تكنولوجيا التفاعل بين الآلة والدماغ

تفتح الباب واسعا أمام المصابين بالشلل

TT

حول تكنولوجيا التفاعل بين الدماغ والآلات، والتي من بين آفاقها العمل على مساعدة الأشخاص المصابين بالشلل على التفاعل تماما مع البيئة المحيطة، صدر حديثا كتاب «ما وراء الحدود: علم أعصاب جديد يربط الدماغ بالآلات، وكيف سيغير حياتنا»، من تأليف عالم الأعصاب الأميركي البرازيلي الأصل ميغيل نيكوليليس، أستاذ علم الأعصاب في جامعة ديوك الأميركية في كارولينا الشمالية، ومؤسس مركز ديوك للهندسة العصبية بنفس الجامعة، والحاصل على الكثير من الجوائز المرموقة تقديرا لأبحاثه الرائدة، كما اعتبرته مجلة «العلوم الأميركية» واحدا من بين أكثر 20 عالما تأثيرا في العالم، كما أن مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية التي يصدرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قد اعتبرت أبحاثه من ضمن الـ10 أبحاث القمة في التكنولوجيات الناشئة التي ستغير العالم.

يعرض نيكوليليس في كتابه الكثير من التطورات والجهود والتجارب الرائدة المبذولة حاليا والمتسارعة، بما في ذلك أبحاثه، في مجال أبحاث الدماغ، والتي من بينها إدخال أقطاب كثيرة داخل الدماغ، وذلك بهدف فهم كيفية عمل الدماغ والعمليات التي تحدث عند التفكير، وكيف يمكن دمج هذه العمليات خارج أجسامنا مع العالم الخارجي، الأمر الذي سوف يجعل الكثير من الأشياء حولنا في متناولنا بسهولة. ومن بين هذه الأبحاث، تجارب المؤلف الرائدة على القرود، التي علمها كيف تسيطر وتتحكم في حركات ذراع روبوتية باستخدام إشارات المخ وحدها، وكذلك دراساته على التحفيز الكهربائي للحبل الشوكي لدى الفئران وآفاقها الواعدة لعلاج مرض باركنسون.

ومن بين هذه الدراسات، دراسته مع فريق من العلماء على الفئران التي تعطي نتائجها بارقة أمل لعلاج مرض باركنسون، والتي نشرت في مجلة «ساينس» الأميركية في 20 مارس (آذار) عام 2009، ومرض باركنسون (الشلل الرعاش)، من الأمراض الشائعة لدى كبار السن، وسمي بهذا الاسم نسبة للطبيب الإنجليزي جيمس باركنسون (1755–1824)، الذي كتب عنه مقالة بعنوان «مقالة حول الرعشة غير الإرادية» في عام 1817، وهو من اضطرابات الحركة، ويحدث نتيجة نقص إفراز مادة الدوبامين المسؤولة عن نقل الإشارات العصبية في المخ والضرورية لتوازن الحركة لدى الإنسان، ومن أهم أعراض المرض، ارتعاش واهتزاز جزء أو أكثر من جسم الإنسان والتصلب (تيبس الجسم) وعدم القدرة على الحركة وفقدان الاتزان وصعوبة المشي. ففي هذه الدراسة جردت الفئران من مادة الدوبامين التي تؤمن التواصل بين الخلايا العصبية في المخ، وذلك لمحاكاة أعراض مرض باركنسون، (أي تصبح حركة الفئران بطيئة وصعبة)، ثم تم تثبيت محفز كهربائي صغير في أعلى عمودها الفقري، وكان من نتائجها أن أثبت المحفز فعالية مذهلة على الفئران، فبعد مرور 3.35 ثانية على بدء تشغيل وتحفيز الآلة كهربائيا لحبلها الشوكي، بدأت الفئران تتحرك بشكل طبيعي، حيث عمل المحفز كصلة وصل بين الدماغ وشبكة الخلايا العصبية، لتسهيل انتقال الأوامر العصبية، ويذكر أن الحبل الشوكي يعمل كناقل أو موصل للإشارات أو النبضات العصبية (الكهربائية) من أجزاء الجسم المختلفة إلى المراكز الرئيسية في المخ وبالعكس، وقال نيكوليليس إنه إذا تم التمكن من إثبات خلو المحفز من المخاطر وفعاليته على رتبة الرئيسيات (أعلى رتب الثدييات، منها القردة والشمبانزي)، ثم على البشر، فسوف يتمكن مرضى باركنسون من استخدامه. وفي إنجاز علمي رائد، أعلن عنه مؤخرا، ونشر في الإصدار الإلكتروني لمجلة «لانسيت» الطبية في 20 مايو (أيار) الماضي، ووفقا لما ذكره الفريق البحثي بقيادة البروفسورة سوزان هاركيما مديرة أبحاث إعادة التأهيل في مركز كنتاكي لأبحاث أضرار الحبل الشوكي في جامعة لويزفيل بولاية كنتاكي الأميركية، تمكن شاب أميركي مصاب بالشلل بعد إصابة حبله الشوكي، وبالاستفادة من جهاز لتحفيز الإشارات الكهربائية زرع في أسفل ظهره وما صاحبه من عملية إعادة تأهيل، من استعادة قدرته على الوقوف لفترات قصيرة، والمشي لعدة خطوات بمساعدة خارجية، وتحريك ساقيه وقدميه حسب رغبته، حيث قام الجراحون بزرع أقطاب كهربائية في الجزء الأسفل من ظهره بهدف تحفيز الحبل الشوكي المتحكم الرئيسي في الحركة، وذكر الفريق البحثي أن النبضات الكهربائية التي استخدمت في التجربة تشبه النبضات التي يرسلها المخ بشكل طبيعي لتحريك الساقين والذراعين. ومن أبحاث نيكوليليس الأخرى الواعدة في مجال تمكين الأفراد المصابين بالشلل الكلي أو الجزئي من تحريك أطرافهم، ومساعدة الأفراد الذين بترت أطرافهم من التحكم بسهولة تامة بحركة أطراف آلية صناعية موصلة لاسلكيا بأدمغتهم والسيطرة عليها اعتمادا فقط على أفكار الدماغ، ما جاء في دراسته عام 2003، حيث تمكن من تدريب قردة على تحريك ذراع روبوتية آلية باستخدام أفكارها، اعتمادا على شبكة معلومات تقوم على الرؤية والإشارات الدماغية من دون أن تضطر لتحريك ذراعها باستخدام أي عضلات أو أسلاك، الأمر الذي سيفيد المصابين بالشلل، فسوف يتم استقبال الإشارات الدماغية وإرسالها لجهاز ليقوم بمعالجتها، وإعادة إرسالها للأطراف الصناعية أو الملابس الروبوتية التي سوف تتحرك وفقا لما يصلها من أوامر الدماغ.