فرنسا تحتفي بـ700 سنة من الإسلام في الأندلس

«الفردوس المفقود» هل ساد فيه التسامح حقا؟

TT

في هذه الظروف الصعبة شيء ما من التعايش القلِق بين الديانات والثقافات، حيث الصدامات لا تتوقف وحيث الأصوات العنصرية والتشكيكية تتعالى من كل صوب، ينبعث موضوع الأندلس كبلسم وكشبكة خلاص للتعارف والتسامح. ومن هنا جاءت فكرة تكريس الأيام الدراسية الثامنة لتاريخ أوروبا، التي تنظمها جمعية مؤرخين في مركز مالزيرب السوربون، لموضوع مهم: «أوروبا والإسلام، من الأندلس إلى أيامنا»، في يومي 17 و18 يونيو (حزيران) 2011، وسيكون اللقاء فرصة للجمهور لحضور ثلاثين محاضرة تتعلق بالعلاقات المتشابكة بين أوروبا والإسلام، ولقياس مدى الموضوعية في القراءات الغربية التي تتناول تاريخنا وحضارتنا.

ونذكر من بين أشغال البرنامج بعض المداخلات المهمة، التي قسمت إلى أربعة محاور مركزية؛ 1 - أوروبا والإسلام: القرون الوسطى VII - XV. 2 - العصر الحديث والمعاصر. 3 - محاضرات عن تاريخ الفن. 4 - موائد مستديرة عن الجيوسياسة.

ضمن المحور الأول، نجد «أوروبا البيزنطية والإسلام» لميشيل كابلان، «أوروبا والإسلام في الأندلس» لأدلين رُوكْوا، و«أوروبا والإسلام في زمن الحروب الصليبية والممالك المسيحية في الشرق» لميشيل بولارد، و«أوروبا في مواجهة التوسع العثماني من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر»، «صلاح الدين وصورته في أوروبا» لآن ماري إده، و«التجارة البحرية بين أوروبا اللاتينية والإسلام خلال القرون الوسطى» لدومينيك فاليريان، و«ترجمات ومترجمون في إسبانيا القروسطوية» لفرانسواز ميشو، و«البرتغاليون والعالم الإسلامي من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر» لجاك بافيوت.

وفيما يخص المحور الثاني، نذكر «أوروبا والإسلام في زمن الإمبراطوريات الكولونيالية» لهنري لورنس، و«أوروبا والإسلام، من تفكيك الاستعمار إلى اليوم» لبرتراند بادي، «التركي في المخيال الأوروبي في عصر النهضة» لجيرود بوماريد، وفيما يخص المحور الثالث، يمكن أن نذكر «تمثيل المسلمين في الإيكونوغرافيا الغربية في القرون الوسطى» لفاني كاروف، و«بناء وتفكيك الاستشراق الأوروبي» لفرانسوا بْوِيّون، و«الاستشراق في فنون الزخرفة في أوروبا» لإيفلين بوسيمي. وفيما يخص المحور الرابع والأخير فنذكر منه: «الدول 27 وانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي: هل هو غياب الإجماع؟ اختلافات المواقف بين الدول الأعضاء وأسبابها».

وبموازاة الاستعدادات لهذا النشاط الحافل، صدر عدد جديد من المجلة الشهرية «التاريخ» L Histoire، لشهر مايو (أيار)، مانحا لذات الموضوع حصة مركزية، مع صورة الغلاف: الأندلس، الفردوس المفقود، 700 سنة من إسبانيا العربية، مع تساؤل ماكر في الغلاف: هل كانت (الأندلس) أرضا للتسامح؟

وشارك في هذا الملف عن الأندلس، الفردوس المفقود، كل من غابرييل مارتنيز غروس وسيريل إييي وباتريك بوشيرون وموريس كرييغيل. تتحدث سيريل إييي في مقالها: «المسيحي في أرض الإسلام» عن «الأقلية المسيحية» التي عاشت في الأندلس خلال خمسة قرون، والتي تداخلت مع السكان المسلمين وتحدثت لغتهم العربية، وأضحت تنجذب للشعر العربي الأندلسي أكثر من انجذابها إلى المزامير الدينية.

ولكن انهيار الدولة الموحدية والتوسع القشتالي، جعل طليطلة تستعيد طابعها اللاتيني بصفة كاملة، واضطرت هذه الأقلية المسيحية (الموزاراب)، وهي تفقد استخدام اللغة العربية، إلى الركون إلى السرية. تكتب سيريل إييي: «إن تاريخ الموزاراب من هذا الجانب وذاك من الحدود، بين اللتننة والعروبة، يوضح إشعاع الثقافة الإسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر. ولكنه يوضح أيضا حدود التعاون ما بين الطوائف في الأندلس».

أما موريس كرييغيل، فيرى في حوار أجرته معه المجلة، وكان بعنوان ماكر: «سعيدٌ مثل يهودي أندلسي؟» أن زمن ملوك الطوائف يذكر بإيطاليا زمن النهضة، حيث مراكز السلطة تتواجه ولكن وميضا ثقافيا ظهر بفعل التنافس بين مختلف البلاطات (الملكية).

ويرى الباحث أن اليهود كانوا يعيشون في أمان حتى جاءت الدولة الموحدية، وهو يسميها «الاستثناء الموحدي». ويزعم أن الموحدين أوقفوا العمل بمبدأ «الذمّي» وبدأوا يضطهدون اليهود والمسيحيين. وهذا ما يحتاج لتأكيد أو نفي من المؤرخين من الجهتين، العربية والأوروبية، ولكن الباحث يعترف أن إيقاع وحجم الاضطهاد الموحدي غير معروف، ولعله يهرب من دور المؤرخ المحايد حين يعترف أنه اعتمد على «شهادات تاجر يهودي من القاهرة، من أصول مغربية، تمنحنا معلومة يمكن استخدامها حول جرائم ارتكبت، وحول اعتناق قسري للإسلام تم تحت التهديد بالموت أو بالطرد»، ولكن الباحث سرعان ما يعود ليعترف، في شبه تناقض كبير مع ما سبق: «مع كل هذا يجب أن نقرأ الفروق: فبعض الجماعات اليهودية لم تتعرض للإزعاج خلال هذه الفترة. بل واحتفظت بمحاكم يهودية ومارست شعائرها. وموسى بن ميمون، بعد أن غادر قرطبة، أقام عدة سنوات في مدينة فاس، وكانت تحت السلطة الموحدية».

الكثير من اللبس والجهل والتجاهل لا يزال يكتنف اللحظة العربية الإسلامية في الأندلس (700 سنة أو أكثر بقليل)، ولا يزال دور المؤرخين، وأيضا الاكتشافات والترجمات، حيويا وملحا من أجل فهم هذه الالتباسات، ومن أجل الدفع قدما بالعلاقات بين أوروبا والعالم العربي الإسلامي، في أفق علاقات تحالف حضارات وثقافات، على الرغم من أنف صموئيل هينتنغتون و«صدام الحضارات» وعلى الرغم من أنف من يعشق افتعال الأضاليل من أشباه سيلفان كوجونهايم، صاحب كتاب: «أرسطو في مون سان ميشيل، الجذور اليونانية لأوروبا المسيحية» (2008)، ضاربا الصفح عن كل دور للفكر العربي الإسلامي في الأندلس في نقل وترجمة الفلسفة اليونانية، وإن بدا له دور ما يقوم بتبخيسه لدرجة تجعله غير أهمية كبيرة.