كتب جديدة عن الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2012

غلاف «مقتطفات من حياة متقاسمة»
TT

إضافة إلى كل الكتب التي صدرت عن الراحل فرانسوا ميتران، بعد وفاته، والتي كانت من توقيع مقربين إليه، مستشارين ووزراء وأعضاء الحزب ومن صحافيين لا يكنون له ودا معروفا، بل وحتى من سائقه الخاص بيير تورليي (القيادة، يسارا) Conduite a gauche، كانت الذكرى الثلاثين على وصوله إلى السلطة (1981) فرصة لظهور كتب أخرى، تحاول أن تضيف بعض الأشياء إلى ما أصبح القارئ والمواطن الفرنسي يعرفانه عن الرئيس الأسبق. فالرئيس استثنائي، فعلا، إن بسبب ثقافته الكبيرة، خلافا للرئيسين، جاك شيراك، ولكن بدرجة أكبر نيكولا ساركوزي، الذي تضرب بانعدام ثقافته الأمثال، إضافة إلى أخطائه في اللغة الفرنسية، التي تناولها الكثيرون من علماء اللسان الفرنسيين، وإن بسبب نزوعه في الحكم «الملكي» وإعجابه الشديد بالحضارة المصرية، وهو الشخص الذي لم يكن يخفي «لا أدريته»، وإن بسبب «حدث التاريخ»، المتمثل في وصول رئيس اشتراكي إلى الإليزيه، في بلد يميني (كفرنسا)، كما قال لكاتبة فرنسية صديقة له. ولكن الحزب الاشتراكي الذي تركه ميتران بعد رحيله في وضعية لا يحسد عليها (إذ لم يستعد بعد الإليزيه منذ رحيل ميتران)، تجعل الكثير من الكتب التي تتناول ميتران لا تخفي رغبة دفينة في تصفية الحسابات معه، باعتبار ميتران من الذين عملوا بحكمة «بعدي الطوفان». وعلى الرغم من الوحدة الظاهرة أحيانا، وراء إرث ميتران، فالكثيرون من الاشتراكيين لا يعتبرون أنفسهم ميترانيين على الإطلاق.

ومن بين هذه الكتب الجديدة ما وقعه رولان دوما، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، الذي أصبح، وكأنه خارج الحزب، خصوصا بعد محنته الطويلة مع القضاء على خلفية شركة «إلف» وما قيل عن الفساد فيها، من دون سند من الحزب الاشتراكي. ولعل العنوان «الضرب والجرح» coups et blessures يقول أشياء كثيرة. يحاول أن يصفي حساباته مع الاشتراكيين ويكشف عن بعض الأسرار (ربما عن القارئ العادي)، التي لا تجهلها النخبة الباريسية (نخبة سان جيرمان دي بريه)، عن علاقات زوجة ميتران الغرامية مع أحد مساعديها، بعلم من الرئيس، المعروف هو أيضا بغرامياته، والتي تشهد على ذلك ابنته غير الشرعية مازارين بانجو، الروائية والصحافية. كما أن رولان دوما يكشف عن أن الرئيس ميتران فكر جيدا، في فترة معينة، في تعيينه وزيرا أول، ولكن الأمر لم يتم لصغر سن دوما، حينها، ولمستجدات السياسة التي لا تتوقف عن الدوران.

ومن بين الكتب الأخرى التي ظهرت في هذه الأيام عن ميتران، كتاب «بعد ثلاثين سنة» 30 ans apres لسيرغ مواتي، السينمائي والإعلامي، وهو كتاب يفوح بالتعاطف مع الرجل، فيه وفاء ظاهر وحزن على فقدان الرجل. وقد كان سيرغ مواتي من المقربين إليه ومستشاره فيما يخص الميديا، التي يعترف أن فرانسوا ميتران، وهو المفوه والبليغ وصاحب الكاريزما، كان يخشاها أشد خشية. ويقدم الكتاب نفسه باعتباره، كتاب الوفاء في مواجهة كتب كثيرة حاولت استغلال ميتران وتسويق بعض أسراره، كما فعل جورج مارك بن حمو، قبل سنوات في كتاب تحول إلى فيلم سينمائي.

وانضم وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ إلى قائمة الذين أرادوا تخليد الذكرى الثلاثين، وهو على خلاف، رولان دوما، الذي انسحب فعليا من الحزب الاشتراكي، لا يزال يهتم بالجدل الدائر في الحزب والاستعدادات للانتخابات الرئاسية القادمة، ومن هنا فكتابه «مقتطفات من حياة متقاسمة» Fragments de vie partagee، وهو اشتغال على أرشيفات شخصية لديه من أجل رسم بوزل تقريبي للراحل، يعتبر وفاء بالجميل واعترافا بما يدين به للراحل فرانسوا ميتران، بالإضافة إلى ما أنجزاه معا، حين كان وزيرا للثقافة. وللحقيقة فإن جاك لانغ يعتبر أهم وزير للثقافة في الجمهورية الفرنسية الخامسة، إلى جانب أندري مالرو وزير الثقافة في عهد شارل ديغول. ولعل لمسات جاك لانغ كانت وراء الاحتفالات والمشاريع الثقافية الضخمة (الفرعونية) التي أنجزت في عهد ميتران، ومن بينها احتفالية بانثيون والاحتفال بمرور مائتي سنة على الثورة الفرنسية وتوسيع اللوفر وغيرها.

هي عينة من كتب صدرت، وأخرى ستصدر مع الاقتراب من الاستحقاق الانتخابي الفرنسي، ولسان حالها يقول، إنه إذا كان فرانسوا ميتران استطاع أن يخطف الرئاسة في بلد يميني كفرنسا، فإن اشتراكيين آخرين يمكنهم فعل الشيء ذاته، كالسيدة مارتين أوبريه أو شتروس كاهن أو فرانسوا هولاند (أهم المرشحين الاشتراكيين، حاليا)؟ وهي ربما دعوة لتطبيق تكتيك ميتران ذاته، وهو توحيد كل مكونات اليسار المتشظي.

على كل حال، يجب النظر إلى هذه الكتب باعتبارها نوعا من تكريم الراحلين، مع ذكر أخطائهم وإيجابياتهم، وتأكيدا على استمرارية الدولة التي تتجاوز كل الأحزاب وكل الشعارات.