كارولين فوريست متخصصة في الإسلام من دون عناء

الهجوم على طارق رمضان أحد أسرع الطرق للشهرة

TT

أدرك الكثير ممن يُسمّون أنفسهم باحثين في الشؤون الإسلامية، في فرنسا، أنّ من بين أقرب طُرُق الشهرة، التهجّم على الباحث السويسري المسلم طارق رمضان، وقد فعلها الكثيرون، بل فعلها حتى وزير الداخلية الفرنسي والمرشح للانتخابات الرئاسية نيكولا ساركوزي، حين وجّه أسئلة، في برنامج تلفزيوني، فيها تهجم واحتقار ظاهر لطارق رمضان الذي ظلّ هادئا على عادته، فلم تنقل وسائل الإعلام الغربية سوى أسئلة ساركوزي الحادة، وغيّبت ردود طارق رمضان الجادة. ولم يعد نادرا في فرنسا أن تجد أناسا يطرحون أسئلة فيما يخص الشأن الإسلامي ولا ينتظرون الجواب، إذ الأجوبة الجاهزة متوفرة. ولم يعُد مطروحا معرفة نفسيات المسلمين الذين يتعرضون في كثير من الأحيان للتشهير وللمسّ المتعمد بمشاعرهم. والذين يتهجمون على طارق رمضان، يفعلون ذلك، حسب زعمهم، من باب الدفاع عن إسلام إصلاحي، أو قابل للإصلاح. وحتى في محنة الرسوم الكاريكاتورية المهينة للرسول الكريم طلع على المسلمين من يطالبهم بتغليب الفكاهة والسخرية من الذات (على طريقة رابليه) على الحزن والغضب، ولعل موقف نيكولا ساركوزي المدافع عن قرار مجلة «شارلي إيبدو» إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، والذي برّره بالدفاع عن حرية التعبير، لأنه هو أيضا كما قال، لم يسْلَم من رسومات الكاريكاتوريين، وكأنه يتصور نفسه في مرتبة تعادل مرتبة النبي.

وبعيدا عن متخصصين مهمين في الإسلام من بينهم أوليفيي رْوا وبرونو إتيان وأوليفيي كاري، يحلو لكلّ من هبّ ودبّ، وخصوصا من قدماء مسؤولي الأمن والاستخبارات ومن باحثين متسرعين سرعة الأحداث التي لا تتوقف، ومن بينهم ماثيو غيدير، أن يقدموا أنفسهم باعتبارهم متخصصين، فتجدهم يقولون الشيء ونقيضه. يعرفون كل شيء، أو هكذا يوهمون المستمعين إليهم. وهم في هذه الأوقات يركزون على الميديا أكثر مما يشتغلون على المكتوب، بسبب بعض معرفتهم ببعض الجوانب الأمنية من قضايا إرهابية، لكن في ظل فقر مدقع فيما يخص المسائل العقائدية والآيديولوجية التي تؤطر الإسلام.

ومن بين هؤلاء الذين يتم تسويقهم حاليا باعتبارهم متخصصين في القضايا الإسلاموية، يبرز اسم كارولين فوريست. وقد دُفِع بها لتتبوأ مواقع متقدمة في التنظير لشؤون مسلمي فرنسا. ويبدو أن وضعيتها الجغرافية والاجتماعية تساعدها على لعب هذا الدور. فهي من الجيل الجديد بالإضافة إلى كونها فرنسية مسيحية وبعيدة عن النخبة الباريسية، وقد عانت كثيرا وهي تشتغل في الظل قبل أن تظهر أمام عدسات التلفزيون وعلى أعمدة الصحف الباريسية والعالمية «لوموند»، «شارلي إيبدو» و«وول ستريت جورنال». وكانت الوصفة السحرية هي الاشتغال على الإسلام وعلى الانحرافات الإسلاموية وكل ما يرتبط بشؤون الإرهاب. وفي قلب هذه الوصفة السحرية كان الهجوم على شخصية طارق رمضان، الباحث والأكاديمي السويسري الذي أخذ على عاتقه، مع آخرين كثيرين، دفع المسلمين إلى التفكير في أحوالهم وعدم ترك الآخرين يقررون مكانهم والتصدي للوبي الصهيوني الذي يهيمن على الإعلام الفرنسي. 

وبالفعل، وإضافة إلى مقالات عديدة، أصدرت كتابا عن طارق رمضان، تحاول فيه تكرار ما يقال عنه، وهو امتلاكه لخطابين، الأول لمسلمي فرنسا والثاني للغربيين ولوسائل الإعلام، زاعمة أن الرجل خطير على الأمن القومي الأوروبي (منعه وزير داخلية فرنسي سابق، دوبري، من دخول فرنسا)، وأن الحريات التي ينعم بها المواطن الأوروبي يجب أن لا تسمح لأحد، خصوصا من أحفاد الشيخ حسن البنّا، الذي يظل مصريا رغم مواطنيته السويسرية، بالعبث بالأمن. وبدا الكتاب معبرا عن جهل الصحفية بالإسلام والحركات الإسلامية وخلطت بين طارق وجدّه لأمّه، على الرغم من أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى».

المشكل في فرنسا يكمُنُ في أن المتخصصين الجديين في الإسلام لا تسمع أصواتهم، إلا نادرا، ولا يُدعَوْن إلى وسائل الإعلام، خلافا لجوقة فُرِضوا على المُشاهد والقارئ، وهكذا وعلى الرغم من سقطات فوريست، فقد استمرت في الكتابة عبر صحيفة «لوموند» و«شارلي إيبدو» والظهور في التلفزيونات، وتفتقت موهبتها عن كتاب مشترك مع كاتبة بنغالية محبة للشهرة، وهي تسليمة نسرين التي تعتبر أن «الإسلام المعتدل لا معنى له» و«إرهابيي 11 سبتمبر (أيلول) فعلوا ما فعلوه ليس عن سوء فهم للإسلام، بل فعلوا ما أمرهم به القرآن». ابتدأت تسليمة نسرين الكتابة برواية «العار»، وهي رواية ضعيفة، ولكنها تتصدى لموضوع يثير الضجة، وهو موضوع الأقلية الهندوسية «المضطهدة» في بنغلاديش، ثم طفقت تستفز مشاعر مواطنيها المسلمين إلى أن هجرت بلدها، وأصبحت تنافس سلمان رشدي في الشهرة، لكن رشدي يعتبر، من الجانب الأدبي، من أهم الروائيين العالميين، وخاصة مع روايته «أطفال منتصف الليل».

ولأن كارولين فوريست لا تعرف من الإسلام غير القشور، ومن هنا غضبها على الجمعيات التي تمثل إسلام فرنسا السياسي واتهامها بالولاء للإخوان المسلمين تارة، وللقرضاوي والمولوي (في لبنان) تارة أخرى، لم تجد من تحاوره غير هذه الكاتبة الرديئة البنغالية.

ولعل فوريست وغيرها من اللوبي الذي أدانه طارق رمضان بشدة، يعرفون حدود تأثيرهم الحقيقي، وهم لا يرتاحون لاستنجاد الوزير البريطاني السابق توني بلير بنصائح طارق رمضان باعتباره حُجّة في ميدانه. علما بأن قبول طارق بالأمر أثار الكثير من الأسى لدى بعض المسلمين، بسبب مواقف بلير في العراق (الغزو) وفي غزة (اللجنة الرباعية).                        

مع طارق رمضان انتهى زمن الانزواء الإسلامي، وأصبح المسلمون مطالبين بالجلوس مع كل منْ يَقبَل الجلوس معهم ومحاورته (بغض النظر عن الجنس والمعتقد)، بل إن  طارق ذهب بعيدا في مطالبته مسلمي أوروبا بالانخراط في مستقبل بلادهم (إذ هي بالفعل بلادهم!) وفي التحالف مع المجموعات «العالم ثالثية»، وهو ما يثير قلق فوريست وغيرها، أمثال برنار هنري ليفي وفيليب فال.

لم يتبق أمام كارولين فوريست سوى انتقاد «نوايا» طارق رمضان، لأن تصريحاته لا يمكن تجريمه عليها ولا تصطدم بالقانون. وفي انتظار جولة أخرى قادمة، تخرج علينا بكتاب جديد عن مارين لوبين (ابنة العنصري جون ماري لوبين ورئيسة حزب الجبهة الوطنية) وهي في قمة عنفوانها وشعبيتها، كي تقول لنا إنها «تعادي العنصرية».