمواراته وفنائه.. وهاهي القصيدة الكلاسيكية، في تموضعها الأحدث، تتخذ مجلسها، وتتردى إهابها الزاهي على أرصفة «فيس بوك» الأنيقة، كما تتنود في شوارع مدننا العربية الثائرة، وتفيض مع هتافات الثائرين كحَبب طليق.

> في ديوانك «قامة تتلعثم» مزجت بين الأصالة والحداثة..

- كل الأساليب الفنية والأشكال والطرق الإبداعية والتقنيات الكتابية مطروقة أو غير مطروقة تنطوي على مقومات النجاح ودواعي الفشل في آن، فلا يمكن الحكم عليها إلا من خلال النسيج الإبداعي الكلي المتشكل في صورته النهائية من المكونات الفنية كافة، عبر آلية إبداعية طليقة تستلهم التجربة الأصيلة وتسعى، أبد الخلق، إلى منابت الدهشة ومالا يُخامِر أو يُنتظَر، لتنم عن روح المبدع وعصره، وقدرته على اهتضام معطيات أسلافه، ودرجة حذقه وإخلاصه، كما يتضح من خلالها نجاح أو فشل تلكم الأساليب والطرق على مبعدة من التمذهب الفني، وخطوطه العريضة.

> كيف جرى استقبال ديوان «قامة تتلعثم» من قبل النقاد؟

- حظي ديوان «قامة تتلعثم» على عدد غير قليل من القراءات والدراسات والمراجعات النقدية، تناولت مجموعة منها، العنوان، كما تفردت إحدى المقالات بالحديث عن العنوان فقط عبر مساءلة القراءات الأخرى، وتقديم قراءة مختلفة.

> ثمة رؤية فلسفية للذات في أنحاء ديوان «قامة تتلعثم»؛ كيف تنظر إلى ذلك؟

- مجابهة الخواء، ومناجزة الدمامة، والانعتاق من سطوة الفراغ السحيق، والانجدال في معارج الأحلام الطليقة، ليست إلا بحثا دؤوبا عن الذات في اكتمالها الباهي، ومعناها الحق، وصورتها الأجلى، ومقامها الأرفع، وكينونتها المرتجاة.. وتلكم غاية غايات الفنون بصورها وأشكالها كافة.

فالطمأنينة، والنزوع إلى المهادنة، والتلفع بغشاوة الرضا الذميم ألد أعداء الإبداع، وأظهر أسباب التلاشي، والصراط البهيم المؤدي إلى السكون والانمحاء.

نصوص من شعر عيد الحجيلي

(شاعر)

بعدما شربت عمره الكلماتْ

قيل ماتْ

)ذكرى)

فرّ من صدره طائر غردٌ

زرع الصبر في جوفه

وردة من ظلامْ

هائما

نثر الريش في دربها اللولبي

وقشّر آفاقها بالغناء

بعد عام

أو ثلاثة أعوام

أو ...

عاد يلتحف الصمت والبرد..

يحمل ذكرى جناحين

ضاعا بجنح الزحام

(حصاد)

كلما نضجت فكرة

في عذوق السهر

وجد الثلج مسترخيا

في سرير الحروف

(موازنة)

عيناها

نافذتا سبقٍ مغرورْ

عيناه

تعيثان في الأرض حزنا

كقبرين في طلل مهجورْ

(مسافة)

بين باب القصيد

ونافذة الحلم

تمتدّ مقبرة الشعراء

)مدى)

وجهها وطنٌ باذخٌ

غيمة ناعمة

وأنا أتأبّط خيمة قلبي

وأرتق فجوات منفاي

بالصمت والأغنيات

وما ثمّ غير الرياح السوافي

وهمهمة السابلة

كيف لي أن أمدّ جسور دمي

والمدى هوّة باردة؟!