الثورات العربية تُزْهِر آراء جديدة

عبد الوهاب المؤدب والطاهر بن جلون يستثمران الربيع العربي

الطاهر بن جلون
TT

لم يكن أحد يجهل أن وضعية الإنسان والمواطن في العالم العربي لا ترقى إلى وضعية الحرية الحقيقية، بل حتى إلى المتوسط المطلوب. ولم يكن خافيا على أحد، وهو يرى إشادات الديمقراطيات الغربية بالنظام التونسي و«علمانيته» ووضعية المرأة فيه، أن النظام كان يستخدمها، على الرغم من إيجابياتها، طبعا، كواجهة للاستهلاك الخارجي، في حين أن البلد تحول إلى مختبر بوليسي شرس، وضاقت السجون بسجناء ضمير وصحافيين وبمن سوّلت له نفسه أن ينتقد الجنرال أو نظام حكمه، أو حتى يترشح ضده. وصحيح أن هذه الحقائق، كانت في علم المثقفين العرب وكتّابهم وفنانيهم، بل إن بعضهم وصل به الأمر إلى تشجيع علني لترشح الرئيس المنهك المريض لفترة رئاسية، قد يلقى فيها ربه قبل أن ينتهي منها. ومع كل هذا لم يفضح أحد، سوى القليل النادر، سياسات النظام، ولم يتنبأ أحد بسقوط المستبد وحكمه وبهبات الشعب العارمة.

في برنامج ثقافي شهير في القناة الفرنسية الثالثة (ce soir ou jamais) جمع بين المفكر طارق رمضان والباحث عبد الوهاب المؤدب، وبينما كان طارق رمضان يتحدث عن ديكتاتورية النظام التونسي وعن منعه من دخول البلد، كان رد المؤدب هو الإشادة بـ«المنجز العلماني في تونس»، متناسيا النظام البوليسي في بلده وحرمان الشعب من حرية التعبير. وهو موقف يقترب من المحاباة أو التواطؤ.

وما إن سقط المستبد ولم يحاكم بعد حتى طلع عبد الوهاب المؤدب بكتاب عن الثورة التونسية «ربيع تونس، تحول التاريخ»، ولكأنه كان يكتبه مع توالي الأحداث! ولا يُخفي المؤدب، مثل كثيرين، أنه هو أيضا تفاجَأ من حدوث الثورة التونسية، ويرى أنه «على الرغم من أن تونس كانت تحتوي على كل عناصر التمرد، فإنه لم يكن ينتظر أحد مثل هذا الحدث، في ثورة تاريخية تمس بنية سلطة هذا البلد ذاتها» وهو ما يعني عنده «أن الثورات تحديدا تأتي بشكل مفاجئ. لماذا في هذا اليوم؟ لماذا في هذه اللحظة؟ إن تأثير المفاجأة لدى فعل ثوري هي أحد قوانين التاريخ التي أوضحها توكفيل».

وعلى منوال عبد الوهاب قذف الطاهر بن جلون، دفعة واحدة، بكتابين من وحي الثورة التونسية (كما فعل مع مناسبة جان جونيه أيضا). وهما «بواسطة النار»، وهو عمل سردي تخييلي، حاول فيه تلبّس شخصية محمد البوعزيزي، مفجر الثورة التونسية ويحكي فيه عن الأيام التي سبقت إقدامه على التضحية بنفسه، والكتاب الثاني «الشرارة.. حالات تمرد في العالم العربي» وهو عبارة عن محاولة نظرية لفهم ودراسة الثورات العربية. وإذا كان من حق أي كاتب، بمن فيهم الطاهر بن جلون، أن يستثمر الثورات والأحداث التي تقع في العالم العربي، فالشيء الذي يُعاب عليه، إلى جانب أنه يأتي إلى الأشياء دائما بشكل متأخر، ولعل مثال روايته عن جحيم سجن تازمامارت المغربي الرهيب هو الدليل الأنصع، هو أنه يجد حرية في الحديث بقسوة عن البلدان الأخرى من دون امتلاك ذات الجرأة في الحديث عن مشكلات بلده وما يعتمل في داخله من حركات وتململ واحتجاج.

كتب بن جلون في الصفحة الأخيرة من صحيفة «لوموند» بتاريخ 23 يناير (كانون الثاني) 2011، في مقاله «ربيع في شتاء»: «توجد مجتمعات في العالم العربي جميع ظروف الانفجار مجتمعة فيها. ليبيا، أولا، والجزائر، ومصر. (...) ثمة من يقول إن لعنة تنزل على هذه الدول.. ». ولا شك أن القارئ العربي، مهما كانت جنسيته، لا يمكنه سوى أن يحسّ بنوع من القلق والخيبة من تدخلات هذا الكاتب غير الموفقة، والمجانية، فهو يزور إسرائيل ويَكيل السباب لكثير من الدول العربية، وأحيانا يُخرّب ترشيحات عربية لمناصب أمميّة هامة. ولعله يعود بنفسه إلى ما كان قد وصف نفسه به، ذات مرة، في صحيفة «لوموند» ذاتها من أنه يظل رغم كل شيء «عربيا في الخدمة».

يلوم الروائي بن جلون في حديث لإذاعة «فرانس أنتير»، في يوم 6 يونيو (حزيران)، بعضَ ساسة الغرب (بسبب جهلهم وحساسياتهم) خصوصا الذين ولدوا في دول المغرب العربي على عدم إحساسهم بالثورات التي حدثت في هذه الدول، ولكنّه هو أيضا، المغربي والمغاربي، لم يتنبأ بما حدث.

وإذا كان عمدة باريس، بيرتران دولانوي، وهو من مواليد تونس، يحاول فعل ما يستطيع لتقديم العون لتونسيين هربوا من تونس بعد الثورة ويتشردون في شوارع باريس، فما الذي يستطيع أن يفعله عبد الوهاب المؤدب، وهو تونسي، أو الطاهر بن جلون، الذي اكتشف، أخيرا، طمأنينة الرئيس ساركوزي، إزاء تدفق عشرات الآلاف من التونسيين إلى فرنسا؟ ماذا يستطيع هذان المُحتفلان والمبتهجان بالربيع العربي، والتونسي بخاصة، أن يفعلا لنصرة شباب وأبناء هذه الثورة، الذين تقطعت بهم السبل في أهوال البحر المتوسط وفي جفاء شوارع باريس؟ هل هو، فعلا، ربيع للجميع؟!