المرأة في السعودية.. أم المعارك

التيارات تتصارع حولها.. والدولة تفتتح أكبر جامعة للفتيات

المرأة السعودية صارت جزءا أساسيا من النشاط الثقافي والاقتصادي في المملكة
TT

ما إن يهدأ حتى يشتعل من جديد، الجدل بشأن المرأة في المجتمع السعودي، حيث: «يسهرُ الخلقُ جراها ويختصمُ».

تمثل المرأة منطقة توتر شديدة الحساسية في مجتمع يوسم بأنه محافظ، يختلط فيه الاجتماعي بالديني، ومنذ معركة تعليم المرأة في الستينات الميلادية التي كسبتها الدولة، فإن الشدّ والجذب بين التيارات ما زال مستمرا، متوسلا بقضية هنا، وقضية هناك، لم تكن قضية قيادة السيارة سوى واحدة من هذه القضايا.

ثمة عنصر كثير الغياب عن تلك المعارك التي غالبا ما تكون وسائل الإعلام ساحة لها، وهي المرأة ذاتها، حيث يهتم كل طرف بتسجيل نقاط على الطرف الآخر، مستفيدا أو مستغلا لقضية المرأة.

وسط هذا الجدل، ثمة آراء مهمة ترى ضرورة فكّ الاشتباك حول قضية المرأة، والعمل فورا لتخليصها من أي عوائق في سبيل أداء رسالتها كنصف المجتمع، والبدء فورا في برنامج تربوي يفكك النزعة الذكورية التي تضر بالمجتمع رجاله ونسائه.

وقد مثل مؤتمر الحوار الفكري الوطني الثالث الذي أقيم تحت عنوان «المرأة حقوقها وواجباتها وعلاقة التعليم بذلك»، محاولة لإشراك جميع الأطياف الفكرية وبينهم النساء كذلك لمناقشة قضية المرأة ودورها ومشاركتها في المجتمع.

وغالبا ما يجري إقحام النصّ الديني في لهيب هذه المعركة، من أجل سلب الآخر شرعيته وحجته، والتأثير على الجمهور. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدر الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم السعودي السابق، كتابا مثيرا للجدل بعنوان: «المرأة المسلمة.. بين إنصاف الدين وفهم المغالين» أصّر فيه على الحاجة لوجود المرأة في الميدان العام، داعيا إلى أن تساهم في تعليم الذكور، وأن يعلم الرجل الطالبات كذلك. وعدم الفصل بين النساء والرجال في قاعة دراسية، أو أي ندوة علمية، أو اجتماع فكري، بحيث تكون صفوف الرجال في المقدمة والنساء في المؤخرة كما هو الأمر في الصلاة دون إنكار من أحد لذلك.

ويشير الدكتور إبراهيم البليهي، الكاتب والمفكر وعضو مجلس الشورى السعودي، إلى أن مشكلة المرأة هي امتداد لمشكلة الإنسان الفرد بجنسه. لكنه يضيف أن «حرمان المرأة من أهليتها التي هي أهم خصائصها الإنسانية هو عدوان صارخ عليها وجحود لإنسانيتها»، ويضيف أن «الذين يمنعونها من حقها الإنساني وينتقصون مسؤوليتها عن ذاتها يتوهمون ويعتقدون أنهم يفعلون الخير لها، فالإنسان كائن ثقافي وأيا كانت ثقافته، فإن لديه ثقة تامة بصواب رأيه، كما أن لديه أيا كان اتجاهه قدرة عجيبة لتأكيد موقفه وتبرير سلوكه».

ويرى البليهي أن غياب المرأة «ليس مصدره تعاليم الدين الربانية، إنما هي العادات، فالموروث له سلطة مهيمنة وليس هذا من خصوصيات الثقافة العربية، فهذا التشدد في العالم العربي ليس مصدره الدين، إنما هي العادات تبحث لها عن تبريرات شرعية، وكان على النساء أن يتحملن الكثير من الممنوعات، وأن يلتزمن بالكثير من الواجبات تحت ذريعة إعمال قاعدة سدّ الذرائع».

على الصعيد الاقتصادي، يشير تقرير بنكي سعودي إلى أن حجم الأموال النسائية في المصارف السعودية يبلغ نحو 50 مليار ريال (نحو 13 مليار دولار)، مما يضاعف الحاجة لإعطاء النساء مرونة أكبر في الحركة تتيح لهن المشاركة في العجلة الاقتصادية للمجتمع.

* المحمود: فكّ الاحتراب

* يظهر للوهلة الأولى، أن فكّ الاشتباك بين التيارات السعودية المختلفة بشأن قضية المرأة، أمر بعيد المنال، كما يشير الكاتب محمد المحمود، فالمرأة «تبقى ميدان احتراب، وصراع تيارات أيديولوجية»، ومما يشير إليه المحمود في هذا السياق، فإن «معارضة قيادة المرأة للسيارة من قبل بعض المحافظين لم تكن لذاتها، وإنما لارتباطها في الذهنية التقليدية بالعبد التغريبي، بالأخص مع ربط ذلك بالانفتاح الإعلامي ودمج تعليم الفتيات، مما يُعد في حال الموافقة على قيادة المرأة للسيارة انتصارا للمشروع التغريبي وليس للقضية».

ويضيف المحمود أن «قضية المرأة تظل محل صراع بين تيارين أحدهما رجعي (ماضوي) يطرح نفسه حاملا للأصالة، وآخر ينادي بالانفتاح، ومن الصعب التقاؤهما»، متوقعا أن تظل «المرأة» أحد محكات الصراع فيما بينهما.

وأشار المحمود إلى أن «استحالة الالتقاء ما بين السلفي التقليدي، والتيار المنفتح تعود إلى أن القضية بالنسبة للطرف الأول ليست لاعتبارها مبادئ وإنما هي أنماط تفكير ماضوية، رجعية» بحسب وصفه، مشيرا إلى أن الرهان الآن على من يحاول أن يتزحزح عن مكانه من الخطاب الشرعي.

وهنا يرى المحمود أهمية تدخل القرار السياسي وبحزم، في سيبل حسم قضايا لا تحتمل التأجيل أو التجاذبات، كما حدث مع تعليم البنات.

* حصة آل الشيخ: تفعيل القانون

* وبالنسبة للكاتبة الدكتورة حصة آل الشيخ، فإن الصراع بين الأطياف المتنوعة فيما يخص قضية المرأة لا يمكن حسمه سوى بتفعيل القانون، مؤكدة «أنه ومن خلال تفعيل القانون سيتسيد الإنسان بغض النظر عن جنسه رجلا كان أو امرأة».

ودعت آل الشيخ لضرورة أن يتم تقنين التشريع بتنظيم قانوني، حيث إنه في هذه الحالة سيكون جامع لكافة الأبعاد ودون تهميش لأي من الجنسين.

وبالعودة إلى ساحات الصراع المتواصلة طالبت الكاتبة بضرورة إنهاء حق مصادرة حرية المرأة في الحركة والتعليم، والتعسف بفرض «ولي الأمر» في كافة شؤون المرأة، إضافة إلى تحديد سن رشد للمرأة يتيح لها كل ما يتعلق بالحقوق تماما كما الرجل دون أن يتميز أحد أبنائها بأخذ حقوق لا تأخذها والدته، سواء أكان في العمل أو الدراسة أو متابعة الشؤون المالية وحرية الحركة.

* العويسي: لصالح الحداثة

* من جانبه، يرى الدكتور عبد الله العويسي أستاذ مساعد في قسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الصراع إذا استمر بهذه الصيغة فسينتهي برجحان كفة مجتمع الحداثة، باعتبار هيمنة المجتمع الذي يمثلها، وظهور ثقافته على الثقافات الأخرى، ولكونه أكثر قدرة على التغيير، كما لوحظ ذلك في الكثير من المواقف التي انتهت بالاستسلام والاندماج أو المواءمة بطريقة أو بأخرى بحيث يعيش المرء ثقافتين منفصلتين في آن واحد.

العويسي يرى أن هناك محاولة المراجعة يتم ملاحظتها عند بعض من يتبنون ثقافة المجتمع فقد بدأ البعض منهم يراجعون منهجهم لاكتشاف جوانب الخطأ والصواب، بدلا من الموقف المتصلب تجاه ثقافة الحداثة وذلك يعد تراجعا عما كان من قبل حيث يتم الخلط بين الإسلام وثقافات المسلمين المتشكلة بالإضافة إلى أحكام الشريعة الإسلامية من الأعراف والعادات والقيم، التي تم تكييفها ضمن المنهجية الشرعية الإسلامية وهي ما يدخل في مصطلح الثقافة التقليدية لدى أصحاب الدراسات الأنثروبولوجية، مما أسهم في اختلاف أنماط الثقافة لدى المسلمين في غير القطعي من الدين من مكان لآخر، ومرجع ذلك إلى الثقافة وليس إلى الإسلام.

وفيما يتعلق بقضية المرأة قال أستاذ الثقافة الإسلامية بأن قيم القبيلة والعادات الاجتماعية والنوازع الفطرية في المحافظة على المرأة، كلها عوامل أسهمت في اختلاط الثقافي بالديني.

وعودة إلى الصراع الدائر بين الفرقاء في المجتمع السعودي أرجع العويسي الاحتراب الحاصل إلى التقاء ثقافتين أو مجتمعين لما يسمى بالمجتمع التقليدي ومجتمع الحداثة كما هو الشأن عالميا إما جراء الاستعمار أو نتيجة العامل التقني، ولا سيما في عصر المعلوماتية وتوفر أدوات التواصل الاجتماعي عالميا وتيسيرها، بما في ذلك حركة العولمة والتي أصبحت شاملة لكل مناحي الحياة والمعززة بالاتفاقيات الدولية التي تؤسس لصبغ الثقافات بصبغة الحداثة وقيمها.

ونادى الدكتور عبد الله العويسي بضرورة الوقفة والمراجعة للتعرف على مجتمع الحداثة بمنهج علمي واكتشاف الإيجابي والسلبي فيه بعيدا عن الإيديولوجيا وأسلوب الصراع وكيفية تمثل الإيجابي وإبداع أسلوب جديد يتجاوز سلبيات الماضي وسلبيات الحداثة، حتى يكون التحول وإعادة صياغة الثقافة المحلية متصفا بالاستقلالية والتجاوز لكل سلبي في الثقافتين.

ويستدرك العويسي بقوله: «إن ما يعوق هذه الحركة العلمية النقدية، النهج الإيديولوجي الذي تمارسه القوى المؤمنة بقيم الثقافة المحلية لمحاربة ثقافة الحداثة جملة وتفصيلا خشية استزراعها في المجتمع دون تفريق بين الإيجابي والسلبي في الثقافتين وإمكان المثاقفة بينهما ومما يعوقه أيضا الصراع في القضايا الجزئية وإشغال المجتمع بها عما هو أهم في بناء المجتمع وتطويره وحل مشكلاته مع أنها قضايا ليست قطعية في الدين وستخضع كغيرها للخيار الاجتماعي في نهاية الأمر».

وأكد الدكتور عبد الله العويسي أن من يصعدون الصراع قد لا يقصدون الصراع ذاته بل يرون فيه دفاعا عما يؤمنون به.