الخوف من عودة الدكتاتورية

الكوميديا السياسية «بحبوح أفندي» لشيخاني

غلاف لكتاب
TT

أصدر الكاتب الكردي شيرزاد شيخاني كتابه الثاني ضمن سلسلة كتب من الأدب الساخر يزمع إصدارها تباعا. وعنونه بـ«بحبوح أفندي». ويقع في 187 صفحة من الحجم المتوسط، طبع الكتاب في مطبعة «منارة» بأربيل. ويحوي مجموعة من الكتابات الساخرة للكاتب جمعها بين دفتي الطبعة الأولى في هذا الكتاب.

والكاتب الذي ينشر كتاباته في الصحف والمواقع العربية والعراقية، معروف في الأوساط الثقافية المحلية بكتاباته الساخرة والانتقادية، وحرر الكثير من الأعمدة الصحافية في السنوات الثلاثين الأخيرة في الصحف الكردية والعربية التي تصدر في كردستان، وهو أول كاتب صحافي يكتب بأسلوب ساخر في تاريخ الصحافة الكردية.

يخوض الكاتب في كتابه الثاني الذي سبقه كتاب آخر بعنوان «مسك الختام» أصدره عام 1998، في الكثير من القضايا التي تهم المجتمعين الكردستاني والعراقي بأسلوب ساخر، طارحا هموم ومعاناة المواطنين أثناء الحكم الديكتاتوري لبلده خلال العقود الماضية، بينما كرس جزءا آخر من كتاباته لانتقاد السلطة في كردستان، خصوصا بعد سقوط النظام السابق وظهور طبقة راقية من المسؤولين المترفين الغارقين في الفساد على حساب فقر المواطن، على حد تعبيره، وتجرأ في إحدى مقالاته أن يلمس أوتارا حساسة لمسؤولي حكومة الإقليم، وهو المقال الذي ساقه إلى محكمة أربيل التي أصدرت بحقه حكما بالسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ، ومن انتشار هذه الظاهرة، وهي ظهور طبقة جديدة من الحكام والمسؤولين المترفين في كردستان، استلهم الكاتب عنوان كتابه الذي سماه «بحبوح أفندي»، معمما الظاهرة على أقطاب ومسؤولي الحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة بعد سقوط النظام السابق.

يلمس القارئ للكتاب هاجسا من الخوف لدى الكاتب من عودة الديكتاتورية إلى بلده، ويتجسد ذلك الخوف بوضوح في مقاله المعنون «بالهنا والشفا»، الذي يفتتحه بصدور مرسوم افتراضي صادر من رئيس الجمهورية الأسبق يقول: «استنادا إلى أحكام الفقرة (أ) من المادة الثامنة والخمسين من الدستور المؤقت رسمنا بما هو آت: أولا: بمناسبة حلول أيام عيد الأضحى المبارك ورغبة من رئيس جمهورية العراق بمشاركة أبناء شعبه بأفراح العيد، أمر سيادته (حفظه الله ورعاه) بصرف دجاجتين لكل عائلة عراقية على سبيل المكرمة وبالسعر السائد في الأسواق التجارية. ثانيا: تشمل المكرمة الرئاسية جميع العوائل العراقية في المحافظات البيضاء، ويستثنى منها أبناء المحافظات السوداء التي شاركت في صفحة الغدر والخيانة. ثالثا: تستثنى أيضا العوائل التي أعدم أحد أبنائها من الدرجة الرابعة لأسباب سياسية، أو من تخلف أو هرب أحد أبنائها من الدرجتين الأولى والثانية من أداء الخدمة العسكرية أو المتخلفين عن الالتحاق بمعسكرات الجيش الشعبي. رابعا: على العوائل المشمولة بالمكرمة الرئاسية إبراز البطاقة التموينية الصادرة في حدود المحافظات البيضاء، وكذلك إبراز كتب تأييد من الشعبة الحزبية ومن دائرة التجنيد تؤيدان فيها عدم وجود حالة تخلف عن الخدمة العسكرية أو الجيش الشعبي داخل العائلة المشمولة بالمكرمة الرئاسية. خامسا: على وزارات الدفاع والداخلية والتجارة تنفيذ هذا المرسوم».

ويضيف الكاتب في مقاله قرارا افتراضيا آخر صادرا عن رئيس الوزراء العراقي، في محاولة منه لانتقاد أداء الحكومة العراقية التي أعقبت سقوط صدام حسين، بقوله: «استنادا إلى الصلاحية الممنوحة لدولة رئيس وزراء العراق وفق الدستور الدائم وبمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك ورغبة من دولة رئيس الوزراء بمشاركة العراقيين بمختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم فرحة العيد، فقد أمر دولته بما يلي: أولا: صرف مكافأة قدرها عشرة آلاف دينار عراقي (ما يعادل سبعة دولارات) لكل عراقي مقيم داخل حدود الدولة العراقية، وتسمى بمكرمة دولة رئيس الوزراء. ثانيا: يستثنى من مكرمة دولة رئيس الوزراء المواطنون الذين لا يثبتون بوثائق رسمية معترف بها انتماءهم الطائفي بكتب تأييد صادرة عن الوقفين السني والشيعي. ثالثا: بالنسبة لأبناء بقية الأديان والطوائف العراقية (الأكراد والتركمان والكلدوآشوريين والسريان والأرمن واليزيديين والصابئة المندائيين و(الفرس العراقيين) عليهم إبراز هوية الانتماء إلى أحد الأحزاب الحائزة على المقاعد البرلمانية كشرط للحصول على مكرمة دولة رئيس الوزراء. رابعا: تصرف مكرمة دولة رئيس الوزراء على أبناء الطائفة السنية في يوم السبت أول أيام عيد الأضحى السني، وبالنسبة لأبناء الطائفة الشيعية فتصرف في يوم الأحد أول أيام عيد الأضحى الشيعي، وفي حال عدم حصول المواطنين على مكرمة دولة رئيس الوزراء في اليومين المذكورين آنفا فتؤجل عملية الصرف إلى عيدي الفطرين (السني والشيعي) المقبلين بعد تسعة أشهر. خامسا: على وزارات الأمن الوطني وشؤون المصالحة والمالية تنفيذ هذا القرار».

كما يلحظ القارئ حنينا إلى حد الهوس من الكاتب للماضي الذي يصفه دائما في كتاباته بـ«الزمن الجميل» فيتحدث في عدد من كتاباته عن الأجواء الرمضانية السائدة في الستينات والسبعينات بالعراق وكردستان، وليالي العيد وفرحة الأطفال في أيام العيد، مصورا بشكل دقيق الألعاب التي كان الأطفال يمارسونها في أعيادهم، والتي كانت المناسبة الوحيدة في العراق لتنفيس الناس عن همومهم في ظل الحكومات القمعية والاستبدادية التي حكمت العراق. فيعيد القارئ من جيله إلى تلك السنوات بأجوائها وطقوسها وعاداتها الاجتماعية الراقية السائدة في تلك الفترة، والمفقودة في ظل الجيل الحالي.

ولا ينسى الكاتب أن يسخر في بعض كتاباته من الفقر الثقافي المدقع لقادة ومسؤولي الحكومات الديكتاتورية، فيرسم في مقاله تحت عنوان «خطاب تعبوي» سيناريو لخطاب أحد قادة النظام السابق يلقيه في اجتماع حزبي قائلا: «أيها الأخوة الأعزاء، مهما تكالبت علينا قوى العدوان والبغي، وحشدت من أساطيل بحرية وجوية وقوات برية فلن نستسلم أبدا لإرادة المحتلين الغزاة، حتى لو ألقوا علينا قنبلة نووية كما فعلت ذلك الإمبراطورية العثمانية بضربها مدينة شنغهاي الباكستانية بالقنبلة النيوترونية أثناء حرب القرم!». فيهرع المستشار هامسا بالأذن اليمنى لقائده «سيدي.. أميركا هي التي ألقت القنبلة الذرية، والمدينة كانت هيروشيما وهي تقع في اليابان.. رجاء صحح!».

ويتطرق الكاتب في مقاله بعنوان «البيان رقم واحد» إلى الانقلابات المتتالية التي شهدها العراق في العقود الماضية، وكيف أن قادتها كانوا يطلقون الوعود لشعبهم بتحقيق التقدم والرفاهية وتوفير الحريات الديمقراطية، ثم يتنكرون لها، ويقول في صدر مقاله: «أيها الإخوة المواطنون، يا أبناء شعبنا العظيم (ستتتنتنضم) موجتنا العاملة 40 مترا بذبذبة مقدارها 3025 كيلوهيرنز إلى بقية موجاتنا العاملة لننقل لكم بيانا هاما فإلى ذلك نسترعي الانتباه.. (مارشات عسكرية) أيها المواطنون الكرام.. بعد قليل سنذيع عليكم بيانا هاما صادرا عن مجلس قيادة الثورة؛ فإلى ذلك نسترعي انتباهكم.. (مارشات عسكرية) أيها المواطنون: إليكم البيان الهام الصادر عن مجلس قيادة الثورة.. البيان رقم واحد.. أيها المواطنون الكرام.. يا أبناء أمتنا العربية المجيدة.. بعد الاتكال على الله ومؤازرة أبناء شعبنا الغيارى، قامت قواتكم المسلحة البطلة فجر هذا اليوم بإسقاط عرش الطغاة المجرمين من عملاء الامبريالية والصهيونية والاستعمار.. ونعاهدكم عهد الشرفاء الصادقين يا جماهير شعبنا على أن نبذل قصارى جهدنا لبناء العراق الجديد وإقامة دولة القانون والدستور .