كيف سيكون العالم في 2100؟

رحلة داخل عقول أكثر من 300 عالم من أبرز علماء ومفكري العالم

«فيزياء المستقبل» المؤلف: ميتشيو كاكو
TT

من بين صناع المستقبل ورواده، كتاب الخيال العلمي وعلماء المستقبليات، فهم عيون البشرية نحو المستقبل، إذ تعد أعمالهم وكتاباتهم تجارب معملية أدبية على الورق، فمن خلال أفكارهم العقلية المتميزة وتجاربهم الخيالية الخصبة والواعية يمكنهم استشراف رؤى وآفاق الحاضر والمستقبل والتوصل إلى حلول للعديد من قضايانا ومشكلاتنا، وكذلك التحذير من الآثار والأخطار المستقبلية المحتملة للتطورات العلمية.

في باريس في عام 1989 تم اكتشاف مخطوطة رواية لكاتب الخيال العلمي الفرنسي الشهير جول فيرن، بعنوان «باريس في القرن العشرين»، يعود تاريخ كتابتها إلى عام 1863، لكن رفض ناشر فيرن – آنذاك – نشر الرواية متعللا بأن أحدا لن يصدق ما تحويه من تصورات ورؤى مستقبلية عما ستكون عليه باريس في القرن العشرين، إلى أن عثر عليها مصادفة حفيد فيرن في خزانة حديدية مغلقة ضاع مفتاحها، ليتم نشرها عام 1994 وبعد 131 عاما من كتابتها. وفي هذه المخطوطة وصف فيرن باريس القرن العشرين مكتظة بالسيارات ووسائل النقل والاتصالات الحديثة والموجودة حاليا، فقد تنبأ فيها على سبيل المثال بجهاز الفاكس والحاسبات الإلكترونية وقطارات الأنفاق، وتمكن فيرن نسبيا من إعطاء صورة لما عرفته فرنسا في الستينات من هذا القرن.

وقد ألهمت كتابات وأعمال الخيال العلمي العديد من العلماء، فما بلغته البشرية في العصر الحالي من تقدم وتطور علمي مذهل، كان الكثير من ملامحه أحلاما وخيالا إبداعيا خصبا داخل عقل ووجدان الأدباء والعلماء.

وعلى خطى فيرن وكتاب الخيال العلمي وعلماء المستقبليات، يرسم عالم الفيزياء النظرية والمستقبليات الأميركي الياباني الأصل ميتشيو كاكو، في كتابه الصادر حديثا بعنوان «فيزياء المستقبل: كيف سيشكل العلم مصير الحضارة البشرية وحياتنا اليومية في عام 2100»، صورة لشكل العالم والحياة البشرية مع عام 2100، فالكتاب رحلة علمية ممتعة داخل عقول وأعمال ومعامل أكثر من 300 عالم من أبرز علماء ومفكري العالم، وتغطي معظم أعمالهم وتنبؤاتهم العلمية العالية الدقة التي في طريقها للتحقق، العديد من مجالات واتجاهات العلم وبخاصة الحديثة منها، لترسم معالم مصير البشرية والحياة الإنسانية في الـ100 سنة المقبلة.

يذكر أن العالم الأميركي ميتشيو كاكو وموقعه على الإنترنت (http://mkaku.org)، من أبرز علماء العالم في الفيزياء النظرية ويعمل أستاذ كرسي هنري سيمات للفيزياء النظرية في جامعة مدينة نيويورك، ومن المهتمين والمتابعين والمتأثرين بكتابات وأعمال الخيال العلمي، كما أنه شهير عالميا بتبسيطه للعلوم وتأليفه للعديد من الكتب العلمية العالمية الأكثر مبيعا، منها كتاب «كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الحادي والعشرين» عام 1998، وكتابه الأخير «فيزياء المستحيل»، وله العديد من البرامج والأفلام العلمية الجادة، منها برنامج «علم الخيال العلمي» بقناة «العلوم» الأميركية، وبرنامج علمي شهير بالإذاعة لمده ساعة أسبوعيا في جميع أنحاء أميركا، كما يقدم برنامج «2057» على قناة «ديسكفري» (الاكتشاف) الأميركية، كما قدم لقناة الـ«بي بي سي» البريطانية سلسلة علمية مهمة بعنوان «رؤى المستقبل» على مدى ثلاث حلقات لمدة ثلاث ساعات (بمعدل ساعة لكل حلقة)، تضمنت مشاهد مرئية ولقاءات علمية مع العديد من العلماء من داخل معامل ومراكز الأبحاث العلمية العالمية عن أهم ثلاثة اتجاهات علمية عالمية وآفاقها الحالية والمستقبلية، وهي التقنية الحيوية (البيوتكنولوجي)، والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي.

كتاب «فيزياء المستقبل»، هو خلاصة رحلات ولقاءات علمية جادة مع أكثر من 300 عالم عالميا يمثلون نخبة مسؤولة عن اختراعات جديدة مستقبلية تعد بمثابة تطورات علمية ثورية سوف تؤثر إيجابيا وتغير من طريقتنا في الحياة ومسار وشكل حضارتنا، فمن خلال رحلة علمية ممتعة داخل عقول علماء وصناع المستقبل ومؤشرات نتائج أبحاثهم داخل المختبرات، استطاع المؤلف أن يقدم لنا بمهارة رؤى علمية دقيقة مثيرة ومدهشة عن شكل اختراعات واكتشافات المستقبل التي تتجاوز بكثير آفاق الخيال العلمي، وذلك في العديد من مجالات العلم والتكنولوجيا، مثل الكومبيوتر والطب والنانوتكنولوجي والروبوتات والذكاء الصناعي وإنتاج الطاقة واستكشاف الفضاء، التي سوف تغير نمط وأساليب حياتنا ومسار ومصير حضارتنا. فمن بين رؤى المستقبل المثيرة التي يطرحها المؤلف وسوف تصل إلينا مع عام 2100، أننا سوف نتمكن من تحريك الأشياء بعقولنا، كما أن كل شيء نلمسه سيكون متصلا بالإنترنت، وربما لا نحتاج إلى كومبيوترات محمولة، وسوف نتمكن من السيطرة على أجهزة الكومبيوتر من خلال حساسات دقيقة في المخ، ومن خلال إنترنت مزروع في عدسات لاصقة سوف نتمكن من التعرف على جميع معلومات العالم واستحضار أي صورة برمشة عين، وسوف تقود السيارات نفسها باستعمال نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية (GPS) كما ستتمكن من الطيران بسهولة في الهواء. وفي مجال مستقبل الطب، سوف يتمكن العلماء تقريبا من تنمية كل عضو من أعضاء الجسم، وعلاج الأمراض الجينية، وسوف تتمكن ملايين من الحساسات المتناهية الصغر والجسيمات النانوية من السير في خلايا الدم والاستشعار والتعرف على الإشارات الأولى للأمراض، ومع التقدم الحادث في أبحاث الجينات سوف يتمكن العلماء من إبطاء وعكس عملية التقدم في العمر وبالتالي تأخير الشيخوخة وطول حياة البشر، وسوف تتمكن المراحيض من فحص وتحليل إفرازات وفضلات الشخص والتعرف على مؤشرات الأمراض والاتصال بالطبيب، وسوف تتمكن الحساسات الموجودة في ملابسنا من إنقاذنا من أي أخطار صحية، كما أن المستنسخات أو الرواصف الجزيئية ستكون قادرة تقريبا على خلق كل شيء نريده. وفي مجال السفر إلى الفضاء، سوف تنطلق سفن الفضاء الجديدة إلى مداراتها باستخدام نظام الدفع بالليزر بدلا من الصواريخ ذات الدفع الكيميائي المكلف ماديا، ومن خلاله أيضا وبضغطة زر سوف تنطلق المصاعد مئات الأميال لأعلى في البنايات العملاقة. ومن بين المواضيع الأخرى المثيرة في المستقبل، القدرة على تخليق أشكال جديدة من الحياة، والروبوتات القادرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات، وانتشار كبير للذكاء الصناعي خلال البيئة. ولا ينسى المؤلف أن يحذر في كتابه من التأثيرات والمضامين الأخلاقية لبعض التطورات والاكتشافات العلمية على الحضارة البشرية، كما يطرح عدة تساؤلات مهمة، من بينها: من الفائز والخاسر في سباق المستقبل العلمي العالمي؟ وأي أمم سوف تنجح وتزدهر؟ وإلى أي مدى سيصل التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي؟ وما هي حدوده ومخاطره؟